ميراث الجد مع الإخوة:والقرآن يدل لقول الصديق ومن معه من الصحابة كأبي موسى وابن عباس وابن الزبير وأربعة عشر منهم -رضي الله عنهم-، ووجه دلالة القرآن على هذا القول قوله تعالى: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد} إلى آخر الآية، فلم يجعل للإخوة ميراثًا إلا في الكلالة.
وقد اختلف الناس في الكلالة، والكتاب يدل على قول الصديق أنها ما عدا الوالد والولد، فإنه -سبحانه- قال في ميراث ولد الأم: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس} فسوى بين ميراث الإخوة في الكلالة، وإن فرق بينهم في جهة الإرث ومقداره، فإذا كان وجود الجد مع الإخوة للأم لا يدخلهم في الكلالة، بل يمنعهم من صدق اسم الكلالة على الميت أو عليهم أو على القرابة، فكيف أدخل ولد الأب في الكلالة ولم يمنعهم وجوده صدق اسمها؟ وهل هذا إلا تفريق محض بين ما جمع الله بينه؟
- يوضحه الوجه الثاني: وهو أن ولد الولد يمنع الإخوة من الميراث، ويخرج المسألة عن كونها كلالة، لدخوله في قوله: {ليس له ولد} ونسبة أب الأب إلى الميت كنسبة ولد ولده إليه، فكما أن الولد وإن نزل يخرج المسألة عن الكلالة فكذلك أب الأب وإن علا، ولا فرق بينهما ألبتة.
- يوضحه الوجه الثالث: وهو أن نسبة الإخوة إلى الجد كنسبة الأعمام إلى أبي الجد، فإن الأخ ابن الأب والعم ابن الجد، فإذا خلف عمه وأبا جده فهو كما لو خلف أخاه وجده سواء، وقد أجمع المسلمون على تقديم أب الجد على العم، فكذلك يجب تقديم الجد على الأخ، وهذا من أبين القياس وإن لم يكن هذا قياسا جليا فليس في الدنيا قياس جلي.
- يوضحه الوجه الرابع: وهو أن نسبة ابن الأخ إلى الأخ كنسبة أب الجد إلى الجد، فإذا قال الأخ: أنا أرث مع الجد لأني ابن أب الميت والجد أبو أبيه فكلانا في القرب إليه سواء، صاح ابن الأخ مع أب الجد وقال: أنا ابن ابن أب الميت فكيف حرمتموني مع أبي أبي أبيه ودرجتنا واحدة؟ وكيف سمعتم قول أبي مع الجد ولم تسمعوا قولي مع أبي الجد؟ فإن قيل: أبو الجد جد وإن علا، وليس ابن الأخ أخا.
قيل: فهذا حجة عليكم؛ لأنه إذا كان أبو الأب أبا، و أبو الجد جدًا، فما للإخوة ميراث مع الأب بحال.
فإن قلتم: نحن نجعل أبا الجد جدا، ولا نجعل أبا الأب أبا.
قيل: هكذا فعلتم، وفرقتم بين المتماثلين، وتناقضتم أبين تناقض، وجعلتموه أبا في موضع وأخرجتموه عن الأبوة في موضع.
- يوضحه الوجه الخامس: وهو أن نسبة الجد إلى الأب في العمود الأعلى كنسبة ابن الابن إلى الابن في العمود الأسفل، فهذا أبو أبيه، وهذا ابن ابنه، فهذا يدلي إلى الميت بأب الميت، وهذا يدلي إليه بابنه، فكما كان ابن الابن ابنا فكذلك يجب أن يكون أبو الأب أبا، فهذا هو الاعتبار الصحيح من كل وجه وهذا معنى قول ابن عباس: ألا يتقي الله زيد؟ يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أبا الأب أبا؟
- يوضحه الوجه السادس: وهو أن الله- سبحانه- سمى الجد أبا في قوله: {ملة أبيكم إبراهيم} وقوله: {كما أخرج أبويكم من الجنة} وقوله: {أنتم وآباؤكم الأقدمون} وقول يوسف: {واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب} وفي حديث المعراج «هذا أبوك آدم وهذا أبوك إبراهيم» «وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهود من أبوكم؟ قالوا: فلان، قال: كذبتم، بل أبوكم فلان قالوا: صدقت» .
وسمى ابن الابن ابنا كما في قوله: {يا بني آدم} و: {يا بني إسرائيل} وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا» والأبوة والبنوة من الأمور المتلازمة المتضايفة يمتنع ثبوت أحدهما بدون الآخر، فيمتنع ثبوت البنوة لابن الابن إلا مع ثبوت الأبوة لأب الأب.
- يوضحه الوجه السابع: وهو أن الجد لو مات ورثه بنو بنيه دون إخوته باتفاق الناس، فهكذا الأب إذا مات يرثه أبو أبيه دون إخوته، وهذا معنى قول عمر لزيد: كيف يرثني أولاد عبدالله دون إخوتي ولا أرثهم دون إخوتهم؟ فهذا هو القياس الجلي والميزان الصحيح الذي لا مغمز فيه ولا تطفيف.
ابن القيم | إعلام الموقعين عن رب العالمين
"أجرؤكم على قسمة الجد، أجرؤكم على النار"
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
"من سره أن يقتحم جراثيم جهنم، فليقض بين الجد والإخوة"
علي بن أبي طالب رضي الله عنه
"سلونا عن عضلكم واتركونا من الجد لا حياه الله ولا بياه"
عبدالله بن مسعود رضي الله عنه