[النقل بلسان الحال]
من مجوّزات النقل المشهورة بين الخطباء والشعراء الحسينيّين النقل بلسان الحال، فكأنّهم يرون أنّ الحديث يكون صادقًا مع التقيّد بهذا المعنى، ومن هنا أباحَ الشعراء لأنفسهم إضافة أقوال وأفعال كثيرة جدًّا إلى واقعة الطف، بعنوان أنّها بلسان الحال لا بلسان المقال.
وهذا ليس خطأ كلّه، بل يحمل جانبًا من الصواب من الناحية الفقهيّة؛ فإنّ النقل بالمعنى عن الروايات جائز إن كانت الرواية بدورها مُحرَزة الصحّة، كما أنّ النقل بلسان الحال جائز إذا أحرزنا أنّ حال المتكلّم في تلك الساعة على ذلك، إلاّ أنّنا مع ذلك ينبغي أن نكون على حذرٍ شديد من هذه الناحية، لعدّة وجوه:
الوجهُ الأوّل: إنّنا لا نستطيع أن نعلم حالهم رضوان الله عليهم، لا الحسين (عليه السلام)، ولا أصحابه، ولا نساءه، ولا أيّ واحدٍ هناك منهم؛ لأنّهم أعلى وأجلّ من أن نعلم ما يدور في خواطرهم وما تُخفيه سرائرهم، في حين أنّنا بعيدون عنهم زمنًا ومكانًا وثقافة ومستوى، وغير ذلك، إذًا فنحن جاهلون بحالهم لا أنّنا عالمون به لنستطيع التعبير عنه بأيّ حالٍ من الأحوال، وإنّما يجوز الحديث بلسان الحال مع إحراز المطابقة للواقع، وأنّى لنا ذلك؟
الوجهُ الثاني: إنّ ما يكون بلسان الحال إنّما هو الأقوال لا الأفعال، فلو تنزّلنا جَدلًا عن الوجه الأوّل أو تمّ لدينا ذلك الوجه، فإنّما يجوز النقل بلسان الحال في الأقوال وحدها، أمّا نقل الأفعال والتلفيق فيها بعنوان كونها بلسان الحال، فهذا لا معنى له ولا بيان له.
الوجهُ الثالث: إنّنا لو تنزّلنا جَدلًا عن الوجه الأوّل أو تمّ لنا ذلك الوجه، فإنّه يتمّ بمعنى أنّ الحالة العامّة التي كانوا فيها معلومة لنا إجمالًا. وأمّا التفاصيل فمن غير المحتمل أن ننال منها شيئًا، فمثلًا ما الذي خطرَ في ذهن الحسين (عليه السلام) حين أخذَ رضيعه معه ليسقيه الماء، أو في أيّة حادثة معيّنة أخرى؟ هذا متعذّر فهمه تمامًا في حدود البُعد الزمني والثقافي والإيماني عنه (عليه السلام).
الشهيد السيد محمد الصدر (قدس سره)
• أضواء على ثورة الحسين ع ص١٥٩
من مجوّزات النقل المشهورة بين الخطباء والشعراء الحسينيّين النقل بلسان الحال، فكأنّهم يرون أنّ الحديث يكون صادقًا مع التقيّد بهذا المعنى، ومن هنا أباحَ الشعراء لأنفسهم إضافة أقوال وأفعال كثيرة جدًّا إلى واقعة الطف، بعنوان أنّها بلسان الحال لا بلسان المقال.
وهذا ليس خطأ كلّه، بل يحمل جانبًا من الصواب من الناحية الفقهيّة؛ فإنّ النقل بالمعنى عن الروايات جائز إن كانت الرواية بدورها مُحرَزة الصحّة، كما أنّ النقل بلسان الحال جائز إذا أحرزنا أنّ حال المتكلّم في تلك الساعة على ذلك، إلاّ أنّنا مع ذلك ينبغي أن نكون على حذرٍ شديد من هذه الناحية، لعدّة وجوه:
الوجهُ الأوّل: إنّنا لا نستطيع أن نعلم حالهم رضوان الله عليهم، لا الحسين (عليه السلام)، ولا أصحابه، ولا نساءه، ولا أيّ واحدٍ هناك منهم؛ لأنّهم أعلى وأجلّ من أن نعلم ما يدور في خواطرهم وما تُخفيه سرائرهم، في حين أنّنا بعيدون عنهم زمنًا ومكانًا وثقافة ومستوى، وغير ذلك، إذًا فنحن جاهلون بحالهم لا أنّنا عالمون به لنستطيع التعبير عنه بأيّ حالٍ من الأحوال، وإنّما يجوز الحديث بلسان الحال مع إحراز المطابقة للواقع، وأنّى لنا ذلك؟
الوجهُ الثاني: إنّ ما يكون بلسان الحال إنّما هو الأقوال لا الأفعال، فلو تنزّلنا جَدلًا عن الوجه الأوّل أو تمّ لدينا ذلك الوجه، فإنّما يجوز النقل بلسان الحال في الأقوال وحدها، أمّا نقل الأفعال والتلفيق فيها بعنوان كونها بلسان الحال، فهذا لا معنى له ولا بيان له.
الوجهُ الثالث: إنّنا لو تنزّلنا جَدلًا عن الوجه الأوّل أو تمّ لنا ذلك الوجه، فإنّه يتمّ بمعنى أنّ الحالة العامّة التي كانوا فيها معلومة لنا إجمالًا. وأمّا التفاصيل فمن غير المحتمل أن ننال منها شيئًا، فمثلًا ما الذي خطرَ في ذهن الحسين (عليه السلام) حين أخذَ رضيعه معه ليسقيه الماء، أو في أيّة حادثة معيّنة أخرى؟ هذا متعذّر فهمه تمامًا في حدود البُعد الزمني والثقافي والإيماني عنه (عليه السلام).
الشهيد السيد محمد الصدر (قدس سره)
• أضواء على ثورة الحسين ع ص١٥٩