Репост из: طُروس ?
من أعجب ما يُلقى على سمعي في قاعات الدرس عندما يُراد التأريخ للنقد عند العرب تلكم الاتهامات للعرب في جاهليّتهم بأنَّ نقدَهم انطباعيٌّ، وسطحيٌّ، لا يحلِّلُ أو يُعلِّل!..
ولم أملك حينها أن أردَّ أو أناقش في المسألة؛ فقد كان الأمر عند من يُلقِّنُ تلك المادّة هو بمنزلة اليقين الذي لا جدال فيه! دون التحرّي للأمر والوقوف على حقيقته.
وهذه التهم المُستخِفّة، قد روّج لها المستشرقون بداية أمرهم..
بدعوى أنّ النقدَ كان كذلك عند سلَفِهم، فالأمم في بداءتها تتشابه! وزعمهم باطلٌ كلَّ البُطلان، فليست الأمم سواء.
وأنا والله أعجب كيف يستقيم لأساتذتنا الجمع بين اتهام العرب بذلك، مع الإقرار بأنَّ القرآن الكريم قد أُنزل على قومٍ كانوا في غاية البيان، وكان لهم القرآن مُعجِزًا مع قدرتهم على التصرّف بأبواب القول وفنون الكلام!.
والحقّ، أنّي ما أدركت قيمة هذا النقد العميق المختزَل في عبارةٍ موجزة، زخّارةٍ بالدلالات.. إلا بعد طول نظر؛ إذ إنَّ تلك العبارات هي من جنس شعرهم، كثيفة المعاني، بعيدة الغور، ولها اللغة الشعريّة التي للشعر، من تشبيهٍ أو كنايةٍ أو استعارة..
ولم أدرك خطورة نقدهم إلا بعد خوض النقد ومعايشة النصوص، ومع قِصَرِ زمن تجربتي هذه - بل هي تجربة غضّة لمّا تنضجْ بعد- فإني أجد تلك التهمَ غايةً في الجهل والاستخفاف والتهاون، فالجهل بطبيعة العربيّ وشعره -وهو أبصرُ به من (مُنظِّر) حديثٍ ينشأ في قرنٍ غير قرنه وفي لغة غير لغته- يجعله يطلق هذه العبارات بلا احتراز..
ومدارُ الأمر في العملية النقديّة هو (التذوّق) والنفاذ لمعنى النصّ، وأتذكّر في هذا المقام، كلمةً لأحد الأساتذة في إحدى المحاضرات، قال فيها عن (التذوّق) وهي مرتبة بزّ فيها الجاهليُّ سواه:
"التذوّق الأدبي، هو أصعبُ مرحلةٍ ومستوى في النقد، بل هو المرتبة الشريفة منه وذروةُ سنامه" .
فهل يُعجز العربيّ المبين الذي ينطق عن نفسه في شعرٍ نادر المثال، بديع التكوين، عن أن يُحلّل أو يُعلِّل؟.
وإنَّ القوم الذين عدّوا الإيجاز بلاغةً، وأسلوب الحذف عندهم قد جعله ابن جنّي من (شجاعة) العربيّة!.
والتعويل على فهم السامع وبديهته، والاختزال في اختزان الجملة على مرادهم كلّه، يجعلك توقن أن نقدهم هو من جملة تفنّنهم في الخطاب..
ولم يأتِ ذلك عن عجزهم أو قصور نظرهم النقديّ! فحسبهم الذائقة الحُرّة التي تغنيهم عن التطويل في العبارات! .
-
ولم أملك حينها أن أردَّ أو أناقش في المسألة؛ فقد كان الأمر عند من يُلقِّنُ تلك المادّة هو بمنزلة اليقين الذي لا جدال فيه! دون التحرّي للأمر والوقوف على حقيقته.
وهذه التهم المُستخِفّة، قد روّج لها المستشرقون بداية أمرهم..
بدعوى أنّ النقدَ كان كذلك عند سلَفِهم، فالأمم في بداءتها تتشابه! وزعمهم باطلٌ كلَّ البُطلان، فليست الأمم سواء.
وأنا والله أعجب كيف يستقيم لأساتذتنا الجمع بين اتهام العرب بذلك، مع الإقرار بأنَّ القرآن الكريم قد أُنزل على قومٍ كانوا في غاية البيان، وكان لهم القرآن مُعجِزًا مع قدرتهم على التصرّف بأبواب القول وفنون الكلام!.
والحقّ، أنّي ما أدركت قيمة هذا النقد العميق المختزَل في عبارةٍ موجزة، زخّارةٍ بالدلالات.. إلا بعد طول نظر؛ إذ إنَّ تلك العبارات هي من جنس شعرهم، كثيفة المعاني، بعيدة الغور، ولها اللغة الشعريّة التي للشعر، من تشبيهٍ أو كنايةٍ أو استعارة..
ولم أدرك خطورة نقدهم إلا بعد خوض النقد ومعايشة النصوص، ومع قِصَرِ زمن تجربتي هذه - بل هي تجربة غضّة لمّا تنضجْ بعد- فإني أجد تلك التهمَ غايةً في الجهل والاستخفاف والتهاون، فالجهل بطبيعة العربيّ وشعره -وهو أبصرُ به من (مُنظِّر) حديثٍ ينشأ في قرنٍ غير قرنه وفي لغة غير لغته- يجعله يطلق هذه العبارات بلا احتراز..
ومدارُ الأمر في العملية النقديّة هو (التذوّق) والنفاذ لمعنى النصّ، وأتذكّر في هذا المقام، كلمةً لأحد الأساتذة في إحدى المحاضرات، قال فيها عن (التذوّق) وهي مرتبة بزّ فيها الجاهليُّ سواه:
"التذوّق الأدبي، هو أصعبُ مرحلةٍ ومستوى في النقد، بل هو المرتبة الشريفة منه وذروةُ سنامه" .
فهل يُعجز العربيّ المبين الذي ينطق عن نفسه في شعرٍ نادر المثال، بديع التكوين، عن أن يُحلّل أو يُعلِّل؟.
وإنَّ القوم الذين عدّوا الإيجاز بلاغةً، وأسلوب الحذف عندهم قد جعله ابن جنّي من (شجاعة) العربيّة!.
والتعويل على فهم السامع وبديهته، والاختزال في اختزان الجملة على مرادهم كلّه، يجعلك توقن أن نقدهم هو من جملة تفنّنهم في الخطاب..
ولم يأتِ ذلك عن عجزهم أو قصور نظرهم النقديّ! فحسبهم الذائقة الحُرّة التي تغنيهم عن التطويل في العبارات! .
-