حالات شفاء المرضى بيد الإمام علي (ع) في القرن السادس الهجري
لقد وردت في عدد من مصادر القرنين السادس والسابع الهجريَّيْن، تفاصيل عن حالات شفاء المرضى بإعجازٍ من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وذلك بعد رؤية المريض للإمام (عليه السلام) في منامه. وقد جمعتُ في هذا المقال ما تيسّر لي استقصاؤها من هذه الحالات، والتي حدثت كلها ـ بناءً على المصادر التاريخية ـ في القرن السادس الهجري. ويُلاحَظ أن جميع هذه الحالات مرتبطة بشكل أو بآخر بالمشاهد والمزارات الدينية الموجودة في ذلك العصر.
فمن هذه الحالات، شفاء رجلٍ من أهل حلب، كان مصاباً بمرض الحمّى، في سنة 522هـ / 1128م، وقد بُني في المكان الذي رأى المريض في منامه أن الإمام علي (عليه السلام) يشفيه، أي عند باب الجنان ـ من أبواب حلب القديمة ـ، مشهد للإمام (عليه السلام). وقد ذكر ابن شَدّاد (ت 684هـ) في تاريخه "الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة" (ج 1، ق 1، ص 47-48)، تفاصيل حادث الشفاء وظهور المشهد، نقلاً عن المؤرخ ابن أبي طيّ (ت 630هـ)، وهي أن موقع المشهد «كان مكان يُباع فيه الخمر واتفق أن بعض أهل حلب رأى في النوم وكان مريضاً بحمّى من مدة طويلة كأنه في ذلك المكان وكأن رجلاً يقول له: "أي شيء تشكو؟" فقال: الحمّى. فمدّ يده إلى تراب من ذلك المكان وقال: "خذه وعلّقه عليك فإنك تبرأ، وقل للناس يعمّرون هاهنا مشهداً". فقال: يا مولاي لا يقبلون مني. فقال: "يحفرون هاهنا فإنهم يجدون صخرةً جميع ما حولها من التراب يكون فيه رائحة المسك". فقال له: ومن أنت؟ قال: "أنا علي بن أبي طالب". فاستيقظ الرجل وقد زالت الحمّى عنه. فحدّث لأهله بذلك وأصبح وخرج إلى ذلك المكان ووقف يحدّث الناس وكان حلب رجل يقال له شُقَيْر السوادي يحمل السواد إلى البساتين وكان فيمن حضر فنبشوا المكان فكان التراب يخرج كأنه المسك فتطيّبت به الناس وتاب شُقَيْر من أمور كان يعتمدها من الفساد وتولّى عمارة المكان.»
ومن هذه الحالات أيضاً ما قيل في سبب بناء «مسجد غوث» بحلب. فقد ذكر ابن شدّاد في "الأعلاق الخطيرة" (ج 1، ق 1، ص 42) أن الأتابك عماد الدين زنكي بعد أن أخذ الحديثة في سنة 536هـ، وكان في طريق عودته إلى الشام، مرّ بصفّين، فأصابته حمّى حادّة منعته القرار، ثم زالت عنه في آخر الليل، فنام فرأى في النوم كأن علياً (عليه السلام) يصف له دواء للحمّى، ودلّه على حجر هناك. فلما أصبح سأل عن الحجر، فدُلّ عليه وسأل عن قصته. فذكروا أن علياً (عليه السلام) لما نزل مدينة الرقة، شكا إليه أهلها ما يلقون من السباع وكثرتها، فجاء إلى هذا الحجر وكتب عليه شيئاً ووضعه خارج الرقة. فأمر الأتابك بحمل الحجر إلى مدينة حلب على ناقة، فلما وصلوا إلى حلب قرّروا نقله إلى القلعة، فأدخلوا الناقة من باب العراق، وأخذوا بها في الطريق المعروف بالمرمى، فبركت قريباً من رأسه، فأثاروها وضربوها، فامتنعت عن القيام، فطرحوا عنها الحجر فأمر الأتابك بعمارة مسجد هناك ووضع الحجر فيه.
أما علي بن أبي بكر الهروي (ت 611هـ)، فقد روى لنا تفاصيل شفاءِ شيخٍ كان قد ابتُلي بالجذام، وذلك في جزيرة "تونَة" في بحيرة المنزلة قرب تنّيس ودمياط، فبُني في موضع الشفاء مشهد للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإمام علي (عليه السلام). ويقول الهروي في كتابه "الإشارات إلى معرفة الزيارات" (ص 47) حول ذلك: «وسألتُ أهل هذه الجزيرة عن المشاهد هل عُمِّرَتْ على اسم النبي (ص) وعلى اسم علي بن أبي طالب (رض) فقالوا: لها حكاية. ثم استَدْعَوْا شيخاً حَسَنَ الوجه فقالوا: هذا ابتُلي بالجذام ورماه أهله في ناحية الجزيرة خوفاً من مرضه وتلف بدنه وهلك، فلما كان في بعض الليالي صرخ صراخاً عظيماً، فأتاه الناس وهو قائمٌ ليس به ألم. فسُئل عن حاله فقال: رأيت رسول الله (ص) في هذا الموضع فقال: "اعملوا هاهنا مسجداً". فقلتُ: يا رسول الله، أنا مبتلي وما يصدّقوني. فالتفت إلى شخصٍ إلى جانبه وقال: "يا علي خُذْ بيده". فمدّ يده إليّ، فقمتُ كما تَرَوْني.»
وذكر الهروي حالة شفاءٍ أخرى حدثت عند مقام عمر بن الإمام الحسين (عليه السلام) في مدينة بلط أو بلد ـ من أعمال الموصل ـ، فقد قال في كتاب الإشارات (ص 68): «رأیتُ لهذا الموضع آية عظيمة، وذلك أنه كان بالموصل رجل فقّاعي زَمِن يمشي علی أعلاق من الخشب، ويجرّ رجلَيه خلفه كأنهما خرق، وبقي كذلك سنين عدّة وزماناً طويلاً يشاهده الناس، وهو معروف بالموصل. فرأى علي بن أبي طالب (رض) في منامه وذكر أنه قال له: "امضِ إلى مشهد ولدي عمر بن الحسين لأظهر فیك آية". فحملوه إلى هذا الموضع فاغتسل من الماء الذي به، وزاره وعاد إلى الموصل ماشیاً على قدمَيه وسمّوه "عبد علي"، ولعلّه في الحياة، والله أعلم. ورأيتُ لهذا الموضع من الآيات غیر هذا، بل اختصرتُ علی ذكر هذه الفضيلة.»
https://t.me/ganjineh_channel