الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا دراسة مختصرة جدا لفتوى اشتُهِرتْ في هذه الأزمنة، تتعلق بصفة رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، وهي فتوى شاذّة غير معمول بها عند أهل العلم.
فأحبَبْتُ أن أُلقي عليها الضوء لما وجَدْتُ فيها من فوائد منهجية وعلمية.
من المعلوم أن صور رفع اليدين لتكبيرة الإحرام صورتان:
الأولى: أن يبتدئ التكبير مع رفع اليدين، وينتهي من التكبير مع انتهاء الرفع، ثم يحط يديه.
وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
الثانية: أن يرفع يديه ثم يحطّها مع التكبير، فيكون ابتداء التكبير مع نزول اليدين، وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية، وهي رواية في مذهب الإمام أحمد.
وهذه الصورتان ثابتتان في كثير من النصوص.
هناكَ صورةٌ أخرى، وهو: التَّكبيرُ أوَّلاً ثم رَفْعُ اليَدَيْنِ بعد الفراغ من التكبير، فتقول: "الله أكبر" ثم تَرفع اليَدَيْن، بعدما تنتهي من التَّكبير.
وهذه الصورة تناقلها بعضُ الفضلاء من طلبة العِلم، واستدلُّوا بروايةٍ في صحيح الإمام مسلم، يرويها عن يحيى بن يحيى، عن خالد بن عبد الله، عن خالد، عن أبي قِلابَةَ: (أنَّه رأى مالك بن الحُوَيْرِثِ -رضي الله عنه- إذا صَلَّى كَبَّرَ ثم رَفَعَ يَدَيْهِ...الحديث).
نأتي للنظر والتأمّل في هذه الرواية:
الأمر الأول: هذا الحديث أوردهُ الإمامُ مُسلِم -رحمه الله- من طَريقين:
• الرواية الأولى: رواية أبي قِلابَة عن مالك، وفي هذه الرواية: (كَبَّرَ ثم رَفَعَ يَدَيْهِ).
• ثم بعدها أورَدَ الإمامُ مُسلِمُ نَفْسُه رحمه الله روايةَ نَصْر بن عاصِم عن مالِك بن الحُوَيْرِث رضي الله عنه بعد رواية أبي قِلابة مُباشرة وفيها: (وإذا كبَّر رفع يديه).
وهذه الرواية -رواية نصر بن عاصم- هي التي توافق الأحاديث الأخرى.
إذن هذه واحدة!
الأمر الثاني: إذا رجعنا مرَّةً أخرى ونظرنا في رواية أبي قِلابة التي عند مسلم= وجدناها من رواية يحيى بن يحيى عن خالد الطحان.
بينما أخرجها الإمام البخاري في صحيحِهِ من طريق إسحاق بن شاهين الواسطي عن خالد الطحان ولفظها: (كبّر ورفع يديه)!
فحتى رواية أبي قِلابة لم تَثْبُت على هذه اللَّفظَة، فالبخاري أورده من طريق إسحاق الوَاسِطي، الذي وَافَقَ في الألفاظِ باقي الأحاديث والروايات، وهذه قرينةٌ ثانية.
وكون البخاري رحمه الله يُورِدُها من طريق إسحاق بن شاهين الوَاسِطي، فهذا فيه وَقْفَة أخرى!
• الأمر الثالث: رواية أبي قِلابةَ روايةُ وَصْفٍ، فالرواة ممّن بعد الصحابي: يَصِفون فِعل الصحابي، فيقولون: رأينا مالك بن الحُوَيْرِث: (كَبَّرَ ثم رَفَعَ يَدَيْهِ).
وأما رواية نَصْر بن عاصِم: فيَنقُل ألفاظَ الصحابي الذي نَقَلَ لهم ما سَمِعَهُ من النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا شكّ أنّ مَجالَ التَّصرُّف في المعاني والألفاظ في رواية أبي قِلابةَ أَوسَع.
• الأمر الرابع وهو الأهمّ: لم يَعمَل بهذه الروايةِ أحدٌ من العلماء قاطِبَة، صَرَّح بذلك ابن حجر -رحمه الله- في "الفتح"، وأقرَّهُ الشوكاني في "نيل الأوطار".
فهذا كله يَجعلُ المتفقّه يتوقّف في العمل برواية يحيى بن يحيى، وفي أحسن الأحوال يكون في القلب منها شيء، والذي يَظهر: أنها شاذَّة، وفيها تَصَرُّف.
وقد وَجَدْتُ بعد هذا كلاماً للإمام البيهقي رحمه الله يُشيرُ إلى هذا.
قال رحمه الله بعد ذكر رواية يحيى بن يحيى:
"ورواية من دَلَّت روايتُهُ على الرَّفع مع التَّكبيرِ أَثْبَتُ وأَكْثَر، فهي أولى بالاتِّباع".
وبناء على هذا: فما ينقله بعض الفضلاء من المعاصرين عن الحنفية= ضعيف غير معمول به. وقد مال الشيخُ الجليل المحدِّث/ عبد الله السَّعَد -حفظه الله-: إلى أنَّها روايةٌ بالمعنى؛ وعلى هذا: فلا يُعمَل بهذه اللَّفظَةِ على ظاهِرِها، بل تكون (ثم) بمعنى (و) كما أشار إليه الشرّاح، والله تعالى أعلم.
فهذا دراسة مختصرة جدا لفتوى اشتُهِرتْ في هذه الأزمنة، تتعلق بصفة رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، وهي فتوى شاذّة غير معمول بها عند أهل العلم.
فأحبَبْتُ أن أُلقي عليها الضوء لما وجَدْتُ فيها من فوائد منهجية وعلمية.
من المعلوم أن صور رفع اليدين لتكبيرة الإحرام صورتان:
الأولى: أن يبتدئ التكبير مع رفع اليدين، وينتهي من التكبير مع انتهاء الرفع، ثم يحط يديه.
وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
الثانية: أن يرفع يديه ثم يحطّها مع التكبير، فيكون ابتداء التكبير مع نزول اليدين، وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية، وهي رواية في مذهب الإمام أحمد.
وهذه الصورتان ثابتتان في كثير من النصوص.
هناكَ صورةٌ أخرى، وهو: التَّكبيرُ أوَّلاً ثم رَفْعُ اليَدَيْنِ بعد الفراغ من التكبير، فتقول: "الله أكبر" ثم تَرفع اليَدَيْن، بعدما تنتهي من التَّكبير.
وهذه الصورة تناقلها بعضُ الفضلاء من طلبة العِلم، واستدلُّوا بروايةٍ في صحيح الإمام مسلم، يرويها عن يحيى بن يحيى، عن خالد بن عبد الله، عن خالد، عن أبي قِلابَةَ: (أنَّه رأى مالك بن الحُوَيْرِثِ -رضي الله عنه- إذا صَلَّى كَبَّرَ ثم رَفَعَ يَدَيْهِ...الحديث).
نأتي للنظر والتأمّل في هذه الرواية:
الأمر الأول: هذا الحديث أوردهُ الإمامُ مُسلِم -رحمه الله- من طَريقين:
• الرواية الأولى: رواية أبي قِلابَة عن مالك، وفي هذه الرواية: (كَبَّرَ ثم رَفَعَ يَدَيْهِ).
• ثم بعدها أورَدَ الإمامُ مُسلِمُ نَفْسُه رحمه الله روايةَ نَصْر بن عاصِم عن مالِك بن الحُوَيْرِث رضي الله عنه بعد رواية أبي قِلابة مُباشرة وفيها: (وإذا كبَّر رفع يديه).
وهذه الرواية -رواية نصر بن عاصم- هي التي توافق الأحاديث الأخرى.
إذن هذه واحدة!
الأمر الثاني: إذا رجعنا مرَّةً أخرى ونظرنا في رواية أبي قِلابة التي عند مسلم= وجدناها من رواية يحيى بن يحيى عن خالد الطحان.
بينما أخرجها الإمام البخاري في صحيحِهِ من طريق إسحاق بن شاهين الواسطي عن خالد الطحان ولفظها: (كبّر ورفع يديه)!
فحتى رواية أبي قِلابة لم تَثْبُت على هذه اللَّفظَة، فالبخاري أورده من طريق إسحاق الوَاسِطي، الذي وَافَقَ في الألفاظِ باقي الأحاديث والروايات، وهذه قرينةٌ ثانية.
وكون البخاري رحمه الله يُورِدُها من طريق إسحاق بن شاهين الوَاسِطي، فهذا فيه وَقْفَة أخرى!
• الأمر الثالث: رواية أبي قِلابةَ روايةُ وَصْفٍ، فالرواة ممّن بعد الصحابي: يَصِفون فِعل الصحابي، فيقولون: رأينا مالك بن الحُوَيْرِث: (كَبَّرَ ثم رَفَعَ يَدَيْهِ).
وأما رواية نَصْر بن عاصِم: فيَنقُل ألفاظَ الصحابي الذي نَقَلَ لهم ما سَمِعَهُ من النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا شكّ أنّ مَجالَ التَّصرُّف في المعاني والألفاظ في رواية أبي قِلابةَ أَوسَع.
• الأمر الرابع وهو الأهمّ: لم يَعمَل بهذه الروايةِ أحدٌ من العلماء قاطِبَة، صَرَّح بذلك ابن حجر -رحمه الله- في "الفتح"، وأقرَّهُ الشوكاني في "نيل الأوطار".
فهذا كله يَجعلُ المتفقّه يتوقّف في العمل برواية يحيى بن يحيى، وفي أحسن الأحوال يكون في القلب منها شيء، والذي يَظهر: أنها شاذَّة، وفيها تَصَرُّف.
وقد وَجَدْتُ بعد هذا كلاماً للإمام البيهقي رحمه الله يُشيرُ إلى هذا.
قال رحمه الله بعد ذكر رواية يحيى بن يحيى:
"ورواية من دَلَّت روايتُهُ على الرَّفع مع التَّكبيرِ أَثْبَتُ وأَكْثَر، فهي أولى بالاتِّباع".
وبناء على هذا: فما ينقله بعض الفضلاء من المعاصرين عن الحنفية= ضعيف غير معمول به. وقد مال الشيخُ الجليل المحدِّث/ عبد الله السَّعَد -حفظه الله-: إلى أنَّها روايةٌ بالمعنى؛ وعلى هذا: فلا يُعمَل بهذه اللَّفظَةِ على ظاهِرِها، بل تكون (ثم) بمعنى (و) كما أشار إليه الشرّاح، والله تعالى أعلم.