Репост из: Abd Ar-Raḥman Ramaḍan
مع تقدمه في السن، وجه الإمبراطور الروماني المقدس فريدريك هوهنشتاوفن جزءًا متزايدًا من اهتمامه بالعلم والفلسفة. وكان أكبر ما يبعث فيه هذه الرغبة العلمية هو التراث الذي خلفه المسلمون في صقلية. وقد قرأ بنفسه كثيراً من روائع الكتب العربية الخالدة، واستدعى إلى بلاطه كثيرين من العلماء والفلاسفة المسلمين واليهود، وأجاز العلماء على ترجمة المراجع الهامة اليونانية والإسلامية إلى اللغة اللاتينية. وقد بلغ من ولعه بالعلوم الرياضية أن أقنع سلطان مصر بأن يبعث له بأحد الرياضيين الذائعي الصيت، كما كان على صلة ودية وثيقة بليوناردو فيبوناتشي أعظم علماء الرياضة المسيحيين في أيامه. لكنه كان يشارك أهل زمانه في بعض خرافاتهم، وأشتغل بالتنجيم والكيمياء الكاذبة، وأغرى ميخائيل اسكت الذي كان واسع المعرفة في علوم مختلفة بأن يجيء إلى بلاطه، وأخذ يدرس معه بعض العلوم الخفية بالإضافة إلى الكيمياء، والتعدين، والفلسفة. وكان شغوفاً بالإطلاع في جميع العلوم، فكان يبعث بالأسئلة العلمية والفلسفية إلى العلماء المقيمين في بلاطه وإلى غيرهم في البلاد النائية كمصر، وبلاد العرب، والشام والعراق. وكانت لديه حديقة للحيوان يتخذها للدرس لا للهو، ونظم تجارب علمية في تربية الدجاج، والحمام، والخيل، والجمال، والكلاب، ووضع قوانين لتحريم الصيد في مواسم معينة قائمة على أساس سجلات دقيقة خاصة بمواسم الزواج والتوالد عند الحيوان حتى قيل إن حيوانات أبوليا كتبت إليه تشكره على حسن صنيعه. وقد تضمنت شرائعه تنظيماً مستنيراً لمهنة الطب، والجراحات الطبية وبيع العقار. ولم يكن يرى حرجاً في تشريح جثث الموتى، وكان الأطباء المسلمون يعجبون من سعة علمه بالتشريح. أما الفلسفة فحسبنا دليلاً على واسع علمه بها أنه طلب إلى بعض علماء المسلمين أن يفسروا ما بين آراء أرسطو والإسكندر الأفروديسي من تناقض في خلود العالم. ولقد حياه ميخائيل اسكت بقوله: "أيها العاهل المحظوظ، إني لقوي الاعتقاد بأنه لو كان في مقدور رجل ما أن يفر من الموت بعلمه لكنت أنت ذلك الرجل".
وكان فردريك يخشى أن تضيع بحوث العلماء الذين جمعهم عنده بعد موتهم، فأنشأ في عام 1224 جامعة نابلي - وهي أنموذج نادر من جامعات العصور الوسطى، أقيمت من غير حاجة إلى موافقة السلطات الدينية على إنشائها. وقد استدعي إليها علماء متبحرين في جميع الفنون والعلوم، ومنحهم مرتبات عالية، ورتَّب إعانات مالية ليمكن النابهين من الطلاب الفقراء من الدرس. وحرَّم على شباب مملكته أن يخرجوا منها في طلب التعليم العالي؛ وكان يأمل أن تنافس نابلي بعد وقت قصير مدينة بولونيا فتصبح مدرسة كبرى للقانون وتدرّب الناس على أعمال الإدارة العامة.
هل كان فردريك ممن ينكرون وجود الله ؟ لقد كان في شبابه من الأتقياء الصالحين، ولعله ظل مستمسكاً بالعقائد الأساسية في الديانة المسيحية إلى أيام حربه الصليبية. ثم يبدو أن اتصاله الوثيق بزعماء المسلمين ومفكريهم قضي على عقيدته المسيحية. وقد افتتن بعلوم المسلمين ورآها أسمى قدراً من أفكار المسيحيين ومعارفهم أيامه. ومما يدل على ذلك أنه لما عقد مجمع الأمراء الألمان في فريولي Friuli، (1232) استقبل وفداً من المسلمين أحسن استقبال، ثم اشترك على مرأى من الأساقفة والأمراء مع هؤلاء المسلمين في وليمة أقيمت للاحتفال بأحد الأعياد الدينية الإسلامية(39). ويقول عنه ماثيوباريس Matthew Paris: "ويقول أعداء الإمبراطور إنه يوافق على شريعة محمد ويؤمن بها أكثر من إيمانه بشريعة المسيح عيسى ... وإن صداقته للمسلمين أقوى من صداقته للمسيحيين". وشاعت عنه شائعة صدقها جريجوري التاسع تتهمه بأن قال إن "ثلاثة من المشعوذين ساقوا بدهائهم أهل زمانهم ليسودوا بهم العالم - موسى، وعيسى، ومحمداً !". ودوي هذا السباب والكفران في جميع أنحاء أوروبا، وأنكر فردريك التهمة، ولكنها ساعدت على نفور الرأي العام منه في آخر أزمات حياته. وما من شك في أنه كان حر الفكر إلى حد ما، فقد كانت لديه شكوكه في العقيدة القائلة بأن العالم خلق دفعة واحدة في زمن معين، وفي خلود الفرد، وفي ولادة العذراء، وفي أمثالها من العقائد الواردة في الدين المسيحي. وقال حين رفض مبدأ التحكيم الإلهي: "منذا الذي يصدق أن الحرارة الطبيعية الكامنة في الحديد المتوهج تبرد من غير سبب كاف، أو أن عنصر الماء يرفض قبول (غمر) المتهم لأنه ميت الضمير". ولم ينشئ في حياته كلها إلا كنيسة واحدة.
وكان فردريك يخشى أن تضيع بحوث العلماء الذين جمعهم عنده بعد موتهم، فأنشأ في عام 1224 جامعة نابلي - وهي أنموذج نادر من جامعات العصور الوسطى، أقيمت من غير حاجة إلى موافقة السلطات الدينية على إنشائها. وقد استدعي إليها علماء متبحرين في جميع الفنون والعلوم، ومنحهم مرتبات عالية، ورتَّب إعانات مالية ليمكن النابهين من الطلاب الفقراء من الدرس. وحرَّم على شباب مملكته أن يخرجوا منها في طلب التعليم العالي؛ وكان يأمل أن تنافس نابلي بعد وقت قصير مدينة بولونيا فتصبح مدرسة كبرى للقانون وتدرّب الناس على أعمال الإدارة العامة.
هل كان فردريك ممن ينكرون وجود الله ؟ لقد كان في شبابه من الأتقياء الصالحين، ولعله ظل مستمسكاً بالعقائد الأساسية في الديانة المسيحية إلى أيام حربه الصليبية. ثم يبدو أن اتصاله الوثيق بزعماء المسلمين ومفكريهم قضي على عقيدته المسيحية. وقد افتتن بعلوم المسلمين ورآها أسمى قدراً من أفكار المسيحيين ومعارفهم أيامه. ومما يدل على ذلك أنه لما عقد مجمع الأمراء الألمان في فريولي Friuli، (1232) استقبل وفداً من المسلمين أحسن استقبال، ثم اشترك على مرأى من الأساقفة والأمراء مع هؤلاء المسلمين في وليمة أقيمت للاحتفال بأحد الأعياد الدينية الإسلامية(39). ويقول عنه ماثيوباريس Matthew Paris: "ويقول أعداء الإمبراطور إنه يوافق على شريعة محمد ويؤمن بها أكثر من إيمانه بشريعة المسيح عيسى ... وإن صداقته للمسلمين أقوى من صداقته للمسيحيين". وشاعت عنه شائعة صدقها جريجوري التاسع تتهمه بأن قال إن "ثلاثة من المشعوذين ساقوا بدهائهم أهل زمانهم ليسودوا بهم العالم - موسى، وعيسى، ومحمداً !". ودوي هذا السباب والكفران في جميع أنحاء أوروبا، وأنكر فردريك التهمة، ولكنها ساعدت على نفور الرأي العام منه في آخر أزمات حياته. وما من شك في أنه كان حر الفكر إلى حد ما، فقد كانت لديه شكوكه في العقيدة القائلة بأن العالم خلق دفعة واحدة في زمن معين، وفي خلود الفرد، وفي ولادة العذراء، وفي أمثالها من العقائد الواردة في الدين المسيحي. وقال حين رفض مبدأ التحكيم الإلهي: "منذا الذي يصدق أن الحرارة الطبيعية الكامنة في الحديد المتوهج تبرد من غير سبب كاف، أو أن عنصر الماء يرفض قبول (غمر) المتهم لأنه ميت الضمير". ولم ينشئ في حياته كلها إلا كنيسة واحدة.