قصه..
يُحكى أنه كان ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺩﻣﺸﻖ ﻣﺴﺠﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﺍﺳﻤﻪ "ﺟﺎﻣﻊ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ"، وقد ﺳﻤﻲ ﺑذلك لأنه ﻛﺎﻥ حاﻧﺎً -دكانا- ﺗﺮﺗﻜﺐ ﻓﻴﻪ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ،
ﻓﺎﺷﺘﺮﺍﻩ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ ﺍﻟﻬﺠﺮﻱ، ﻭﻫﺪﻣﻪ ﻭﺑﻨﺎﻩ ليكون مسجدﺍً.
وفي أوائل القرن الماضي (أي ﻣﻨﺬ ﻧﺤﻮ مائة ﺳﻨﺔ) ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺦ ﻣﺮﺏٍ ﻋﺎﻟﻢ عامل، ﺍﺳﻤﻪ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻴﻢ اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ*، ﻛﺎﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻲ ﻳﺜﻘﻮﻥ ﺑﻪ، ﻭﻳﺮﺟﻌﻮﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺩﻳﻨﻬﻢ ﻭﺩﻧﻴﺎﻫﻢ.
وﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﺗﻠﻤﻴﺬ ﻣﻀﺮﺏ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻓﻘﺮﻩ، ﻭلكن أيضا ﻓﻲ ﺇﺑﺎﺋﻪ ﻭﻋﺰﺓ ﻧﻔﺴﻪ*، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ باﻟﻤﺴﺠﺪ؛ وذات نهار كان قد ﻣﺮّ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﻮﻣﺎﻥ ﻟﻢ ﻳﺄﻛﻞ ﺷﻴﺌﺎً، ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﺎ ﻳأكله، ﻭﻻ ﻣﺎ ﻳﺸﺘﺮﻱ ﺑﻪ ﻃﻌﺎﻣﺎ!! ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺃﺣﺲ ﻛﺄﻧﻪ ﻣﺸﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﻭﻓﻜﺮ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺼﻨﻊ؟ فرأى ﺃﻧﻪ -من الوجهة الفقهية- قد ﺑﻠﻎ ﺣﺪّ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻪ ﺃﻛﻞ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔ -ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ- فآﺛﺮ ﺃﻥ ﻳﺴﺮﻕ ﻣﺎ ﻳﻘﻴﻢ ﺻﻠﺒﻪ.
ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﺣﻲّ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، حيث ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺘﻼﺻﻘﺔ، والأسطح ﻣﺘﺼﻠﺔ، بحيث ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﺤﻲ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮﻩ ﻣﺸﻴﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻄﻮﺡ؛ فما كان من ذلك التلميذ إلا أن صعد ﺇﻟﻰ ﺳﻄﺢ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻭﺍﻧﺘﻘﻞ ﻣﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻪ، ﻓﻠﻤا لمح ﺑﻬﺎ ﻧﺴﺎﺀ غض ﻣﻦ ﺑﺼﺮﻩ ﻭﺍﺑﺘﻌﺪ؛ ثم رﺃﻯ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ﺩﺍﺭﺍً ﺧﺎﻟﻴﺔ، ﻭﺷﻢّ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﺍﻟﻄﺒﺦ ﺗﺼﺪﺭ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﺄﺣﺲ ﻣﻦ ﺟﻮﻋﻪ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻐﻨﺎﻃﻴﺲ ﺗﺠﺬﺑﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ.. ﻓﻘﻔﺰ ﻗﻔﺰﺗﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻄﺢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺮﻓﺔ، ﻓﺼﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺭ؛ ثم ﺃﺳﺮﻉ فورا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻄﺒﺦ.
وعندما كشف ﻏﻄﺎﺀ ﺍﻟﻘﺪﺭ رﺃﻯ ﺑﻬﺎ ﺑﺎﺫﻧﺠﺎﻧﺎً ﻣﺤﺸﻮﺍً، ﻓﺄﺧﺬ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﻟﻢ ﻳﺒﺎﻝ ﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺍﻟﺠﻮﻉ ﺑﺴﺨﻮﻧﺘﻬﺎ.. وما كاد أن يعض ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻀﺔ -ﺩون أن ﻳﺒﺘﻠﻌﻬﺎ-، ﺣﺘﻰ ﺍﺭﺗﺪ ﺇﻟﻴﻪ ﻋﻘﻠﻪ ﻭﺩﻳﻨﻪ، ﻭﻛﺒﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ، فقاﻝ ﻟﻨﻔﺴﻪ: ﺃﻋﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ كيف نسيت ﺃني ﻃﺎﻟﺐ ﻋﻠﻢ، ﻭﻣﻘﻴﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﺛﻢ ﺃﻗﺘﺤﻢ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ، ﻭﺃﺳﺮﻕ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ؟؟ ياويحي ياويحي..
فندم ﻭﺍﺳﺘﻐﻔﺮ، ﻭﺭﺩ ﺍﻟﺒﺎﺫﻧﺠﺎﻧﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ، ﻭﻋﺎﺩ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺟﺎﺀ..
ﻓﻨﺰﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻭﻗﻌﺪ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺔ ﺍﻟﺸﻴﺦ، ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﻜﺎﺩ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻊ ﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺍﻟﺠﻮﻉ.
ﻓﻠﻤﺎ ﺍﻧﻘﻀﻰ ﺍﻟﺪﺭﺱ، ﻭﺍﻧﺼﺮﻑ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺟﺎﺀﺕ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻣﺴﺘﺘﺮﺓ -كما عادة كل النساء في ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻳﺎﻡ- ﻓﻜﻠﻤﺖ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺑﻜﻼﻡ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻌﻪ، ﻓﺘﻠﻔﺖ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺣﻮﻟﻪ، ﻓﻠﻢ ﻳﺮ ﻏﻴﺮ ذلك التلميذ الجائع،
ﻓﺪﻋﺎﻩ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﻫﻞ ﺃﻧﺖ ﻣﺘﺰﻭﺝ ياولدي؟
فقاﻝ: ﻻ.
قال له: ﻫﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ؟ ﻓﺴﻜﺖ..
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺸﻴﺦ: ﻗﻞ ﻫﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ؟
ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻱ ﺛﻤﻦ ﺭﻏﻴﻒ ﻭﺍﻟﻠﻪ، فكيف ﺃﺗﺰﻭﺝ؟
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ: ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺧﺒﺮﺗﻨﻲ، ﺃﻧﻬﺎ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻠﺪ، وﺃﻥ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﺗﻮﻓﻲ، وﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ هذه ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺇﻻ ﻋﻢ ﻋﺠﻮﺯ ﻓﻘﻴﺮ، ﻭﻗﺪ ﺟﺎﺀﺕ ﺑﻪ ﻣﻌﻬﺎ -وﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﻗﺎﻋﺪﺍً ﻓﻲ ﺭﻛﻦ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ- ﻭﻗﺪ ﻭﺭﺛﺖ ﺩﺍﺭ ﺯﻭﺟﻬﺎ ومعاشه.. ﻭﻫﻲ ﺗﺤﺐ ﺃﻥ ﺗﺠﺪ ﺭﺟﻼً، ﻳﺘﺰﻭﺟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ -صلى الله عليه وآله وسلم- ﻟﺌﻼ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻨﻔﺮﺩﺓ، ﻓﻴﻄﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻷﺷﺮﺍﺭ، ﻭﺃﻭﻻﺩ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ.. ﻓﻬﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﺘﺰﻭﺝ ﺑﻬﺎ؟
ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ.
ﻭﺳﺄﻟﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﺦ: ﻫﻞ ﺗﻘﺒﻠﻴﻦ ﺑﻪ ﺯﻭﺟﺎً؟
ﻗﺎﻟﺖ: ﻧﻌﻢ.
ﻓﺪﻋﺎ ﺑﻌﻤﻬﺎ، ﻭﺩﻋﺎ ﺑﺸﺎﻫﺪﻳﻦ، ﻭﻋﻘﺪ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.. ﻭﺩﻓﻊ ﺍﻟﻤﻬﺮ ﻋﻦ تلميذه، ثم ﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﺧﺬ ﺑﻴﺪﻫﺎ..
فأﺧﺬﺕ هي ﺑﻴﺪﻩ، وقاﺩﺗﻪ ﺇﻟﻰ بيتها؛ فاذا ﻫﻮ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺰﻟﻪ منذ قليل، ﻓﻠﻤﺎ ﺩﺧﻠﺘﻪ ﻛﺸﻔﺖ ﻋﻦ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﻓﺮﺃﻯ ﺷﺒﺎﺑﺎً ﻭﺟﻤﺎﻻ يسر الناظرينً..
فسأﻟﺘﻪ في دلال: ﻫﻞ ﺗﺄﻛﻞ؟
ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ..
ﻓﻜﺸﻔﺖ ﻏﻄﺎﺀ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻓﺮﺃﺕ ﺍﻟﺒﺎﺫﻧﺠﺎﻧﺔ المعضوضة!!
ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻋﺠﺒﺎً ﻣﻦ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﻓﻌﻀﻬﺎ؟؟
ﻓﺒﻜﻰ ﺍﻟﺮﺟﻞ، ﻭﻗﺺ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺨﺒﺮ..
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ: ﻫﺬﻩ ﺛﻤﺮﺓ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ.. ﻋﻔﻔﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﺎﺫﻧﺠﺎﻧﺔ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ.. ﻓﺄﻋﻄﺎﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﺻﺎﺣﺒﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻼﻝ!!
- ﻣﻦ ﺗﺮﻙ ﺷﻴﺌﺎً ﻟﻠﻪ، ﻋﻮﺿﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮاً ﻣﻨﻪ
يُحكى أنه كان ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺩﻣﺸﻖ ﻣﺴﺠﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﺍﺳﻤﻪ "ﺟﺎﻣﻊ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ"، وقد ﺳﻤﻲ ﺑذلك لأنه ﻛﺎﻥ حاﻧﺎً -دكانا- ﺗﺮﺗﻜﺐ ﻓﻴﻪ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ،
ﻓﺎﺷﺘﺮﺍﻩ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ ﺍﻟﻬﺠﺮﻱ، ﻭﻫﺪﻣﻪ ﻭﺑﻨﺎﻩ ليكون مسجدﺍً.
وفي أوائل القرن الماضي (أي ﻣﻨﺬ ﻧﺤﻮ مائة ﺳﻨﺔ) ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺦ ﻣﺮﺏٍ ﻋﺎﻟﻢ عامل، ﺍﺳﻤﻪ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻴﻢ اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ*، ﻛﺎﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻲ ﻳﺜﻘﻮﻥ ﺑﻪ، ﻭﻳﺮﺟﻌﻮﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺩﻳﻨﻬﻢ ﻭﺩﻧﻴﺎﻫﻢ.
وﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﺗﻠﻤﻴﺬ ﻣﻀﺮﺏ ﺍﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻓﻘﺮﻩ، ﻭلكن أيضا ﻓﻲ ﺇﺑﺎﺋﻪ ﻭﻋﺰﺓ ﻧﻔﺴﻪ*، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ باﻟﻤﺴﺠﺪ؛ وذات نهار كان قد ﻣﺮّ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﻮﻣﺎﻥ ﻟﻢ ﻳﺄﻛﻞ ﺷﻴﺌﺎً، ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﺎ ﻳأكله، ﻭﻻ ﻣﺎ ﻳﺸﺘﺮﻱ ﺑﻪ ﻃﻌﺎﻣﺎ!! ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺃﺣﺲ ﻛﺄﻧﻪ ﻣﺸﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﻭﻓﻜﺮ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺼﻨﻊ؟ فرأى ﺃﻧﻪ -من الوجهة الفقهية- قد ﺑﻠﻎ ﺣﺪّ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻪ ﺃﻛﻞ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔ -ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ- فآﺛﺮ ﺃﻥ ﻳﺴﺮﻕ ﻣﺎ ﻳﻘﻴﻢ ﺻﻠﺒﻪ.
ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﺣﻲّ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، حيث ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺘﻼﺻﻘﺔ، والأسطح ﻣﺘﺼﻠﺔ، بحيث ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﺤﻲ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮﻩ ﻣﺸﻴﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻄﻮﺡ؛ فما كان من ذلك التلميذ إلا أن صعد ﺇﻟﻰ ﺳﻄﺢ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻭﺍﻧﺘﻘﻞ ﻣﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻪ، ﻓﻠﻤا لمح ﺑﻬﺎ ﻧﺴﺎﺀ غض ﻣﻦ ﺑﺼﺮﻩ ﻭﺍﺑﺘﻌﺪ؛ ثم رﺃﻯ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ﺩﺍﺭﺍً ﺧﺎﻟﻴﺔ، ﻭﺷﻢّ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﺍﻟﻄﺒﺦ ﺗﺼﺪﺭ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﺄﺣﺲ ﻣﻦ ﺟﻮﻋﻪ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻐﻨﺎﻃﻴﺲ ﺗﺠﺬﺑﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ.. ﻓﻘﻔﺰ ﻗﻔﺰﺗﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻄﺢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺮﻓﺔ، ﻓﺼﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺭ؛ ثم ﺃﺳﺮﻉ فورا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻄﺒﺦ.
وعندما كشف ﻏﻄﺎﺀ ﺍﻟﻘﺪﺭ رﺃﻯ ﺑﻬﺎ ﺑﺎﺫﻧﺠﺎﻧﺎً ﻣﺤﺸﻮﺍً، ﻓﺄﺧﺬ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﻟﻢ ﻳﺒﺎﻝ ﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺍﻟﺠﻮﻉ ﺑﺴﺨﻮﻧﺘﻬﺎ.. وما كاد أن يعض ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻀﺔ -ﺩون أن ﻳﺒﺘﻠﻌﻬﺎ-، ﺣﺘﻰ ﺍﺭﺗﺪ ﺇﻟﻴﻪ ﻋﻘﻠﻪ ﻭﺩﻳﻨﻪ، ﻭﻛﺒﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ، فقاﻝ ﻟﻨﻔﺴﻪ: ﺃﻋﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ كيف نسيت ﺃني ﻃﺎﻟﺐ ﻋﻠﻢ، ﻭﻣﻘﻴﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﺛﻢ ﺃﻗﺘﺤﻢ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ، ﻭﺃﺳﺮﻕ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ؟؟ ياويحي ياويحي..
فندم ﻭﺍﺳﺘﻐﻔﺮ، ﻭﺭﺩ ﺍﻟﺒﺎﺫﻧﺠﺎﻧﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ، ﻭﻋﺎﺩ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺟﺎﺀ..
ﻓﻨﺰﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻭﻗﻌﺪ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺔ ﺍﻟﺸﻴﺦ، ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﻜﺎﺩ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻊ ﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺍﻟﺠﻮﻉ.
ﻓﻠﻤﺎ ﺍﻧﻘﻀﻰ ﺍﻟﺪﺭﺱ، ﻭﺍﻧﺼﺮﻑ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺟﺎﺀﺕ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻣﺴﺘﺘﺮﺓ -كما عادة كل النساء في ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻳﺎﻡ- ﻓﻜﻠﻤﺖ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺑﻜﻼﻡ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻌﻪ، ﻓﺘﻠﻔﺖ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺣﻮﻟﻪ، ﻓﻠﻢ ﻳﺮ ﻏﻴﺮ ذلك التلميذ الجائع،
ﻓﺪﻋﺎﻩ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﻫﻞ ﺃﻧﺖ ﻣﺘﺰﻭﺝ ياولدي؟
فقاﻝ: ﻻ.
قال له: ﻫﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ؟ ﻓﺴﻜﺖ..
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺸﻴﺦ: ﻗﻞ ﻫﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ؟
ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻱ ﺛﻤﻦ ﺭﻏﻴﻒ ﻭﺍﻟﻠﻪ، فكيف ﺃﺗﺰﻭﺝ؟
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ: ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺧﺒﺮﺗﻨﻲ، ﺃﻧﻬﺎ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻠﺪ، وﺃﻥ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﺗﻮﻓﻲ، وﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ هذه ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺇﻻ ﻋﻢ ﻋﺠﻮﺯ ﻓﻘﻴﺮ، ﻭﻗﺪ ﺟﺎﺀﺕ ﺑﻪ ﻣﻌﻬﺎ -وﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﻗﺎﻋﺪﺍً ﻓﻲ ﺭﻛﻦ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ- ﻭﻗﺪ ﻭﺭﺛﺖ ﺩﺍﺭ ﺯﻭﺟﻬﺎ ومعاشه.. ﻭﻫﻲ ﺗﺤﺐ ﺃﻥ ﺗﺠﺪ ﺭﺟﻼً، ﻳﺘﺰﻭﺟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ -صلى الله عليه وآله وسلم- ﻟﺌﻼ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻨﻔﺮﺩﺓ، ﻓﻴﻄﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻷﺷﺮﺍﺭ، ﻭﺃﻭﻻﺩ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ.. ﻓﻬﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﺘﺰﻭﺝ ﺑﻬﺎ؟
ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ.
ﻭﺳﺄﻟﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﺦ: ﻫﻞ ﺗﻘﺒﻠﻴﻦ ﺑﻪ ﺯﻭﺟﺎً؟
ﻗﺎﻟﺖ: ﻧﻌﻢ.
ﻓﺪﻋﺎ ﺑﻌﻤﻬﺎ، ﻭﺩﻋﺎ ﺑﺸﺎﻫﺪﻳﻦ، ﻭﻋﻘﺪ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.. ﻭﺩﻓﻊ ﺍﻟﻤﻬﺮ ﻋﻦ تلميذه، ثم ﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﺧﺬ ﺑﻴﺪﻫﺎ..
فأﺧﺬﺕ هي ﺑﻴﺪﻩ، وقاﺩﺗﻪ ﺇﻟﻰ بيتها؛ فاذا ﻫﻮ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺰﻟﻪ منذ قليل، ﻓﻠﻤﺎ ﺩﺧﻠﺘﻪ ﻛﺸﻔﺖ ﻋﻦ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﻓﺮﺃﻯ ﺷﺒﺎﺑﺎً ﻭﺟﻤﺎﻻ يسر الناظرينً..
فسأﻟﺘﻪ في دلال: ﻫﻞ ﺗﺄﻛﻞ؟
ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ..
ﻓﻜﺸﻔﺖ ﻏﻄﺎﺀ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻓﺮﺃﺕ ﺍﻟﺒﺎﺫﻧﺠﺎﻧﺔ المعضوضة!!
ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻋﺠﺒﺎً ﻣﻦ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﻓﻌﻀﻬﺎ؟؟
ﻓﺒﻜﻰ ﺍﻟﺮﺟﻞ، ﻭﻗﺺ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺨﺒﺮ..
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ: ﻫﺬﻩ ﺛﻤﺮﺓ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ.. ﻋﻔﻔﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﺎﺫﻧﺠﺎﻧﺔ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ.. ﻓﺄﻋﻄﺎﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﺻﺎﺣﺒﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻼﻝ!!
- ﻣﻦ ﺗﺮﻙ ﺷﻴﺌﺎً ﻟﻠﻪ، ﻋﻮﺿﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮاً ﻣﻨﻪ