ㅤ٠٠
فَوَائِدُ مِن سُورَةِ الْكَهْفِ..
قِصّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ الْعَجِيبَة مِنْ الْفَوَائِدِ وَالْأَحْكَام وَالْقَوَاعِد شَيْءٌ كَثِيرٌ نُنَبِّهَ عَلَى بَعْضِهِ بِعَوْنِ اللَّهِ:
فَمِنْهَا: فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَالرِّحْلَةِ فِي طَلَبِهِ، وَأَنَّه أَهَمِّ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَحَل مَسافَةٌ طَويلَةٌ،
وَلَقِي النَّصْبِ فِي طَلَبِهِ، وَتَرَك الْقُعُود عِنْد بَنِي إسْرَائِيلَ لِتَعْلِيمِهِم وَإِرْشَادِهِم، وَاخْتَار السَّفَر لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: جَوَازِ أَخْذِ الْخَادِمِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ؛ لِكِفَايَة الْمُؤَن وَطَلَب الرَّاحَة؛ كَمَا فَعَلَ مُوسَى.
وَمِنْهَا: اسْتِحْبَاب إطْعَام الْإِنْسَان خَادِمَةٌ مِنَ مَأْكَلِه وَأَكْلِهِمَا جميعًا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ(آَتِنَا غَدَاءَنَا)،
أَضَافَهُ إلَى الْجَمِيعِ: أَنَّهُ أَكَلَ هُوَ وَهُوَ جميعًا.
وَمِنْهَا: التَّأَدُّبُ مَعَ الْمُعَلِّم وَخِطَاب الْمُتَعَلِّم إيَّاه أَلْطَف خِطَاب؛ لِقَوْل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا).
فَأَخْرَج الْكَلَام بِصُورَة الملاطفة وَالْمُشاوَرَة، وَإِنَّك تَأْذَنَ لِي فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟! وَإِقْرَارُه بِأَنَّه يَتَعَلَّمُ مِنْهُ؛ بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَفَاءِ أَو الْكِبْرُ الَّذِي لَا يُظهر لِلْمُعَلِّم افْتِقَارِهِ إلَى عِلْمِهِ،
بَل يدَّعي أَنَّه يتعاون هُو وَإِيَّاه، بَلْ رُبَّمَا ظنَّ أَنَّه يعلَّم مُعَلِّمِه وَهُوَ جَاهِلٌ جدًا؛ فَالذُّلّ لِلْمُعَلِّم وَإِظْهَارَ الْحَاجَةِ إلَى تَعْلِيمِه مِنْ أَنْفَعِ الْأَشْيَاء لِلْمُتَعَلِّم.
وَمِنْهَا: تَوَاضَع الْفَاضِل لِلتَّعَلُّم مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ؛ فَإِنَّ مُوسَى بِلَا شَكٍّ أَفْضَلُ مِنْ الْخُضَرِ.
وَمِنْهَا: تَعْلَم الْعَالِمُ الْفَاضِلُ لِلْعِلْم الَّذِي لَمْ يتمهَّر فِيهِ مِمَّنْ مَهْرَ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الْعِلْمِ بدرجات كَثِيرَةٌ؛ فَإِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنْ الْمُرْسَلِينَ،
الَّذِين مَنْحُهُم اللَّه وَأَعْطَاهُم مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُعْطَ سِوَاهُم، وَلَكِنْ فِي هَذَا الْعِلْمِ الْخَاصِّ كَانَ عِنْدَ الْخَضِر مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؛ فَلِهَذَا حِرْصٌ عَلَى التَّعَلُّمِ مِنْه؛
فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ الْمُحْدِثُ إذَا كَانَ قاصرًا فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَوْ الصَّرْفُ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْعُلُومِ أَنَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ مِمَّن مَهْرَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ محدِّثًا وَلَا فقيهًا.
وَمِنْهَا: أَن خِدْمَة الصَّالِحِين أَوْ مِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ اسْتِخْرَاج كَنْزَهُمَا وَإِقَامَة جدارهما بِأَن أَبَاهُمَا صَالِح.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلصَّاحِب أَنْ لَا يُفَارِقُ صَاحِبَهُ فِي حَالَةِ مِنْ الْأَحْوَالِ وَيَتْرُك صُحْبَتِه حَتَّى يُعتبه ويُعذر مِنْه؛ كَمَا فَعَلَ الْخَضِر مَعَ مُوسَى.
وَمِنْهَا: أَنَّ مُوَافَقَةَ الصَّاحِب لِصَاحِبِهِ فِي غَيْرِ الْأُمُورِ الْمَحْذُورَة مُدَّعَاه وَسَبَب لِبَقَاء الصُّحْبَة وتأكدها؛ كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْمُوَافَقَةِ سَبَبٌ لِقَطْع الْمُرَافَقَة.
وَمِنْهَا: أَنَّ هَذِهِ الْقَضَايَا الَّتِي أَجْرَاهَا الْخَضِر هِيَ قَدْرُ مَحْضٌ، أَجْرَاهَا اللَّه وَجَعَلَهَا عَلَى يَدِ هَذَا الْعَبْدَ الصَّالِحُ لِيَسْتَدِلّ الْعِبَاد بِذَلِكَ عَلَى الطَّافَّة فِي أَقْضِيَتِهِ،
وَأَنَّه يَقْدِرُ عَلَى الْعَبْدِ أمورًا يَكْرَهُهَا جدًا وَهِي صَلَاح دِينِه، كَمَا فِي قَضِيَّةٍ الْغُلَام، أَوْ هِيَ صَلَاح دُنْيَاهُ كَمَا فِي قَضِيَّةٍ السَّفِينَة،
فَأَرَاهُم نموذجًا مِنْ لُطْفِهِ وَكَرَمِه ليعرفوه، وَيَرْضَوْا غَايَة الرِّضَا بِإِقْدَارِه الْكَرِيهَة.
[ابْن سَعْدِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ]
@AhlinAllah
٠٠
فَوَائِدُ مِن سُورَةِ الْكَهْفِ..
قِصّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ الْعَجِيبَة مِنْ الْفَوَائِدِ وَالْأَحْكَام وَالْقَوَاعِد شَيْءٌ كَثِيرٌ نُنَبِّهَ عَلَى بَعْضِهِ بِعَوْنِ اللَّهِ:
فَمِنْهَا: فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَالرِّحْلَةِ فِي طَلَبِهِ، وَأَنَّه أَهَمِّ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَحَل مَسافَةٌ طَويلَةٌ،
وَلَقِي النَّصْبِ فِي طَلَبِهِ، وَتَرَك الْقُعُود عِنْد بَنِي إسْرَائِيلَ لِتَعْلِيمِهِم وَإِرْشَادِهِم، وَاخْتَار السَّفَر لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: جَوَازِ أَخْذِ الْخَادِمِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ؛ لِكِفَايَة الْمُؤَن وَطَلَب الرَّاحَة؛ كَمَا فَعَلَ مُوسَى.
وَمِنْهَا: اسْتِحْبَاب إطْعَام الْإِنْسَان خَادِمَةٌ مِنَ مَأْكَلِه وَأَكْلِهِمَا جميعًا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ(آَتِنَا غَدَاءَنَا)،
أَضَافَهُ إلَى الْجَمِيعِ: أَنَّهُ أَكَلَ هُوَ وَهُوَ جميعًا.
وَمِنْهَا: التَّأَدُّبُ مَعَ الْمُعَلِّم وَخِطَاب الْمُتَعَلِّم إيَّاه أَلْطَف خِطَاب؛ لِقَوْل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا).
فَأَخْرَج الْكَلَام بِصُورَة الملاطفة وَالْمُشاوَرَة، وَإِنَّك تَأْذَنَ لِي فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟! وَإِقْرَارُه بِأَنَّه يَتَعَلَّمُ مِنْهُ؛ بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَفَاءِ أَو الْكِبْرُ الَّذِي لَا يُظهر لِلْمُعَلِّم افْتِقَارِهِ إلَى عِلْمِهِ،
بَل يدَّعي أَنَّه يتعاون هُو وَإِيَّاه، بَلْ رُبَّمَا ظنَّ أَنَّه يعلَّم مُعَلِّمِه وَهُوَ جَاهِلٌ جدًا؛ فَالذُّلّ لِلْمُعَلِّم وَإِظْهَارَ الْحَاجَةِ إلَى تَعْلِيمِه مِنْ أَنْفَعِ الْأَشْيَاء لِلْمُتَعَلِّم.
وَمِنْهَا: تَوَاضَع الْفَاضِل لِلتَّعَلُّم مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ؛ فَإِنَّ مُوسَى بِلَا شَكٍّ أَفْضَلُ مِنْ الْخُضَرِ.
وَمِنْهَا: تَعْلَم الْعَالِمُ الْفَاضِلُ لِلْعِلْم الَّذِي لَمْ يتمهَّر فِيهِ مِمَّنْ مَهْرَ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الْعِلْمِ بدرجات كَثِيرَةٌ؛ فَإِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنْ الْمُرْسَلِينَ،
الَّذِين مَنْحُهُم اللَّه وَأَعْطَاهُم مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُعْطَ سِوَاهُم، وَلَكِنْ فِي هَذَا الْعِلْمِ الْخَاصِّ كَانَ عِنْدَ الْخَضِر مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؛ فَلِهَذَا حِرْصٌ عَلَى التَّعَلُّمِ مِنْه؛
فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ الْمُحْدِثُ إذَا كَانَ قاصرًا فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَوْ الصَّرْفُ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْعُلُومِ أَنَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ مِمَّن مَهْرَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ محدِّثًا وَلَا فقيهًا.
وَمِنْهَا: أَن خِدْمَة الصَّالِحِين أَوْ مِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ اسْتِخْرَاج كَنْزَهُمَا وَإِقَامَة جدارهما بِأَن أَبَاهُمَا صَالِح.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلصَّاحِب أَنْ لَا يُفَارِقُ صَاحِبَهُ فِي حَالَةِ مِنْ الْأَحْوَالِ وَيَتْرُك صُحْبَتِه حَتَّى يُعتبه ويُعذر مِنْه؛ كَمَا فَعَلَ الْخَضِر مَعَ مُوسَى.
وَمِنْهَا: أَنَّ مُوَافَقَةَ الصَّاحِب لِصَاحِبِهِ فِي غَيْرِ الْأُمُورِ الْمَحْذُورَة مُدَّعَاه وَسَبَب لِبَقَاء الصُّحْبَة وتأكدها؛ كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْمُوَافَقَةِ سَبَبٌ لِقَطْع الْمُرَافَقَة.
وَمِنْهَا: أَنَّ هَذِهِ الْقَضَايَا الَّتِي أَجْرَاهَا الْخَضِر هِيَ قَدْرُ مَحْضٌ، أَجْرَاهَا اللَّه وَجَعَلَهَا عَلَى يَدِ هَذَا الْعَبْدَ الصَّالِحُ لِيَسْتَدِلّ الْعِبَاد بِذَلِكَ عَلَى الطَّافَّة فِي أَقْضِيَتِهِ،
وَأَنَّه يَقْدِرُ عَلَى الْعَبْدِ أمورًا يَكْرَهُهَا جدًا وَهِي صَلَاح دِينِه، كَمَا فِي قَضِيَّةٍ الْغُلَام، أَوْ هِيَ صَلَاح دُنْيَاهُ كَمَا فِي قَضِيَّةٍ السَّفِينَة،
فَأَرَاهُم نموذجًا مِنْ لُطْفِهِ وَكَرَمِه ليعرفوه، وَيَرْضَوْا غَايَة الرِّضَا بِإِقْدَارِه الْكَرِيهَة.
[ابْن سَعْدِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ]
@AhlinAllah
٠٠