بسم الله الرحمن الرحيم
التاريخ الهجري والهجرة النبوية
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأكمل التسليم، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد كان لهجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة أهمية كبيرةٌ في تاريخ الإسلام.
كما أنَّ في هذه الهجرة عِبَراً وفوائدَ لجميع أمّته صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم الدين.
أمّا تخصيصُ شهر مُحرّم بأنّه أوّل السنة الهجريّة فهو أمرٌ اتفق عليه أصحابُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك أيامَ خلافة سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه.
قال الحافظُ ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري: "وذكروا في سبب عمل عمر رضي الله تعالى عنه التاريخ أشياءَ منها: ما أخرجه أبو نعيم الفضل بن دُكَين في تاريخه، ومن طريقه الحاكم من طريق الشعبي: أنَّ أبا موسى رضي الله تعالى عنه كتب إلى عمر رضي الله تعالى عنه: إنه يأتينا منك كتبٌ ليس لها تاريخ.
فجمع عمر رضي الله تعالى عنه الناسَ، فقال بعْضهم: أرّخ بالمبعث - أي: لنجعل مبدأ التاريخ الإسلامي من مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وقال بعْضهم: أرّخ بالهجرة.
فقال عمر رضي الله تعالى عنه: الهجرة فرّقت بين الحقّ والباطل، فأرّخوا بها.
وذلك سنة سبع عشرة.
فلما اتفقوا رضي الله تعالى عنهم قال بعضهم: ابدؤوا برمضان. فقال عمر رضي الله تعالى عنه: بل المحرم؛ فإنه منصرف الناس من حجّهم. فاتفقوا عليه.
وروى الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وأبو عروبة في "الأوائل" والبخاري في "الأدب" والحاكم من طريق ميمون بن مهران قال: رُفع لعمر رضي الله تعالى عنه صَكٌّ محلُّه شعبان، فقال: أيُّ شعبان؟ الماضي أو الذي نحن فيه، أو الآتي؟
ضعوا للناس شيئاً يعرفونه. فذكر نحو الأوّل.
(كما في فتح الباري، كتاب مناقب الأنصار).
وقال السيوطي في الدّرّ المنثور عند تفسير قوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ):"وأخرج ابن عساكر في أول كتابه تاريخ دمشق عن عبد العزيز بن عمران قال: لم يزل للناس تاريخ؛ كانوا يؤرخون في الدهر الأول من هبوط آدم من الجنة. فلم يزل كذلك حتى بَعث الله نوحاً، فأرّخوا من دعاء نوح على قومه، ثم أرّخوا من الطوفان، ثم أرّخوا من نار إبراهيم، ثم أرّخ بنو إسماعيل من بنيان الكعبة، ثم أرّخوا من موت كعب بن لؤي، ثم أرّخوا من عام الفيل، ثم أرّخ المسلمون بَعدُ مِن هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ وذلك لما في الهجرة من الخصائص والفضائل. وفيها ارتفعت كلمة الإسلام، وانتشر دين الله تعالى في الأرض، ولذلك حُقّ أن يكون مبدأُ الهجرة الشريفة هو مبدأُ التاريخ الإسلامي.
وذلك حتى تتذكرَ هذه الأمةُ كلُّها فضائلَ تلك الهجرة ووقائعها، وآثارها التي تركتها إلى يوم القيامة.
وتنطوي في ذلك فضائلُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيرتُه ومعجزاتُه، وخوارقُ العادات التي جرت على يديه صلى الله عليه وآله وسلم. ويظهر في ذلك أمرُ شريعته صلى الله عليه وآله وسلم.
فجميعُ ذلك منطوٍ تحت هجرته صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابِه رضي الله تعالى عنهم إلى المدينة المنورة.
ولقد بدأت هجرةُ الصحابة رضي الله تعالى عنهم إلى المدينة من أوّل شهر محرّم، بعد رجوع الأنصار الذين بايعوا رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم عند العقبات الثلاث إلى ديارهم، وانقضاء موسم الحجّ. وهذا ممّا يناسب أن يكون شهر محرّم هو مبدأُ التاريخ، لأنَّ فيه بدْءُ الهجرة، ونهايةُ الموسم الذي اتفق عليه الأنصارُ رضوان الله تعالى عليهم.
ولقد نصّ العلماء على أَنّ التأريخ بالسنة الهجرية أَمْرٌ شرعيّ له أثره في الإسلام، لا ينبغي أن يُهجَر، وإن أرّخ بتأريخ آخر فلا ينبغي ترك تاريخ الهجرة، لِما لها مِنْ معانٍ وحِكَم وفوائدَ وأسرار تنفع كل مؤمن إلى يوم الدين.
وهو أمر أجمع عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فينبغي اتباعهم في ذلك عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ)).
طرف من حديث رواه الإمام أحمد في المسند وأبو داود في كتاب السنة والترمذي في كتاب العلم عن سيدنا العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين.
من كتاب: (محاضراتٌ حول هجرة سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
••✦✿✦•• ┈
قناة الشيخ العلامة أحمد الكبيسي:
https://telegram.me/Ahmad_Alkubaisi1••✦✿✦•• ┈