"أصلاً ما فيش طب في ليبيا"
لا أعلم كم مرةً تكررت هذه الكلمات على مسامعي منذ دخولي الكلية الطبية .
أظنها باتت تفوق جملتي "شن بتخصصي؟!" أو "ديريلنا واسطة بعدين انجو انعاينو عندك بالبلاش" من حيث التكرار و الإستفزاز أيضاً!
و لا ألوم قائلها إن كان قد تعرض لتجربة سيئة في إحدى المستشفيات ، رغم أننا في كافةِ القِطاعات نعاني في هذه البلاد ، لكنني أتعجب ممن يلفظونها أمامي بدافع إغاظتي و تثبيط عزيمتي ، لا لشيء فقط لكونهم ينزعجون من فكرة أن أتقدمهم بخطوات .
المؤسف في الأمر أنهم لا ينظرون إلى حجم التعب الذي تتكبده في كل خطوة ، فالزاوية التي ينظرون إليك منها لا تلمح إلا الدرجة الأخيرة من السُلم ، و لو أنهم فقط سمحوا لأعينهم أن ترى الصورة كاملة لأخذوا جُلَّ عمرهم يواسونك!
يجد الناس أنفسهم في هذه البلاد مخولين للتدخل في كافة قرارات حياتك ، بدءاً من اختيار اسمك مروراً بالفترة التي يحينُ فيها موعد فِطامك ، تخصصك الجامعي ، اختيارك لشريك حياتك ، عدد أولادك ، و حتى إنهم قد ينتقون الوليمة التي سيتم إعدادها ليلة عزاءك !!
و المشكلة أنهم يفيضون دوماً برغبةٍ ملحة لنشر الإحباط ، أياً كان ما تنوي فعله ، فهناك دوماً رد سلبي لكل فعل..!
تَدخُل الطب في ليبيا فتأخذ على عاتقك كماً هائلاً من التحمل و الصبر ، فبالإضافة إلى قدرتك على تحمل صعوبة المنهج و ضغط الوقت و عدم كفاءة طاقم التدريس إلا من رحِم ، فعليك أيضاً أن تضع بالحُسبان إمكانيتك على مواجهة النقد و الإحباط و الأشخاص السلبيون ، و أضف على ذلك أعوامك التي ستنفلت منك بغزارة كلما انفلت الوضع الأمني و الصحي في البلاد ، فرغبتك تلك التي لم تأخذ في كتابتها دقائق لحظة دخولك الجامعة ، قد تُكلف من عمرك عشرُ أعوام قابلة للزيادة ، كما عليك أيضاً أن تكون واقعياً و تتعايش مع فكرة أن خبر تخرجك من كلية الطب لا يعني نجاتك ، و أنك لن تجد أبواب المستشفيات مُشرعة لإستقبالك ، فنيلك وظيفة براتب زهيد بعد أعوام التعب هذه يعد ترفاً !
ستفوت أغلب المناسبات العائلية و جمعات الأصدقاء لتنعزل للمذاكرة ، ستُدعى لحضور حفلات تخرج رفاقك من المجالات الأخرى ، و تُسعد بتلقي دعوات حفل زفافهم و مولودهم الأول ربما ، ثم تعود لتحتضن "شيتاتك" و تستمع بحب لتسجيلات محاضراتك !
و إنك و مع إدراكك لكل هذا ستظل تكافح و تصر على الإستمرار ليباغتك أحدهم و يقول لك أنه و ببساطة "ما فيش طب في ليبيا"!
و لا يُزعجك قولهم بقدر ما يزعجك كونهم يسلطون الضوء دائماً على الأخطاء الطبية و يشيحون النظر عن العمليات التي تتكلل بالنجاح ، فلا حقيقة تعلو حقيقتهم تلك!
ربما لا يوجد طب في ليبيا حقاً ، لكن ذلك لا ينفي حقيقة وجود طلبة طب لديهم طموح و رغبة في النجاح و نهضة البلاد ، فليس كل طلبة الطب هدفهم أن يتقدم اسمهم حرف الدال!!
ربما يكون خطأنا الوحيد أننا قررنا دخول كلية الطب في ليبيا تحديداً ، لكن أحداً منا لن يندم على خوضه هذه التجربة ، فأن تُمعن في أعجاز خلقه سبحانه ، أن تتأمل عظمة صُنعه ، و أن يكون الطب إجابتك حين يسألك جلَّ و علا : عن عمرك فيما أفنيته ؟!
حتماً ستنظر لقرارك ذاك على أنه القرار الخاطيء الأكثر صواباً في حياتك!
في الواقع لا أعلم أين سينتهي بي المطاف في بلاد يبدو فيها الغد مُبهم ، ربما سأعمل بعيداً عن مجال تخصصي ، فأبيع الحلويات عبر صفحات الإنترنت مثلاً أو اكتب الروايات الهزلية ، أو أنني سأصبح حقاً طبيبة ، حينها و إن حدث و ارتكبت خطئاً طبياً فسأضم صوتي لأصواتهم و سأجزم بتلك الحقيقة و أقِرُ أن :
"مافيش طب في ليبيا"!!
رفقاً بطلبة الطب 💙.
لا أعلم كم مرةً تكررت هذه الكلمات على مسامعي منذ دخولي الكلية الطبية .
أظنها باتت تفوق جملتي "شن بتخصصي؟!" أو "ديريلنا واسطة بعدين انجو انعاينو عندك بالبلاش" من حيث التكرار و الإستفزاز أيضاً!
و لا ألوم قائلها إن كان قد تعرض لتجربة سيئة في إحدى المستشفيات ، رغم أننا في كافةِ القِطاعات نعاني في هذه البلاد ، لكنني أتعجب ممن يلفظونها أمامي بدافع إغاظتي و تثبيط عزيمتي ، لا لشيء فقط لكونهم ينزعجون من فكرة أن أتقدمهم بخطوات .
المؤسف في الأمر أنهم لا ينظرون إلى حجم التعب الذي تتكبده في كل خطوة ، فالزاوية التي ينظرون إليك منها لا تلمح إلا الدرجة الأخيرة من السُلم ، و لو أنهم فقط سمحوا لأعينهم أن ترى الصورة كاملة لأخذوا جُلَّ عمرهم يواسونك!
يجد الناس أنفسهم في هذه البلاد مخولين للتدخل في كافة قرارات حياتك ، بدءاً من اختيار اسمك مروراً بالفترة التي يحينُ فيها موعد فِطامك ، تخصصك الجامعي ، اختيارك لشريك حياتك ، عدد أولادك ، و حتى إنهم قد ينتقون الوليمة التي سيتم إعدادها ليلة عزاءك !!
و المشكلة أنهم يفيضون دوماً برغبةٍ ملحة لنشر الإحباط ، أياً كان ما تنوي فعله ، فهناك دوماً رد سلبي لكل فعل..!
تَدخُل الطب في ليبيا فتأخذ على عاتقك كماً هائلاً من التحمل و الصبر ، فبالإضافة إلى قدرتك على تحمل صعوبة المنهج و ضغط الوقت و عدم كفاءة طاقم التدريس إلا من رحِم ، فعليك أيضاً أن تضع بالحُسبان إمكانيتك على مواجهة النقد و الإحباط و الأشخاص السلبيون ، و أضف على ذلك أعوامك التي ستنفلت منك بغزارة كلما انفلت الوضع الأمني و الصحي في البلاد ، فرغبتك تلك التي لم تأخذ في كتابتها دقائق لحظة دخولك الجامعة ، قد تُكلف من عمرك عشرُ أعوام قابلة للزيادة ، كما عليك أيضاً أن تكون واقعياً و تتعايش مع فكرة أن خبر تخرجك من كلية الطب لا يعني نجاتك ، و أنك لن تجد أبواب المستشفيات مُشرعة لإستقبالك ، فنيلك وظيفة براتب زهيد بعد أعوام التعب هذه يعد ترفاً !
ستفوت أغلب المناسبات العائلية و جمعات الأصدقاء لتنعزل للمذاكرة ، ستُدعى لحضور حفلات تخرج رفاقك من المجالات الأخرى ، و تُسعد بتلقي دعوات حفل زفافهم و مولودهم الأول ربما ، ثم تعود لتحتضن "شيتاتك" و تستمع بحب لتسجيلات محاضراتك !
و إنك و مع إدراكك لكل هذا ستظل تكافح و تصر على الإستمرار ليباغتك أحدهم و يقول لك أنه و ببساطة "ما فيش طب في ليبيا"!
و لا يُزعجك قولهم بقدر ما يزعجك كونهم يسلطون الضوء دائماً على الأخطاء الطبية و يشيحون النظر عن العمليات التي تتكلل بالنجاح ، فلا حقيقة تعلو حقيقتهم تلك!
ربما لا يوجد طب في ليبيا حقاً ، لكن ذلك لا ينفي حقيقة وجود طلبة طب لديهم طموح و رغبة في النجاح و نهضة البلاد ، فليس كل طلبة الطب هدفهم أن يتقدم اسمهم حرف الدال!!
ربما يكون خطأنا الوحيد أننا قررنا دخول كلية الطب في ليبيا تحديداً ، لكن أحداً منا لن يندم على خوضه هذه التجربة ، فأن تُمعن في أعجاز خلقه سبحانه ، أن تتأمل عظمة صُنعه ، و أن يكون الطب إجابتك حين يسألك جلَّ و علا : عن عمرك فيما أفنيته ؟!
حتماً ستنظر لقرارك ذاك على أنه القرار الخاطيء الأكثر صواباً في حياتك!
في الواقع لا أعلم أين سينتهي بي المطاف في بلاد يبدو فيها الغد مُبهم ، ربما سأعمل بعيداً عن مجال تخصصي ، فأبيع الحلويات عبر صفحات الإنترنت مثلاً أو اكتب الروايات الهزلية ، أو أنني سأصبح حقاً طبيبة ، حينها و إن حدث و ارتكبت خطئاً طبياً فسأضم صوتي لأصواتهم و سأجزم بتلك الحقيقة و أقِرُ أن :
"مافيش طب في ليبيا"!!
رفقاً بطلبة الطب 💙.