#من_أقلامهم
✍🏻 مقال بعنوان / التراحم
د. مهران ماهر (@MahranMahir)
goo.gl/QpQrPo
#الرحمة #التراحم
بسم الله الرحمن الرحيم
التراحم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوثِ رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ فإنَّ من أخلاق المسلمين التي أمر بها سيدُ المرسلين عليه الصلاة والتسليم: التراحم([1]).
والتراحم من أبرز ما يميِّز مجتمع المسلمين.
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى» متفق عليه.
قال ابن أبي جمرة رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: "الذي يظهر أن التراحم والتواد والتعاطف وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف:
فأما التراحم: فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضا بأخوة الإيمان لا بسبب شي ء آخر.
وأما التواد: فالمراد به التواصل الجالب للمحبة كالتزاور والتهادي.
وأما التعاطف: فالمراد به إعانة بعضهم بعضا، كما يعطف الثوب عليه ليقويه"([2]).
وقد نعت الله تعالى الصحابة رضي الله عنهم بهذا الخلق فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح/29].
وهذه كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة/54]، والذل لا يُرَغَّبُ فيه إلا في موضعين: الذلُّ للمؤمن، والذُّل للوالد.
ارحموا ترحموا
إنَّ من أجلِّ نعم الله أن يجعلك من المرحومين، قال تعالى: {لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران/157].
وممن ينال رحمة الله الذين امتلأت قلوبهم بالرحمة للناس.
ثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم» رواه أحمد. والجزاء من جنس العمل.
وفي سنن أبى داود والترمذي قال صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».
من لا يرحم لا يرحم
إنَّ الذي خلا قلبه من الرحمة والشفقة شقيٌّ بعيد عن الله تعالى، واسمع إلى نبيك صلى الله عليه وسلم وهو يقول فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: «لا تنزع الرحمة إلا من شقي» أبو داود.
وكيف لا يكون شقيا وقد حُرم رحمة الله؟
فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرحم الله من لا يرحم الناس» رواه البخاري ومسلم.
ولهما أيضاً: «مَنْ لا يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ».
والغليظ القاسي الذي لا تعرف الرحمة إلى قلبه سبيلاً دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» رواه مسلم.
الرحمة المهداة
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة يمشي في الناس.
قال تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} [التوبة/61].
وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة/128، 129].
وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء/107].
قال ابن عباس رضي الله عنهما في تأويلها: "من آمن بالله واليوم الآخر كُتب له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله، عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف"([3]). فكان صلى الله عليه وسلم رحمة بالمؤمنين والكافرين.
وإذا رحمت فأنت أم أو أب —- هذان في الدنيا هما الرحماءُ
✍🏻 مقال بعنوان / التراحم
د. مهران ماهر (@MahranMahir)
goo.gl/QpQrPo
#الرحمة #التراحم
بسم الله الرحمن الرحيم
التراحم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوثِ رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ فإنَّ من أخلاق المسلمين التي أمر بها سيدُ المرسلين عليه الصلاة والتسليم: التراحم([1]).
والتراحم من أبرز ما يميِّز مجتمع المسلمين.
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى» متفق عليه.
قال ابن أبي جمرة رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: "الذي يظهر أن التراحم والتواد والتعاطف وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف:
فأما التراحم: فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضا بأخوة الإيمان لا بسبب شي ء آخر.
وأما التواد: فالمراد به التواصل الجالب للمحبة كالتزاور والتهادي.
وأما التعاطف: فالمراد به إعانة بعضهم بعضا، كما يعطف الثوب عليه ليقويه"([2]).
وقد نعت الله تعالى الصحابة رضي الله عنهم بهذا الخلق فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح/29].
وهذه كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة/54]، والذل لا يُرَغَّبُ فيه إلا في موضعين: الذلُّ للمؤمن، والذُّل للوالد.
ارحموا ترحموا
إنَّ من أجلِّ نعم الله أن يجعلك من المرحومين، قال تعالى: {لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران/157].
وممن ينال رحمة الله الذين امتلأت قلوبهم بالرحمة للناس.
ثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم» رواه أحمد. والجزاء من جنس العمل.
وفي سنن أبى داود والترمذي قال صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».
من لا يرحم لا يرحم
إنَّ الذي خلا قلبه من الرحمة والشفقة شقيٌّ بعيد عن الله تعالى، واسمع إلى نبيك صلى الله عليه وسلم وهو يقول فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: «لا تنزع الرحمة إلا من شقي» أبو داود.
وكيف لا يكون شقيا وقد حُرم رحمة الله؟
فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرحم الله من لا يرحم الناس» رواه البخاري ومسلم.
ولهما أيضاً: «مَنْ لا يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ».
والغليظ القاسي الذي لا تعرف الرحمة إلى قلبه سبيلاً دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» رواه مسلم.
الرحمة المهداة
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة يمشي في الناس.
قال تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} [التوبة/61].
وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة/128، 129].
وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء/107].
قال ابن عباس رضي الله عنهما في تأويلها: "من آمن بالله واليوم الآخر كُتب له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله، عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف"([3]). فكان صلى الله عليه وسلم رحمة بالمؤمنين والكافرين.
وإذا رحمت فأنت أم أو أب —- هذان في الدنيا هما الرحماءُ