السَّنافرُ في رمضان
قيل لأعرابيّ: رمضان قادم على الأبواب
فقال: والله لأبددنه بالأسفار!
هذا هو سنفور «معترض»، رمضان عنده شرُّ غائبٍ يُنتظر، وشر ضيف يحل! من الآن قرع طبول التذمر، يندب جوع رمضان قبل أن يكابده، وعطشه قبل أن يجربه، خبر اقتراب رمضان عليه كخبر السبع العجاف على أهل مصر إذ أوَّلها يوسف لأخناتون! مفهوم الصيام عنده جوع معدة وعطش حنجرة وقد أزفت المجاعة واقترب الجفاف! وعندما يصوم يحسب الأيام لانتهاء رمضان كما تحسب الحامل ما تبقى لها من أيام شهرها الأخير لتستريح، وكما يحسب العتّال ما تبقى من خطوات ليلقي عن كتفه هذا الكيس الثقيل الذي ينوء تحته، لهذا ثقوا أن الناس وإن تساووا في الجوع والعطش فليسوا في الأجر سواء، الأجر ليس دوماً على قدر المشقة وإنما على قدر النية!
النوع الثاني من السنافر هو سنفور «غضبان»، وهو سنفور يعتقد أنه الوحيد الصائم على وجه الأرض، وأن كل المخلوقات عليها أن تكون «فشّة خلق» أو كيس ملاكمة يفرغ فيها غضبه، يعتقد أن المرء يترك أخلاقه إذا ترك طعامه، ولا يعرف أن الهدف من الصيام تحصيل التقوى بنص الآية «لعلكم تتقون»، وأن رمضان «كورس مكثف» من الصبر لا «كورس مكثف» من الريجيم!
والنوع الثالث هو سنفور «أكول»، يقضي أهله ساعات في المطبخ يكابدون حر الفرن ورائحة الطعام، وإذا حضرت مائدة الإفطار قال: «هذا فقط»؟!
يعتقد أن النساء اللائي أعددن «هذا فقط» جاريات لا يستحققن بعض الشكر أو بعض الصمت! ثم يبدأ بالانتقام من نهار رمضان، وما هي إلا ساعة حتى ينتفخ بطنه كحية الأناكوندا التي تبتلع كبشاً ضخماً بفرائه وقرونه، ويستلقي بانتظار أن تفرغ الجاريات من تنظيف ضحايا غزوة الإفطار، ليأتين له بالتحلية، هذا إذا انتظر!
النوع الرابع هو سنفور «نائم»، ينام بعد الفجر بقليل، ويستيقظ قبل المغرب بقليل، فرمضان شهر السبات، وليس الشهر الذي خاض فيه الأوائل القادسية وعين جالوت كي يبقى لنا رمضان! وهذا عند جمهور الفقهاء صائم مذموم، إلا أن جدتي لها اجتهاد في الأمر تُخالف فيه الجمهور، كأغلب اجتهاداتها أدامها الله! فتراه من أعلى الناس أجراً إذ أن أحد فتاويها الخالدة «نوم الظالم عبادة»!
النوع الخامس هو سنفور «لاهي»، من مسلسل إلى مسلسل، ومن برنامج إلى برنامج، صفّد الله له شياطين الجن، فعزّ عليه فراقهم فذهب إلى إخوتهم من الإنس.
خلاصة الأمر: الغضب قد يحدث، وقد قالت العرب ثلاثة يُعذرون بغضبهم: الصائم والمريض والمسافر، ولكن على الإنسان أن يتذكر أن النفس فرس جامحة، وأن العاقل من يلجم فرسه، والفارس من يركب حصانه لا من يركبه حصانه.
والأكل الطيب حلال، ولا يحتاج لفتوى، ولكنه وسيلة للتقوي على الطاعة لا غاية في ذاته، وجميل جداً أن تلقى الزوجة والأم كلمة شكر، وأن تُعان على الشهر، فلها عبادات وشهر يجب أن تقوم بحقه، فكفى تطلباً وتذمراً، والنوم والراحة في نهار رمضان لا شيء فيها من قبلي ومن بعدي، ولكن الذي فيه شيء هو أن تقوم بحق الصيام وتُسقط حق الصلاة، لأن السنافر النائمة تدرك الظهر والعصر قبل المغرب بدقائق!
والترويح عن النفس حلال، وإن القلوب لتمل، وساعة فساعة، ولكن ما أجمل أن نقول لهذه القنوات: لن تسرقوا منا رمضان!
كتاب : وإذا الصُّحف نُشرت
قيل لأعرابيّ: رمضان قادم على الأبواب
فقال: والله لأبددنه بالأسفار!
هذا هو سنفور «معترض»، رمضان عنده شرُّ غائبٍ يُنتظر، وشر ضيف يحل! من الآن قرع طبول التذمر، يندب جوع رمضان قبل أن يكابده، وعطشه قبل أن يجربه، خبر اقتراب رمضان عليه كخبر السبع العجاف على أهل مصر إذ أوَّلها يوسف لأخناتون! مفهوم الصيام عنده جوع معدة وعطش حنجرة وقد أزفت المجاعة واقترب الجفاف! وعندما يصوم يحسب الأيام لانتهاء رمضان كما تحسب الحامل ما تبقى لها من أيام شهرها الأخير لتستريح، وكما يحسب العتّال ما تبقى من خطوات ليلقي عن كتفه هذا الكيس الثقيل الذي ينوء تحته، لهذا ثقوا أن الناس وإن تساووا في الجوع والعطش فليسوا في الأجر سواء، الأجر ليس دوماً على قدر المشقة وإنما على قدر النية!
النوع الثاني من السنافر هو سنفور «غضبان»، وهو سنفور يعتقد أنه الوحيد الصائم على وجه الأرض، وأن كل المخلوقات عليها أن تكون «فشّة خلق» أو كيس ملاكمة يفرغ فيها غضبه، يعتقد أن المرء يترك أخلاقه إذا ترك طعامه، ولا يعرف أن الهدف من الصيام تحصيل التقوى بنص الآية «لعلكم تتقون»، وأن رمضان «كورس مكثف» من الصبر لا «كورس مكثف» من الريجيم!
والنوع الثالث هو سنفور «أكول»، يقضي أهله ساعات في المطبخ يكابدون حر الفرن ورائحة الطعام، وإذا حضرت مائدة الإفطار قال: «هذا فقط»؟!
يعتقد أن النساء اللائي أعددن «هذا فقط» جاريات لا يستحققن بعض الشكر أو بعض الصمت! ثم يبدأ بالانتقام من نهار رمضان، وما هي إلا ساعة حتى ينتفخ بطنه كحية الأناكوندا التي تبتلع كبشاً ضخماً بفرائه وقرونه، ويستلقي بانتظار أن تفرغ الجاريات من تنظيف ضحايا غزوة الإفطار، ليأتين له بالتحلية، هذا إذا انتظر!
النوع الرابع هو سنفور «نائم»، ينام بعد الفجر بقليل، ويستيقظ قبل المغرب بقليل، فرمضان شهر السبات، وليس الشهر الذي خاض فيه الأوائل القادسية وعين جالوت كي يبقى لنا رمضان! وهذا عند جمهور الفقهاء صائم مذموم، إلا أن جدتي لها اجتهاد في الأمر تُخالف فيه الجمهور، كأغلب اجتهاداتها أدامها الله! فتراه من أعلى الناس أجراً إذ أن أحد فتاويها الخالدة «نوم الظالم عبادة»!
النوع الخامس هو سنفور «لاهي»، من مسلسل إلى مسلسل، ومن برنامج إلى برنامج، صفّد الله له شياطين الجن، فعزّ عليه فراقهم فذهب إلى إخوتهم من الإنس.
خلاصة الأمر: الغضب قد يحدث، وقد قالت العرب ثلاثة يُعذرون بغضبهم: الصائم والمريض والمسافر، ولكن على الإنسان أن يتذكر أن النفس فرس جامحة، وأن العاقل من يلجم فرسه، والفارس من يركب حصانه لا من يركبه حصانه.
والأكل الطيب حلال، ولا يحتاج لفتوى، ولكنه وسيلة للتقوي على الطاعة لا غاية في ذاته، وجميل جداً أن تلقى الزوجة والأم كلمة شكر، وأن تُعان على الشهر، فلها عبادات وشهر يجب أن تقوم بحقه، فكفى تطلباً وتذمراً، والنوم والراحة في نهار رمضان لا شيء فيها من قبلي ومن بعدي، ولكن الذي فيه شيء هو أن تقوم بحق الصيام وتُسقط حق الصلاة، لأن السنافر النائمة تدرك الظهر والعصر قبل المغرب بدقائق!
والترويح عن النفس حلال، وإن القلوب لتمل، وساعة فساعة، ولكن ما أجمل أن نقول لهذه القنوات: لن تسرقوا منا رمضان!
كتاب : وإذا الصُّحف نُشرت