التطرف والغلو والتشدد .. أصبحت كلمات شتائمية ترمى في وجه كل أحد بلا علم ولا عدل، وغدت على لسان كل منحرف عن أصول الاسلام يشوه بها كل من ينكر عليه انحرافاته المصادمة لأحكام الاسلام.
فنحن أمام ظاهرة توظيف قبيحة تستغل التنفير الشرعي من الغلو، ونفور الناس منه، في تمرير انحرافاتهم، وتشويه من يخالفهم ممن يتمسك بأصول دينه واحكامه.
هذه الظاهرة الشتائمية، وحالة التوظيف لمفهوم الغلو قدمت بطريقتها هذه خدمة كبيرة لانحرافات الغلو والغلاة، وذلك من جهتين:
الجهة الاولى: أنها أضعفت من أثر المصطلح، فالغلو مفهوم منفّر منه شرعاً، وله اثره الظاهر في صيانة الناس منه.
غير أن كثرة التراشق به، وأن يرمى به في وجه كل احد، وأن يوسم به أفاضل الناس، يضعف من أثره فما يبقى له تلك الشناعة في أذهان الناس.
فمن يقع في الغلو حقاً سيجد أن هذا مكسب كبير له، فحين ينكر عليه بالغلو لا يكون في هذا أي شناعة، لأن النفوس تعودت على أنها اصبحت شتيمة يمكن أن تقال لكل أحد، وليست وصفاً شرعياً مطابقاً لما جاء في النصوص.
الوجه الثاني: أن دعاوى الغلو والتشدد أصبحت تقال في قضايا فقهية، وفي أحكام ثبتت بنصوص شرعية، بل وفي قطعيات وأصول الاسلام، فما أكثر ما نسمع من يتهم أشخاصاً بالتطرف بسبب قيامهم بأحكام شرعية أو دعوتهم للاسلام، بل إن التطرف عند بعضهم إنما يطلق على المتمسك بدينه.
هذا يقدم خدمة للغلاة بأنه من يتهمهم بالغلو فإنما يفعل ذلك بسبب تمسكهم بدينهم، وأن تهم الغلو إنما تقال لكل محافظ على دينه.
ومع ظهور هذه الخدمة الكبيرة التي تقدمها الظاهرة التوظيفية الشتائمية للغلو، إلا أن هذا لن يدعوهم الى تصحيح المسار لسبب يسير جداً، وهو أن الهدف ليس محاربة الغلو الحقيقي الذي جاء في الشرع التحذير منه، والذي هو تجاوز لأحكام الشرع، ومفسد لدين الناس ودنياهم، وانما استغلال ذلك لتمرير الانحرافات المصادمة لقطعيات الشريعة.