#رسالة_شيخ_الإسلام_ابن_تيمية_لبعض_أصحابه
قال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله ورفع درجاته في عليين-:
بعد حمد الله تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فإن الله -وله الحمد- قد أنعم عليّ من نعمه العظيمة، ومننه الجسيمة، وآلائه الكريمة؛ ما هو مستوجب لعظيم الشكر والثبات على الطاعة، واعتياد حسن الصبر على فعل المأمور، والعبد مأمور بالصبر في السراء أعظم من الصبر في الضراء قال تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ)[هود:10]
وتعلمون أن الله سبحانه منّ في هذه القضية من المنن التي فيها من أسباب نصر دينه، وعلوّ كلمته ونصر جنده، وعزّة أوليائه وقوّة أهل السنّة والجماعة، وذلّ أهل البدعة والفرقة، وتقرير ما قرر عندكم من السنة، وزيادات على ذلك بانفتاح أبواب من الهدى والنصر والدلائل وظهور الحق لأمم لا يحصي عددهم إلا الله تعالى، وإقبال الخلائق إلى سبيل السنة والجماعة، وغير ذلك مِن المنن ما لا بدّ معه من عظيم الشكر ومِن الصبر وإنْ كان صبرا في سراء، وتعلمون أنّ من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين: تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين فإن الله تعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال:1]ويقول: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ )[آل عمران:103] ويقول: (وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ ۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[آل عمران:105]، وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف، وأهل هذا الأصل: هم أهل الجماعة، كما أنّ الخارجين عنه هم أهل الفرقة.
وجماع السنة: طاعة الرسول، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة: "إنّ الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأنْ تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأنْ تناصحوا من ولاه الله أموركم"، وفي السنن من حديث زيد بن ثابت وابن مسعود -فقيهي الصحابة- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نضر الله امرأ سمع منا حديثا، فبلغه إلى مَن لم يسمعه فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".
ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من وراءهم".
وقوله "لا يغل" أي لا يحقد عليهن. فلا يبغض هذه الخصال قلب المسلم بل يحبهن ويرضاهن، وأول ما أبدأ به من هذا الأصل: ما يتعلق بي فتعلمون -رضي الله عنكم- أنّي لا أحب أنْ يؤذى أحد من عموم المسلمين - فضلا عن أصحابنا - بشيء أصلا لا باطنا ولا ظاهرا ولا عندي عتب على أحد منهم. ولا لوم أصلا بل لهم عندي من الكرامة والإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف أضعاف ما كان كل بحسبه.
ولا يخلو الرجل؛ إما أنْ يكون مجتهدا مصيبًا أو مخطئا أو مذنبا، فالأول: مأجور مشكور، والثاني -مع أجره على الاجتهاد-: فمعفو عنه مغفور له، والثالث: فالله يغفر لنا وله ولسائر المؤمنين، فنطوي بساط الكلام المخالف لهذا الأصل؛ كقول القائل: "فلان قصر، فلان ما عمل، فلان أوذي الشيخ بسببه، فلان كان سبب هذه القضية، فلان كان يتكلم في كيد فلان". ونحو هذه الكلمات التي فيها مذمّة لبعض الأصحاب والإخوان. فإنّي لا أسامح من آذاهم من هذا الباب ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل مثل هذا يعود على قائله بالملام إلا أنْ يكون له من حسنة وممن يغفر الله له إن شاء، وقد عفا الله عما سلف.
وتعلمون أيضا: أنّ ما يجري من نوع تغليظ أو تخشين على بعض الأصحاب والإخوان؛ ما كان يجري بدمشق وممّا جرى الآن بمصر؛ فليس ذلك غضاضة ولا نقصا في حق صاحبه، ولا حصل بسبب ذلك تغيّر منّا ولا بغض؛ بل هو بعد ما عومل به من التغليظ والتخشين أرفع قدرا وأنبه ذكرا وأحبّ وأعظم، وإنّما هذه الأمور هي مِن مصالح المؤمنين التي يصلح الله بها بعضهم ببعض، فإنّ المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع مِن الخشونة؛ لكن ذلك يوجب مِن النّظافة والنّعومة ما نحمد معه ذلك التخشين.
وتعلمون: أنّا جميعا متعاونون على البر والتقوى واجب علينا نصر بعضنا بعضا أعظم ممّا كان وأشد، فمن رام أنْ يؤذي بعض الأصحاب أو الإخوان لما قد يظنّه مِن نوع تخشين - عومل به بدمشق أو بمصر الساعة أو غير ذلك - فهو الغالط، وكذلك من ظنّ أنّ المؤمنين يبخلون عما أمروا به من التعاون والتناصر فقد ظنّ ظنّ سوء وإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا، وما غاب عنّا أحد مِن الجماعة أو قدّم إلينا الساعة أو قبل الساعة إلا ومنزلته عندنا اليوم أعظم مما كانت وأجل وأرفع.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله ورفع درجاته في عليين-:
بعد حمد الله تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فإن الله -وله الحمد- قد أنعم عليّ من نعمه العظيمة، ومننه الجسيمة، وآلائه الكريمة؛ ما هو مستوجب لعظيم الشكر والثبات على الطاعة، واعتياد حسن الصبر على فعل المأمور، والعبد مأمور بالصبر في السراء أعظم من الصبر في الضراء قال تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ)[هود:10]
وتعلمون أن الله سبحانه منّ في هذه القضية من المنن التي فيها من أسباب نصر دينه، وعلوّ كلمته ونصر جنده، وعزّة أوليائه وقوّة أهل السنّة والجماعة، وذلّ أهل البدعة والفرقة، وتقرير ما قرر عندكم من السنة، وزيادات على ذلك بانفتاح أبواب من الهدى والنصر والدلائل وظهور الحق لأمم لا يحصي عددهم إلا الله تعالى، وإقبال الخلائق إلى سبيل السنة والجماعة، وغير ذلك مِن المنن ما لا بدّ معه من عظيم الشكر ومِن الصبر وإنْ كان صبرا في سراء، وتعلمون أنّ من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين: تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين فإن الله تعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال:1]ويقول: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ )[آل عمران:103] ويقول: (وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ ۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[آل عمران:105]، وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف، وأهل هذا الأصل: هم أهل الجماعة، كما أنّ الخارجين عنه هم أهل الفرقة.
وجماع السنة: طاعة الرسول، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة: "إنّ الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأنْ تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأنْ تناصحوا من ولاه الله أموركم"، وفي السنن من حديث زيد بن ثابت وابن مسعود -فقيهي الصحابة- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نضر الله امرأ سمع منا حديثا، فبلغه إلى مَن لم يسمعه فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".
ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من وراءهم".
وقوله "لا يغل" أي لا يحقد عليهن. فلا يبغض هذه الخصال قلب المسلم بل يحبهن ويرضاهن، وأول ما أبدأ به من هذا الأصل: ما يتعلق بي فتعلمون -رضي الله عنكم- أنّي لا أحب أنْ يؤذى أحد من عموم المسلمين - فضلا عن أصحابنا - بشيء أصلا لا باطنا ولا ظاهرا ولا عندي عتب على أحد منهم. ولا لوم أصلا بل لهم عندي من الكرامة والإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف أضعاف ما كان كل بحسبه.
ولا يخلو الرجل؛ إما أنْ يكون مجتهدا مصيبًا أو مخطئا أو مذنبا، فالأول: مأجور مشكور، والثاني -مع أجره على الاجتهاد-: فمعفو عنه مغفور له، والثالث: فالله يغفر لنا وله ولسائر المؤمنين، فنطوي بساط الكلام المخالف لهذا الأصل؛ كقول القائل: "فلان قصر، فلان ما عمل، فلان أوذي الشيخ بسببه، فلان كان سبب هذه القضية، فلان كان يتكلم في كيد فلان". ونحو هذه الكلمات التي فيها مذمّة لبعض الأصحاب والإخوان. فإنّي لا أسامح من آذاهم من هذا الباب ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل مثل هذا يعود على قائله بالملام إلا أنْ يكون له من حسنة وممن يغفر الله له إن شاء، وقد عفا الله عما سلف.
وتعلمون أيضا: أنّ ما يجري من نوع تغليظ أو تخشين على بعض الأصحاب والإخوان؛ ما كان يجري بدمشق وممّا جرى الآن بمصر؛ فليس ذلك غضاضة ولا نقصا في حق صاحبه، ولا حصل بسبب ذلك تغيّر منّا ولا بغض؛ بل هو بعد ما عومل به من التغليظ والتخشين أرفع قدرا وأنبه ذكرا وأحبّ وأعظم، وإنّما هذه الأمور هي مِن مصالح المؤمنين التي يصلح الله بها بعضهم ببعض، فإنّ المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع مِن الخشونة؛ لكن ذلك يوجب مِن النّظافة والنّعومة ما نحمد معه ذلك التخشين.
وتعلمون: أنّا جميعا متعاونون على البر والتقوى واجب علينا نصر بعضنا بعضا أعظم ممّا كان وأشد، فمن رام أنْ يؤذي بعض الأصحاب أو الإخوان لما قد يظنّه مِن نوع تخشين - عومل به بدمشق أو بمصر الساعة أو غير ذلك - فهو الغالط، وكذلك من ظنّ أنّ المؤمنين يبخلون عما أمروا به من التعاون والتناصر فقد ظنّ ظنّ سوء وإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا، وما غاب عنّا أحد مِن الجماعة أو قدّم إلينا الساعة أو قبل الساعة إلا ومنزلته عندنا اليوم أعظم مما كانت وأجل وأرفع.