أمَّا العيد، فموعد مَن هامت ذاتُهُ، تطلبُ "وطنَ اللهِ" مِن وطن الله، على أعوادِ ذاتِهِ العابرة، وروحِهِ الناظرة.. وها هي "ذات المتَّقين"، تتشحَّطُ العذابات، فوق مرابع الأرض، وهي تطلب "الأفق الرَّفيع" على محلٍّ مِن دالَّةِ الملأ الأعلى.. وعلى كاهل أملها تحمل "زاد ظَمَئِها"، مغروساً بدمع أنوارها، ومحفظة أسرارها، وهي تتلهَّف لملاقاةِ ربِّها الكريم.. تتخشَّع أنيناً، على طالعِ بابه ومشارِف مناره.. وها هي "وجوه" مَن ذابت أرواحهم، أقبلت لتراه، بعين دموعها، وأنين خشوعها.. وهي تطلبه بجناح أملها، وظمأ مرحلها، وبضاعة سفرها، لتصل إليه.. فإذا وصلَتْ، حطّت ترحالها على جنبِ أنواره، ومعينِ غدرانِهِ.. بلهفةِ مَن يطلب رضا الله العظيم، وها هي أكفّهم مرفوعة، ودعواتهم مسموعة، ودموعهم منهمرات على سروجها، وأنينهم يحدو عيونها ومروجها.. تطلب الله.. لا تريد أحداً سواه. وها هم على محلّةٍ مِن "دار الربِّ"، حطّوا... بوجوهٍ مُؤَمِّلة، وحشاً لاهِف، وروحٍ عابرة، تهفو لوطنِ عشيقها ومولاها.. لا تريد وطناً سواها.. فإنْ هي ضمَّت "جناح الروح" على غايتها مِن سفرها، ومحلّها مِن مرحلها، فقد سلكت "بحر الوجود" مِن أطيافِهِ اللائحات، ومرابعه الناظرات.. وتلك علامة "الأماني" الرفيعات، والمعارج العاليات.. وها هي الوجوهُ الظائمة، والعيون الغائرة، والأرواح الطائرة، تتوافد على "سحب النّور"، طلباً لمولاها.. رغبةً بمحلّ الشرفِ من هداها، وما زالت تبحر.. بعيداً عن زخرف الدنيا ومرابطها.. حنيناً منها لموطن النور من مهابطها، وقد أظمأت نهارها، وأثقلت ليلها، وأتعبت أجسادها، وتهجّدت أورادها، ومنعت رقادها، وبكتْ حتى أنَّتْ الروح من بكاها.. وما بين حشاها وجواها، طيفٌ عارمٌ مِن بحارِ حبِّ الله.. فإنْ هي وصلت.. فقد أفرخ "النور" على أديم حبورها، وهتفَ "المجد" مِن بطن ظهورها.. وتلك آية وصولها.. فإذا أناخت بتلك الديار، فقد حلّت "أعيادها" بأرفع ما أعدّ اللهُ لروَّداها.. فتلك "بشارة العيد"، لمَن اتَّقى اللهَ بـ"الوعد والوعيد"..