تأمل هذا الرجل حين تراه أول مرة؛ شيخًا وديعًا قد خطَّ التعب خطوطه على محياه، ويتوكأ على عصا تُنبئك عن رجله الوحيدة التي فقدها في أمواج المغامرة الهوجاء، فتخال أنه ضرب من الطيبين الذين أفنتهم الحياة لكنهم ظلّوا على نقائهم. تراه يجذب الشاب الصغير جيم هوكينز بحنان الأب ومودة الصديق، يبتسم له ويُبدي له من الكلمات ما يُذيب جليد القلوب.
غير أن الأقدار، كما تكشف المعادن عن حقيقتها بالنار، تكشف كذلك الأرواح عن دخائلها بالفتن والمطامع. ها هو سيلفر يخلع قناع اللطف شيئًا فشيئًا، ويظهر على حقيقته حين يسيل لعابه لرائحة الذهب الذي يُخبئه الكنز الموعود. إنّه لا يسعى إلا لنفسه، ولا يعمل إلا لحسابه، ولو كان ذلك على أشلاء من وثقوا به، فهو القرصان الذي خبر الحياة ومراراتها، فلم يترك للمبادئ مكانًا في قلبه.
لكن مهلاً! إنك إذ تتوغل في دهاليز شخصيته، لا يسعك إلا أن تدهش أمام هذا التناقض العجيب. أهو شريرٌ حقًا، أم ناجٍ يحاول أن يشق طريقه في هذا العالم القاسي؟ ألا ترى أنه مع ما فيه من خبث ومكر، يمتلك قدرًا من الشجاعة يُثير الإعجاب؟ إنه لا يقتل للمتعة، ولا يخون لمجرد الخيانة، بل تجده في لحظات يكاد يتوارى فيها الشر، يظهر منه قلب يخفق بنبض الحياة، قلب يُشفق، ويحنو، حتى ليخال لك أن الخير لم يُعدم منه تمامًا.
يُعجبك سيلفر حين يتكلم؛ فهو الحكيم الذي يعرف الناس كما يعرف البحر أمواجه، ويقرأ الوجوه كما يقرأ القبطان النجوم ليهتدي بها. يدرك متى يبتسم ومتى يُظهر مخالبه، فيأسر قلوب الناس بحلاوة كلماته،
حتى ليكاد خصومه يعجبون به وهم له كارهون.
إنه ليس مجرد شرير صنعه الخيال، بل هو صورة للدهاء الإنساني الذي يظل يتأرجح بين الخير والشر، بين الرحمة والقسوة، بين الوفاء والخيانة.
إن شخصية سيلفر هي مرآة للطبيعة البشرية بكل تناقضاتها، هي صورة الإنسان حين تسحقه الحياة فلا تترك له إلا حيلته ودهاءه لينجو. في قلبه تسكن الحكمة، وعلى شفتيه يتراقص المكر، وفي عينيه يلمع الأمل برغم ما يحيط به من دمار.
وهكذا يظل سيلفر رجلًا لا يشبه الأشرار الذين تملؤهم القسوة وحدها، ولا الأبطال الذين يضيئون العالم بنور قلوبهم، بل هو بين هذا وذاك، يظل لغزًا يُحيّر القارئ، ويجعله يتساءل: هل كان سيلفر شريرًا بالفطرة أم ناجيًا على طريق الضرورة؟
تلك هي روعة الأدب حين يُقدّم لنا شخصية كتلك، فنجد فيها مزيجا من التعقيد والحياة، كأنما يقول لنا: إن البشر ليسوا ملائكة ولا شياطين،
بل تُشكّلهم الحياة كما تُشكّل الأمواج صخور الشاطئ؛ تُنحت قلوبهم، وتُسطّر على وجوههم خطوط الحكايات التي لا تنتهي.
غير أن الأقدار، كما تكشف المعادن عن حقيقتها بالنار، تكشف كذلك الأرواح عن دخائلها بالفتن والمطامع. ها هو سيلفر يخلع قناع اللطف شيئًا فشيئًا، ويظهر على حقيقته حين يسيل لعابه لرائحة الذهب الذي يُخبئه الكنز الموعود. إنّه لا يسعى إلا لنفسه، ولا يعمل إلا لحسابه، ولو كان ذلك على أشلاء من وثقوا به، فهو القرصان الذي خبر الحياة ومراراتها، فلم يترك للمبادئ مكانًا في قلبه.
لكن مهلاً! إنك إذ تتوغل في دهاليز شخصيته، لا يسعك إلا أن تدهش أمام هذا التناقض العجيب. أهو شريرٌ حقًا، أم ناجٍ يحاول أن يشق طريقه في هذا العالم القاسي؟ ألا ترى أنه مع ما فيه من خبث ومكر، يمتلك قدرًا من الشجاعة يُثير الإعجاب؟ إنه لا يقتل للمتعة، ولا يخون لمجرد الخيانة، بل تجده في لحظات يكاد يتوارى فيها الشر، يظهر منه قلب يخفق بنبض الحياة، قلب يُشفق، ويحنو، حتى ليخال لك أن الخير لم يُعدم منه تمامًا.
يُعجبك سيلفر حين يتكلم؛ فهو الحكيم الذي يعرف الناس كما يعرف البحر أمواجه، ويقرأ الوجوه كما يقرأ القبطان النجوم ليهتدي بها. يدرك متى يبتسم ومتى يُظهر مخالبه، فيأسر قلوب الناس بحلاوة كلماته،
حتى ليكاد خصومه يعجبون به وهم له كارهون.
إنه ليس مجرد شرير صنعه الخيال، بل هو صورة للدهاء الإنساني الذي يظل يتأرجح بين الخير والشر، بين الرحمة والقسوة، بين الوفاء والخيانة.
إن شخصية سيلفر هي مرآة للطبيعة البشرية بكل تناقضاتها، هي صورة الإنسان حين تسحقه الحياة فلا تترك له إلا حيلته ودهاءه لينجو. في قلبه تسكن الحكمة، وعلى شفتيه يتراقص المكر، وفي عينيه يلمع الأمل برغم ما يحيط به من دمار.
وهكذا يظل سيلفر رجلًا لا يشبه الأشرار الذين تملؤهم القسوة وحدها، ولا الأبطال الذين يضيئون العالم بنور قلوبهم، بل هو بين هذا وذاك، يظل لغزًا يُحيّر القارئ، ويجعله يتساءل: هل كان سيلفر شريرًا بالفطرة أم ناجيًا على طريق الضرورة؟
تلك هي روعة الأدب حين يُقدّم لنا شخصية كتلك، فنجد فيها مزيجا من التعقيد والحياة، كأنما يقول لنا: إن البشر ليسوا ملائكة ولا شياطين،
بل تُشكّلهم الحياة كما تُشكّل الأمواج صخور الشاطئ؛ تُنحت قلوبهم، وتُسطّر على وجوههم خطوط الحكايات التي لا تنتهي.