🚫 المقال ل (عمار الثويني)
🚫 المقال طويل جداً لكنه نقاد ومفيد جداً وذو رأي سديد
البوكر... هل سقطت آخر وريقات التوت عن الأدب العربي؟
مقال رأي شخصي للغاية
مع اعلان القائمة الطويلة للرواية العربية يوم الأربعاء الماضي، انطلق الجدل وسط القراء والمتابعين والكتاب (الروائيين) والناشرين معبرين عن ردود أفعالهم المختلفة. وطرح كثيرون تساؤلات حول آلية ’انتقاء‘ الأعمال وما هي المعايير المتبعة وأنى لنا أن نعتبر هذا العمل أو ذلك هو أفضل من غيره، الجدل الذي تكرر منذ انطلاق الجائزة قبل عشرة أعوام وسيثار في كل سنة. وما أود طرحه في هذا السطور لا يتعلق بقائمة هذا العام، بل عن الجائزة بحكم متابعتي لها خلال الأعوام القليلة الماضية وواقع الجوائز العربية المعنية بالرواية:
• معظم القراء المنتقدين يقارنون الأعمال العربية المتأهلة وغير المرشحة للبوكر في العادة بما طالعوه من روايات عربية مميزة مثل أعمال نجيب محفوظ أو بأعمال عالمية تتمتع بتشويق وابداع ومضامين إنسانية وفلسفية ولغة سلسة. هي مقارنة غير متكافئة مع جل احترامي لكثير من الأقلام العربية، فثمة نصوص عربية ليست بالقليلة من الظلم حتى وصفها بالرواية لأنها تفتقد لأدنى متطلبات هذا الفن الأدبي، بل حدوتة/سرد له "خوار". بعض هذه الروايات وصلت للقائمة القصيرة وفازت أُخر بالبوكر وهي ضعيفة فنياً ولغوياً وسردياً وباهتة بالاجمال حتى ليلوح الروائي كأنه كتبها بالـ ’سخرة‘. الأعمال العالمية المنافسة/الفائزة بجائزة مان بوكر وغيرها من الجوائز أكثرها نتاجات ’متكاملة‘ فنياً وجمالياً وابداعياً وذات عمق سردي ولغة قوية، فهل هذا الأمر ينطبق على الروايات العربية، خاصة التي وصلت للقوائم المرشحة أو الفائزة؟
• أكبر مشكلتين تواجه الرواية العربية المعاصرة هي فقر الخيال وغياب شبه تام للغة السرد الأدبية، فكثير من الروايات التي اطالعها تعالج مشاكل متكررة أو سيرة شخصيات تاريخية أو سيرة ذاتية بحتة أو تتناول مواضيع عفا عليها الزمن مثل الحب والجريمة الهجرة دون تجديد في وقت شحت فيها روايات الخيال العلمي أو الفتنازيا أو المضامين الفلسفية العميقة. وعلى صعيد اللغة، فإننا عندما نجمع عشرات الأعمال الروائية سترشح القليل منها التي يمكن وصف كاتبها بالروائي ’الأديب‘ وسط انحدار تام للغة الأدبية التي افترستها اللهجات العامية والأسلوب الحشوي المهترئ للكاتب وفقر القراءات والاطلاعات التي تصقل قدراته الأدبية واللغوية ناهيك عن الأخطاء النحوية المشينة.
• ثمة ’هوس‘ بتجديد الرواية وأقول ’هوساً‘ لأنها كلمة حق تجسدت باطلاً بقصد أو بدون قصد. التجديد في كل حقل مهم وجميل ولكن بمقتضيات المنطق الزمني والحاجة والتطور، وأقصد هنا أن يكون في الإطار العام لا في أصل العمل، حيث نشهد بين أوان وآخر تبشيراً من جانب النقاد بأن العمل الفلاني يمثل ’فتحاً‘ في الرواية وهو أبعد أن يحمل صفة ’الرواية‘. لقد قطعت الرواية أشواطاً تاريخية في تطورها ولكن حافظت على هويتها ’الأدبية والفنية‘ وأركانها المعروفة دون كبير أثر، وما جرى أضفى إليها جمالاً وابداعاً. الرواية الإنجليزية مثلاً كمفهوم وانتشار أقدم من الرواية العربية بفترة طويلة جداً وسنوياً تصدر آلاف الروايات (مقابل ألف رواية عربية) ولا أجد مثل هذا الهوس بما يسمى بالتجديد الذي ينسف نسفاً ’مفهوم الرواية‘ شكلاً ومضموناً، بل إن الاحتفاء في الغالب في الأعمال التي تحمل الابداع السردي واللغة العميقة والمضامين الإنسانية المؤثرة، ولسبب بسيط إن الناشر الأجنبي والناقد والقيّم على الجوائز ينظرون للقارئ كأهم حلقة يجب أن يستهدفه العمل.
• شخصياً، أرى مشكلة البوكر ليس في الاعمال التي يتم تسريحها للقوائم المنافسة باعتبارها الأفضل، بل في اللجنة/اللجان ذاتها، فهم من يقرر هوية فضلى الأعمال. لقد توزعت رئاسة اللجنة ما بين شاعر وأكاديمي وناقد وكاتب دون الروائي، وأقصد به أن يرأسها روائي معروف له نتاج مميز وأعضاء ممن لهم باع طويل في هذا الفن الأدبي الرفيع. فمثلاً لجنة هذا العام التي أعلنت عنها الجائزة، هي تحت رئاسة إبراهيم السعافين الذي خلعت عليه خمس صفات قبل صفة بلده: أكاديمي وناقد وشاعر وروائي ومسرحي (أردني)، ومن حقي أن أسأل ما هي الأعمال الروائية التي قدمها؟ ولو عمل واحد؟ بحثت في سيرته الذاتية ولم أجد أي عمل وربما مسرحية واحدة ولكن اختياره لأنه كان شخصية معرض عمّان الدولي. فهل يجوز لي أنا عمار الثويني أن أحظى بصفة رسام تشكيلي لأنني أعشق هذا الفن أو أكتب عنه ولم أطرح لوحة واحدة؟ أما بقية الأعضاء فهم حسب بيان الجائزة إنعام بيوض، أكاديمية ومترجمة وروائية وشاعرة جزائرية [كتبت رواية واحدة عام 2003]؛ باربرا سكوبيتس، كاتبة ومترجمة سلوفينية، ومحمود شقير، روائي وقاص فلسطيني، وجمال محجوب، كاتب وروائي سوداني-إنجليزي. والأخير يكتب باللغة الإنجليزية فقط وترجمت بعض أعماله إلى العربية.
🚫 المقال طويل جداً لكنه نقاد ومفيد جداً وذو رأي سديد
البوكر... هل سقطت آخر وريقات التوت عن الأدب العربي؟
مقال رأي شخصي للغاية
مع اعلان القائمة الطويلة للرواية العربية يوم الأربعاء الماضي، انطلق الجدل وسط القراء والمتابعين والكتاب (الروائيين) والناشرين معبرين عن ردود أفعالهم المختلفة. وطرح كثيرون تساؤلات حول آلية ’انتقاء‘ الأعمال وما هي المعايير المتبعة وأنى لنا أن نعتبر هذا العمل أو ذلك هو أفضل من غيره، الجدل الذي تكرر منذ انطلاق الجائزة قبل عشرة أعوام وسيثار في كل سنة. وما أود طرحه في هذا السطور لا يتعلق بقائمة هذا العام، بل عن الجائزة بحكم متابعتي لها خلال الأعوام القليلة الماضية وواقع الجوائز العربية المعنية بالرواية:
• معظم القراء المنتقدين يقارنون الأعمال العربية المتأهلة وغير المرشحة للبوكر في العادة بما طالعوه من روايات عربية مميزة مثل أعمال نجيب محفوظ أو بأعمال عالمية تتمتع بتشويق وابداع ومضامين إنسانية وفلسفية ولغة سلسة. هي مقارنة غير متكافئة مع جل احترامي لكثير من الأقلام العربية، فثمة نصوص عربية ليست بالقليلة من الظلم حتى وصفها بالرواية لأنها تفتقد لأدنى متطلبات هذا الفن الأدبي، بل حدوتة/سرد له "خوار". بعض هذه الروايات وصلت للقائمة القصيرة وفازت أُخر بالبوكر وهي ضعيفة فنياً ولغوياً وسردياً وباهتة بالاجمال حتى ليلوح الروائي كأنه كتبها بالـ ’سخرة‘. الأعمال العالمية المنافسة/الفائزة بجائزة مان بوكر وغيرها من الجوائز أكثرها نتاجات ’متكاملة‘ فنياً وجمالياً وابداعياً وذات عمق سردي ولغة قوية، فهل هذا الأمر ينطبق على الروايات العربية، خاصة التي وصلت للقوائم المرشحة أو الفائزة؟
• أكبر مشكلتين تواجه الرواية العربية المعاصرة هي فقر الخيال وغياب شبه تام للغة السرد الأدبية، فكثير من الروايات التي اطالعها تعالج مشاكل متكررة أو سيرة شخصيات تاريخية أو سيرة ذاتية بحتة أو تتناول مواضيع عفا عليها الزمن مثل الحب والجريمة الهجرة دون تجديد في وقت شحت فيها روايات الخيال العلمي أو الفتنازيا أو المضامين الفلسفية العميقة. وعلى صعيد اللغة، فإننا عندما نجمع عشرات الأعمال الروائية سترشح القليل منها التي يمكن وصف كاتبها بالروائي ’الأديب‘ وسط انحدار تام للغة الأدبية التي افترستها اللهجات العامية والأسلوب الحشوي المهترئ للكاتب وفقر القراءات والاطلاعات التي تصقل قدراته الأدبية واللغوية ناهيك عن الأخطاء النحوية المشينة.
• ثمة ’هوس‘ بتجديد الرواية وأقول ’هوساً‘ لأنها كلمة حق تجسدت باطلاً بقصد أو بدون قصد. التجديد في كل حقل مهم وجميل ولكن بمقتضيات المنطق الزمني والحاجة والتطور، وأقصد هنا أن يكون في الإطار العام لا في أصل العمل، حيث نشهد بين أوان وآخر تبشيراً من جانب النقاد بأن العمل الفلاني يمثل ’فتحاً‘ في الرواية وهو أبعد أن يحمل صفة ’الرواية‘. لقد قطعت الرواية أشواطاً تاريخية في تطورها ولكن حافظت على هويتها ’الأدبية والفنية‘ وأركانها المعروفة دون كبير أثر، وما جرى أضفى إليها جمالاً وابداعاً. الرواية الإنجليزية مثلاً كمفهوم وانتشار أقدم من الرواية العربية بفترة طويلة جداً وسنوياً تصدر آلاف الروايات (مقابل ألف رواية عربية) ولا أجد مثل هذا الهوس بما يسمى بالتجديد الذي ينسف نسفاً ’مفهوم الرواية‘ شكلاً ومضموناً، بل إن الاحتفاء في الغالب في الأعمال التي تحمل الابداع السردي واللغة العميقة والمضامين الإنسانية المؤثرة، ولسبب بسيط إن الناشر الأجنبي والناقد والقيّم على الجوائز ينظرون للقارئ كأهم حلقة يجب أن يستهدفه العمل.
• شخصياً، أرى مشكلة البوكر ليس في الاعمال التي يتم تسريحها للقوائم المنافسة باعتبارها الأفضل، بل في اللجنة/اللجان ذاتها، فهم من يقرر هوية فضلى الأعمال. لقد توزعت رئاسة اللجنة ما بين شاعر وأكاديمي وناقد وكاتب دون الروائي، وأقصد به أن يرأسها روائي معروف له نتاج مميز وأعضاء ممن لهم باع طويل في هذا الفن الأدبي الرفيع. فمثلاً لجنة هذا العام التي أعلنت عنها الجائزة، هي تحت رئاسة إبراهيم السعافين الذي خلعت عليه خمس صفات قبل صفة بلده: أكاديمي وناقد وشاعر وروائي ومسرحي (أردني)، ومن حقي أن أسأل ما هي الأعمال الروائية التي قدمها؟ ولو عمل واحد؟ بحثت في سيرته الذاتية ولم أجد أي عمل وربما مسرحية واحدة ولكن اختياره لأنه كان شخصية معرض عمّان الدولي. فهل يجوز لي أنا عمار الثويني أن أحظى بصفة رسام تشكيلي لأنني أعشق هذا الفن أو أكتب عنه ولم أطرح لوحة واحدة؟ أما بقية الأعضاء فهم حسب بيان الجائزة إنعام بيوض، أكاديمية ومترجمة وروائية وشاعرة جزائرية [كتبت رواية واحدة عام 2003]؛ باربرا سكوبيتس، كاتبة ومترجمة سلوفينية، ومحمود شقير، روائي وقاص فلسطيني، وجمال محجوب، كاتب وروائي سوداني-إنجليزي. والأخير يكتب باللغة الإنجليزية فقط وترجمت بعض أعماله إلى العربية.