يدينا ليس هو الإسلام الصحيح، فلو قبلنا بالطعن الذي يُوجه للصحابة، ضاع الإسلام، وضعنا نحن معه في نهاية المطاف! وواللَّه لو أن أحدًا سبَّ صاحبًا لك لقفزت من مكانك وصفعته على وجهه، فويحكم ما بالكم بأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟! ألا يستحقون دفاعًا منّا يعادل دفاعهم عن صاحبهم الذي دافعوا عنه بأرواحهم؟ إن الدفاع عن الصحابة هو الدفاع عن الإسلام نفسه، فهؤلاء العمالقة لم يكونوا عظامًا من فراغ، بل كانوا نتاجًا لثلاثة عوامل أساسية كوَّنت شخصية الفرد منهم قبل أن يتحول كل واحدٍ منهم إلى عظيم من عظماء جيل الصحابة: أولًا: الاختيار الرباني: اختار اللَّه رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- من بين كل البشر ليحمل آخر رسالة منه إلى الخلق أجمعين، ولمّا كان هذا الرسول بشرًا له عمر محدد، فقد كان حقًا على اللَّه أن يختار له من يعينوه على إتمام رسالته في حياته، ثم حمل تلك الرسالة بعد مماته إلى باقي شعوب الأرض من دون تبديل أو تحريف، وإلّا فلن تكون للَّه عز وجل على الناس حجة في وصول الرسالة الصحيحة إليهم! ولا يحتاج المتأمل لقصص الصحابة إلى كثير من الذكاء لكي يدرك تمام الإدراك أن اللَّه اختار بذاته العلية الصحابة اسمًا اسمًا لكي يقوموا بدورهم الذي خُلقوا من أجله، فالأوس والخزرج لم يكونوا أصلًا من سكان المدينة، بل هم من قبيلة الأزد التي هاجرت من اليمن بعد انهيار سد مأرب، فمن الذي دفعهم لاختيار يثرب التي سوف يهاجر إليها رسول اللَّه بعد ذلك بسنوات؟! ومن الذي جعل سد مأرب ينهار من الأساس؟ وسلمان الفارسي -رضي اللَّه عنه- انتقل في مغامرة عجيبة من بلاد فارس إلى الشام فالعراق فتركيا بحثًا عن الحقيقة الأزلية دون أي جدوى، وبعد أن عجز سلمان من الوصول إلى الحقيقة بنفسه، قامت مجموعة من قطاع طرق باختطافه ونقله من دون أي اختيار له إلى يثرب تحديدًا!!! ثانيًا: التربية المحمدية: لعل من أبرز ما تميز به الصحابة عن بقية الخلق في كل العصور أنهم تعلموا مباشرةً من المعلم الأول للإنسانية محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأصبحوا بذلك أعظم تلاميذ في التاريخ لأعظم أستاذ في الدنيا، فوَرد الصحابةُ النبعَ صافيًا من دون أي شائبة، ووردناه نحن مختلطًا بالشوائب، لذلك كان فهمم للكتاب والسنة أصح من فهمنا بالضرورة، ذلك أنهم عاشوا بالفعل مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأصبح فهمم للكتاب والسنة هو الفهم الصحيح للدين، وأصبح لزامًا علينا أن نفهم الكتاب والسنة بفهمهم هم لا بفهمنا نحن، فإذا فسر الصحابة آية من الآيات على شكل من الأشكال، وفسرها أحد من المسلمين بعدهم على نحو آخر، فإن تفسير جمهور الصحابة هو التفسير الصحيح بدون أدنى شك، فالصحابة هم الذين عايشوا الآيات لحظة نزولها وعرفوا أسباب تنزيلها وحيثيات مضمونها، فتطبيق الصحابة للقرآن والسنة هو التطبيق الصحيح للإسلام. ثالثًا: الجهاد النفسي: بتنا نسمع في الآونة الأخيرة من بعض شباب جيل الصحوة مقولة متكررة: افتحوا لنا باب الجهاد! ولا شك أن أولئك الشباب قد قرأوا قصص البطولات العظيمة التي كان يقوم بها أبطال الصحابة، فأرادوا أن يقتدوا بهم بدعوتهم لفتح باب الجهاد، ولكن الحقيقة التي غابت عن ذهن شبابنا أن الأمر ليس بهذه البساطة على الإطلاق، فالأجدر على كل واحدٍ منا أن يسأل نفسه قبل التفكير بالقتال إن كان يصلي صلاة الفجر في وقتها ناهيك إن كان يصليها في المسجد، إن كان يقوم الليل للَّه سبحانه وتعالى، إن كان يستطيع أن يترك مشاهدة المباراة لفريقه الوطني عندما يؤذن المؤذن للصلاة، إن كان يمارس الرياضة أو كان يستطيع الجري أصلًا، إن كان يستطيع مجرد الإقلاع عن التدخين قبل أن يجاهد؟!! الطريف أن الكثير من الشباب -وعلى الرغم من صدق نواياهم في طلب الجهاد- يظنون أن الأمر لا يتطلب أكثر من حمل السلاح لكي يصبح الواحد منهم بطلًا كأبطال الصحابة في بدر وأحد، والواقع أن درب الجهاد طويل طويل لعل آخره هو حمل السلاح (وليس أوله كما يظن البعض!)، فالصحابة الكرام لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من بطولة وخلود إلّا بعد جهاد قاسٍ هو أعظم من الجهاد الذي يطلبه شبابنا هذه الأيام، إنه الجهاد النفسي، فالحديد الصلب لا يصبح صلبًا إلا بعد خروجه من بوتقة النار الملتهبة. فقد كان جلد (مصعب بن عمير) يتخشف في مكة بعد إسلامه قبل أن يستطيع حمل راية الإسلام في أحد، فالصحابة لم يحتاجوا لأكثر من سنة واحدة في المدينة لينتصروا في بدر، بينما احتاجوا لـ 13 سنة في مكة لكي يصنعوا من أنفسهم رجالًا أقوياء لا يهابون الموت، ولعلك تستغرب أن قيام الليل كان فرضًا من الفروض في بداية الدعوة الإسلامية، بل إن حمل السلاح للقتال كان ممنوعًا طوال الفترة المكية، ذلك لكي يتسنى لهم مواصلة التدريب النفسي الطويل الأمد. . . جهاد النفس! وإن كان الصحابة هم أعظم البشر بعد الأنبياء، فإن كتيبة بعينها من الصحابة كانت وبحق أعظم كتيبة في تاريخ الإنسانية منذ أبي البشر آدم وإلى يوم القيامة. فمن تكون تلك الكتيبة الرَّبانية التي غيَّ