لماذا نشعر بالوحدة؟ نحن لسنا في عزلة.. فالله موجود.. وهو يحبنا. فإحساسك بالوحدة هو إحساس كاذب، هو ذات الإحساس الذي أحسه النبي آدم(ع) إذ جاءه إبليس قائلاً له: فكر في نفسك.
نحن معاشر البشر مخلوقات من المقرر أن تكوّن هي لأنفسها قيمة، فلسنا كالملائكة التي لها قيمة ثابتة ولا تستطيع زيادتها. حسنٌ، طالما نحن مخلوقات عليها أن تكوّن هي لأنفسها قيمة فمن الطبيعي أن يمنحنا الله حرية، وقد منحنا. ثم لا بد أن يزوّدنا ببضعِ أنواع من الرغبات؛ رغبة في الصالحات، ورغبة أيضاً في السيئات والتوافه والنقائص وما إليها. ولقد زوّدنا الله ببضع رغبات فعلاً، ذلك أنه لو زوّدنا برغبة واحدة لاخترنا دوماً ما تريده هذه الرغبة، وما كان لحرّيتنا من جدوى، فأن يجعلَنا أحراراً ثم يزوّدنا برغبة واحدة، بموهبة واحدة، بحاجة واحدة فمن الواضح أننا سنتخذ هذا الطريق. إذن لا بد من وجود رغبات متعددة في دواخلنا، فإذا كانت لدينا رغبات شتى وكنا أحراراً فلا بد أن يضعنا الله في ظروف امتحان.
ما معنى هذا؟
يعني أن يضعنا على مفترق طريقين كي نختار، طريقين يبدو لنا أن في سلوك كليهما منفعة لنا. فلا بد أن نواجه ظرفاً يحتّم علينا الاختيار، وهو أن نواجه طريقين. ولا بد أن توجد في دواخلنا رغبات مختلفة، وذلك لكي نكتسب قيمة؛ بأن نفيد من حريتنا فنحسن الاختيار. وحينما يجد الإنسان نفسه في مثل هذا الظرف فلا بد لله أن يتوارى قليلاً، وهنا يأتي موضوع الإيمان بالغيب؛ فلو كان الحور العين يقفنَ على مسافة قريبة منا ويُلوِّحن لنا هكذا فمن الواضح أي خيار كنا سنختار، إذن لا بد له تعالى من بعض التخفّي.
فمن أجل أن يكتسب الإنسان قيمة يضطر الله إلى الصمت قليلاً، ولكي تكون لاختياري قيمة، لا يستعجل الله في مجازاتي، فلا يسرع في إثابتي على ما أتيت به من عمل صالح، فإذا بي أجد نفسي وحيداً، وإنه إبليس اللعين التعيس الذي يأتي ليستغل وحدتي هذه، فلقد جعل جدي آدم(ع) يخطئ وهو في الجنة، ولم يتدخّل الله! إذ قال له الله: لا تقرب هذه الشجرة، هي مُحَرّمة عليك، أمامك الأشجار الأخرى فاقطف من أيٍّ شئت. فاستغل إبليس "عزلة" آدم، فما إن وجد آدم نفسَه وحده حتى جاءه إبليس قائلاً: «هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ»، هل أدلّك على ما يجعلك خالداً في هذه الجنة وعلى «مُلْكٍ لا يَبْلَى» ولا يزول؟ أتريد أن أفعل هذا؟.. فنسي آدم ربه للحظة واحدة!.. نسي رحمته! تنبّهوا.. تصوّرَ أنه وحيداً.. وعليه أن يفكر في نفسه.. فساءت الأمور.. «وَعَصَى آدَمُ رَبَّه».. لقد أخطأ.. ترك الله آدم لبرهة فقط فغاص آدم في أفكاره، راح يفكر بمستقبله.. بمصالحه! غفل آدم للحظة!.. آدم!.. النبي آدم على نبينا وآله وعليه السلام غفل!
لماذا أخطأ آدم(ع)؟ لأنه خاف على مستقبله. ومَن الذي يخاف على مستقبله؟ إنه من لا يشعر بأن هناك لطفاً يرعاه. وما الذي سيحصل لمن يقلق على مستقبله؟ ستسوء حالُه.. ستسوء أخلاقُه.. سيقسو قلبُه..
لماذا لا نصدق بأن الله رحيم، وننسى هذا تدريجياً، ونسيء الظن شيئاً فشيئاً؟ لأن أجواء حياتنا نحن معاشر البشر، وبسبب الامتحان، هي مما يجعلنا نشعر بالوحدة. وبسبب هذا الشعور بالوحدة.. وهو أن نرى أن الله ليس في متناول أيدينا، وكأنه ليس على مقربة منا.. وهو لا يتفاعل معنا بشكل مباشر - بسبب هذا الشعور بالوحدة تبلغ بنا الحال إلى تصور أن لا أحد يحبنا! ولا أحد يهتم بنا! فنتجرّد مما كنا فيه من ذلك الصفاء الطفولي الجميل، الصفاء الطفولي الجميل الذي ذكرتُه مراراً نقلاً عن مثال كان يضربه الشيخ بهجت(ره) وهو أن الطفل لا يقلق أبداً على طعام غده قائلاً: أمي ستطبخ!
تقول له: لكن ماذا لو لم تُطعمك أمك؟
فيرمُقُك بنظرة استغراب قائلاً: "أمي لا تطعمني!.. هل أنت أخرق يا هذا؟! ألا تعرف أمي؟!... إنها أمي!!"
هل نستطيع أن نحيا بهذه الطريقة؟ ألا يمكن أن نعمل لغدنا لكن أن لا نقلق عليه؟ نعمل بسكينة.. وبطيب خاطر.. لماذا ننسى رحمة الله ورأفته؟ على أننا لو فكّرنا - عموماً - لصدّقنا بأن الله رحيم! لماذا ترانا نميل - شيئاً فشيئاً – حتى إلى سوء الظن بالله؟ لأن حياتنا عبارة عن مسرح امتحان ولا بد لنا في الامتحان من بعض الوحدة، فترانا نتخيّل أننا في وحدة تماماً. فإنْ تخيَّلنا ذلك، وانشغلنا – كآدم(ع) – بالتفكير في مستقبلنا، إذ قيل له: «هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ»، فإنه ثمة أيضاً شيطان لئيم لعين لا يزال يوسوس في صدورنا ليجُرّنا نحو الشجرة المحرمة لنؤَمِّن على مصالحنا المستقبلية! لا تخف.. مصالحك المستقبلية بيد الله. لِمَ نسيت رحمة الله تعالى؟!
نحن لسنا في عزلة.. فالله موجود.. وهو يحبنا، فإحساسك بالوحدة هو إحساس كاذب، هو ذات الإحساس الذي أحسه النبي آدم(ع) إذ جاءه إبليس قائلاً له: فكر في نفسك وجرّه نحو الشجرة المحرّمة. لا تلجأ أبداً إلى الشجرة المحرّمة بسبب شعورك بالوحدة، فالله في منتهى الرحمة.
#عليرضا_بناهيان
نحن معاشر البشر مخلوقات من المقرر أن تكوّن هي لأنفسها قيمة، فلسنا كالملائكة التي لها قيمة ثابتة ولا تستطيع زيادتها. حسنٌ، طالما نحن مخلوقات عليها أن تكوّن هي لأنفسها قيمة فمن الطبيعي أن يمنحنا الله حرية، وقد منحنا. ثم لا بد أن يزوّدنا ببضعِ أنواع من الرغبات؛ رغبة في الصالحات، ورغبة أيضاً في السيئات والتوافه والنقائص وما إليها. ولقد زوّدنا الله ببضع رغبات فعلاً، ذلك أنه لو زوّدنا برغبة واحدة لاخترنا دوماً ما تريده هذه الرغبة، وما كان لحرّيتنا من جدوى، فأن يجعلَنا أحراراً ثم يزوّدنا برغبة واحدة، بموهبة واحدة، بحاجة واحدة فمن الواضح أننا سنتخذ هذا الطريق. إذن لا بد من وجود رغبات متعددة في دواخلنا، فإذا كانت لدينا رغبات شتى وكنا أحراراً فلا بد أن يضعنا الله في ظروف امتحان.
ما معنى هذا؟
يعني أن يضعنا على مفترق طريقين كي نختار، طريقين يبدو لنا أن في سلوك كليهما منفعة لنا. فلا بد أن نواجه ظرفاً يحتّم علينا الاختيار، وهو أن نواجه طريقين. ولا بد أن توجد في دواخلنا رغبات مختلفة، وذلك لكي نكتسب قيمة؛ بأن نفيد من حريتنا فنحسن الاختيار. وحينما يجد الإنسان نفسه في مثل هذا الظرف فلا بد لله أن يتوارى قليلاً، وهنا يأتي موضوع الإيمان بالغيب؛ فلو كان الحور العين يقفنَ على مسافة قريبة منا ويُلوِّحن لنا هكذا فمن الواضح أي خيار كنا سنختار، إذن لا بد له تعالى من بعض التخفّي.
فمن أجل أن يكتسب الإنسان قيمة يضطر الله إلى الصمت قليلاً، ولكي تكون لاختياري قيمة، لا يستعجل الله في مجازاتي، فلا يسرع في إثابتي على ما أتيت به من عمل صالح، فإذا بي أجد نفسي وحيداً، وإنه إبليس اللعين التعيس الذي يأتي ليستغل وحدتي هذه، فلقد جعل جدي آدم(ع) يخطئ وهو في الجنة، ولم يتدخّل الله! إذ قال له الله: لا تقرب هذه الشجرة، هي مُحَرّمة عليك، أمامك الأشجار الأخرى فاقطف من أيٍّ شئت. فاستغل إبليس "عزلة" آدم، فما إن وجد آدم نفسَه وحده حتى جاءه إبليس قائلاً: «هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ»، هل أدلّك على ما يجعلك خالداً في هذه الجنة وعلى «مُلْكٍ لا يَبْلَى» ولا يزول؟ أتريد أن أفعل هذا؟.. فنسي آدم ربه للحظة واحدة!.. نسي رحمته! تنبّهوا.. تصوّرَ أنه وحيداً.. وعليه أن يفكر في نفسه.. فساءت الأمور.. «وَعَصَى آدَمُ رَبَّه».. لقد أخطأ.. ترك الله آدم لبرهة فقط فغاص آدم في أفكاره، راح يفكر بمستقبله.. بمصالحه! غفل آدم للحظة!.. آدم!.. النبي آدم على نبينا وآله وعليه السلام غفل!
لماذا أخطأ آدم(ع)؟ لأنه خاف على مستقبله. ومَن الذي يخاف على مستقبله؟ إنه من لا يشعر بأن هناك لطفاً يرعاه. وما الذي سيحصل لمن يقلق على مستقبله؟ ستسوء حالُه.. ستسوء أخلاقُه.. سيقسو قلبُه..
لماذا لا نصدق بأن الله رحيم، وننسى هذا تدريجياً، ونسيء الظن شيئاً فشيئاً؟ لأن أجواء حياتنا نحن معاشر البشر، وبسبب الامتحان، هي مما يجعلنا نشعر بالوحدة. وبسبب هذا الشعور بالوحدة.. وهو أن نرى أن الله ليس في متناول أيدينا، وكأنه ليس على مقربة منا.. وهو لا يتفاعل معنا بشكل مباشر - بسبب هذا الشعور بالوحدة تبلغ بنا الحال إلى تصور أن لا أحد يحبنا! ولا أحد يهتم بنا! فنتجرّد مما كنا فيه من ذلك الصفاء الطفولي الجميل، الصفاء الطفولي الجميل الذي ذكرتُه مراراً نقلاً عن مثال كان يضربه الشيخ بهجت(ره) وهو أن الطفل لا يقلق أبداً على طعام غده قائلاً: أمي ستطبخ!
تقول له: لكن ماذا لو لم تُطعمك أمك؟
فيرمُقُك بنظرة استغراب قائلاً: "أمي لا تطعمني!.. هل أنت أخرق يا هذا؟! ألا تعرف أمي؟!... إنها أمي!!"
هل نستطيع أن نحيا بهذه الطريقة؟ ألا يمكن أن نعمل لغدنا لكن أن لا نقلق عليه؟ نعمل بسكينة.. وبطيب خاطر.. لماذا ننسى رحمة الله ورأفته؟ على أننا لو فكّرنا - عموماً - لصدّقنا بأن الله رحيم! لماذا ترانا نميل - شيئاً فشيئاً – حتى إلى سوء الظن بالله؟ لأن حياتنا عبارة عن مسرح امتحان ولا بد لنا في الامتحان من بعض الوحدة، فترانا نتخيّل أننا في وحدة تماماً. فإنْ تخيَّلنا ذلك، وانشغلنا – كآدم(ع) – بالتفكير في مستقبلنا، إذ قيل له: «هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ»، فإنه ثمة أيضاً شيطان لئيم لعين لا يزال يوسوس في صدورنا ليجُرّنا نحو الشجرة المحرمة لنؤَمِّن على مصالحنا المستقبلية! لا تخف.. مصالحك المستقبلية بيد الله. لِمَ نسيت رحمة الله تعالى؟!
نحن لسنا في عزلة.. فالله موجود.. وهو يحبنا، فإحساسك بالوحدة هو إحساس كاذب، هو ذات الإحساس الذي أحسه النبي آدم(ع) إذ جاءه إبليس قائلاً له: فكر في نفسك وجرّه نحو الشجرة المحرّمة. لا تلجأ أبداً إلى الشجرة المحرّمة بسبب شعورك بالوحدة، فالله في منتهى الرحمة.
#عليرضا_بناهيان