بطلان فتوى جواز استرقاق المسلمات السوريات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد؛
فقد بلغتني فتوى قديمة لأحد الجهال، الذين صدّروا أنفسهم للفتوى من غير أن يكونوا مؤهلين لها، فنتج عن تصدرهم من غير تأهل فتوى ضالة منحرفة، ولما أنكر الناس عليه تراجع ولكنه كما قال لم يتراجع لأنها فتوى خاطئة باطلة بل لتقدير المصلحة والمفسدة على حد زعمه.
هذا الرجل ممن قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا».متفق عليه
قرر في فتواه جواز استرقاق النساء السوريات المسلمات باتفاق بينهن وبين الرجال.
فجعل رق المسلمة عقداً كعقد الزواج، ولكنه ليس زواجاً بل تكون أمة مملوكة تباع وتشترى وتجامع وتخدم .
ومن جهل المتكلم قال: نحن نفتي المرأة السورية التي تريد الزواج بالرجل المسلم زواج ملك يمين بعقد ملك اليمين أن يصير سيدها وتصير أمة له ....
هذا الكلام جهل مركب فكل من تعلم هذا العلم الشريف يعرف الفرق بين الزواج وملك اليمين.
واستدل على فتواه الفاسدة بقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، ويشرب الخمر، ويذهب الرجال، وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد» متفق عليه.
الشاهد: حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد.
نذكر ما قاله صاحب المرقاة في معنى هذه الجملة ليتبين للقارئ جهل المفتي بهذه الفتوى وجهله بالاستدلال.
قال صاحب المرقاة: قيِّم، بكسر التحتية المشددة، أي: القائم الواحد أي: المنفرد لمصالحهن، وليس المراد أنهن زوجات له، بل أعم منها ومن الأمهات والجدات والأخوات والعمات والخالات.انتهى
ثم على تقدير صحة فهم الجاهل؛ لا يدل على الجواز؛ لأن علامات الساعة التي يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها للإخبار بوقوعها فقط، فلا يؤخذ منها جواز ولا منع بذاتها كما قال أهل العلم .
قال النووي في شرح مسلم عند شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة: وأن تلد الأمة ربتها، قال: ليس كل ما أخبر صلى الله عليه وسلم بكونه من علامات الساعة يكون محرماً أو مذموماً؛ فإن تطاول الرعاء في البنيان، وفشو المال، وكون خمسين امرأة لهن قيم واحد؛ ليس بحرام بلا شك؛ وإنما هذه علامات، والعلامة لا يشترط فيها شيء من ذلك، بل تكون بالخير والشر والمباح والمحرم والواجب وغيره . والله أعلم
وبعد أن تبين لنا فساد استدلال المستدل على ما ذكر، نبين حكم المسألة التي ذكرها عند أهل العلم
هل يجوز استرقاق المسلمة ولو برضاها؟
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " قال الله تبارك وتعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعط أجره ".
من هذا الحديث يؤخذ عدم جواز بيع المسلمة الحرة نفسها للغير .
أخرج عبد الرزاق في المصنف بإسناد صحيح عن الزهري: أن رجلاً باع ابنته فوقع عليها المبتاع, وقال أبوها: حملتني الحاجة على بيعها, قال: «يجلد الأب, والجارية مائة مائة, إن كانت الجارية قد بلغت, ويرد الثمن إلى المبتاع, وعلى المبتاع صداقها, بما أصاب منها, ثم يغرمه له الأب, إلا أن يكون المبتاع قد علم أنها حرة, فعليه الصداق , لا يغرمه له الأب , وعليه مائة جلدة , وإن كانت جارية لا تعقل , فالنكال على الأب».انتهى
وقال الزهري: لا يباع الأحرار.
وقال الشعبي كما في المصنف: «لا يباع الأحرار , ولا يتصدق بهم».
وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن رجل أقر أنه عبد قال: «لا يكون الحر عبداً».
وأخرج عبد الرزاق عن سفيان أنه سئل: إذا باع امرأته الرجل فوقع عليها المشتري , فولدت , ثم علم بعد ذلك به قال: «ترد على زوجها , ولا تكون فرقة , وتعزر المرأة وزوجها».
وقال ابن الجوزي في المشكل في شرح الحديث: وأما الذي باع حراً؛ فلأنه إنما يضرب الرق على الكافر، فأما المؤمن فإنه عبد لله خالص، فمن باعه باع عبداً لله خالصاً، ومن جنى على عبده فخصمه سيده. انتهى يعني بسيده رب العزة تبارك وتعالى .
وقال: الحموي في غمز عيون البصائر: ...ولذا لم يجز استرقاق الحر برضاه؛ لما فيه من إبطال حق الله تعالى.
وقال الكاساني في البدائع: ...لأن في الحرية حق الله تعالى؛ فلا يحتمل السقوط بإسقاط العبد.انتهى
والمقرر في كتب أهل العلم أن الإسلام يمنع ابتداء الرق، أي لكونه مسلماً يمتنع أن يصير مملوكاً، ولا ينافي دوامه، فلا يرتفع الرق بالإسلام، أي إذا كان كافراً رقيقاً لا يصير حرّاً بمجرد أن يسلم.
وكلام أهل العلم في أن المسلم لا يسترق ابتداء برضاه أو بغير رضاه كثير. وفيما ذكرناه كفاية والحمد لله .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد؛
فقد بلغتني فتوى قديمة لأحد الجهال، الذين صدّروا أنفسهم للفتوى من غير أن يكونوا مؤهلين لها، فنتج عن تصدرهم من غير تأهل فتوى ضالة منحرفة، ولما أنكر الناس عليه تراجع ولكنه كما قال لم يتراجع لأنها فتوى خاطئة باطلة بل لتقدير المصلحة والمفسدة على حد زعمه.
هذا الرجل ممن قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا».متفق عليه
قرر في فتواه جواز استرقاق النساء السوريات المسلمات باتفاق بينهن وبين الرجال.
فجعل رق المسلمة عقداً كعقد الزواج، ولكنه ليس زواجاً بل تكون أمة مملوكة تباع وتشترى وتجامع وتخدم .
ومن جهل المتكلم قال: نحن نفتي المرأة السورية التي تريد الزواج بالرجل المسلم زواج ملك يمين بعقد ملك اليمين أن يصير سيدها وتصير أمة له ....
هذا الكلام جهل مركب فكل من تعلم هذا العلم الشريف يعرف الفرق بين الزواج وملك اليمين.
واستدل على فتواه الفاسدة بقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، ويشرب الخمر، ويذهب الرجال، وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد» متفق عليه.
الشاهد: حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد.
نذكر ما قاله صاحب المرقاة في معنى هذه الجملة ليتبين للقارئ جهل المفتي بهذه الفتوى وجهله بالاستدلال.
قال صاحب المرقاة: قيِّم، بكسر التحتية المشددة، أي: القائم الواحد أي: المنفرد لمصالحهن، وليس المراد أنهن زوجات له، بل أعم منها ومن الأمهات والجدات والأخوات والعمات والخالات.انتهى
ثم على تقدير صحة فهم الجاهل؛ لا يدل على الجواز؛ لأن علامات الساعة التي يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها للإخبار بوقوعها فقط، فلا يؤخذ منها جواز ولا منع بذاتها كما قال أهل العلم .
قال النووي في شرح مسلم عند شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة: وأن تلد الأمة ربتها، قال: ليس كل ما أخبر صلى الله عليه وسلم بكونه من علامات الساعة يكون محرماً أو مذموماً؛ فإن تطاول الرعاء في البنيان، وفشو المال، وكون خمسين امرأة لهن قيم واحد؛ ليس بحرام بلا شك؛ وإنما هذه علامات، والعلامة لا يشترط فيها شيء من ذلك، بل تكون بالخير والشر والمباح والمحرم والواجب وغيره . والله أعلم
وبعد أن تبين لنا فساد استدلال المستدل على ما ذكر، نبين حكم المسألة التي ذكرها عند أهل العلم
هل يجوز استرقاق المسلمة ولو برضاها؟
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " قال الله تبارك وتعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعط أجره ".
من هذا الحديث يؤخذ عدم جواز بيع المسلمة الحرة نفسها للغير .
أخرج عبد الرزاق في المصنف بإسناد صحيح عن الزهري: أن رجلاً باع ابنته فوقع عليها المبتاع, وقال أبوها: حملتني الحاجة على بيعها, قال: «يجلد الأب, والجارية مائة مائة, إن كانت الجارية قد بلغت, ويرد الثمن إلى المبتاع, وعلى المبتاع صداقها, بما أصاب منها, ثم يغرمه له الأب, إلا أن يكون المبتاع قد علم أنها حرة, فعليه الصداق , لا يغرمه له الأب , وعليه مائة جلدة , وإن كانت جارية لا تعقل , فالنكال على الأب».انتهى
وقال الزهري: لا يباع الأحرار.
وقال الشعبي كما في المصنف: «لا يباع الأحرار , ولا يتصدق بهم».
وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن رجل أقر أنه عبد قال: «لا يكون الحر عبداً».
وأخرج عبد الرزاق عن سفيان أنه سئل: إذا باع امرأته الرجل فوقع عليها المشتري , فولدت , ثم علم بعد ذلك به قال: «ترد على زوجها , ولا تكون فرقة , وتعزر المرأة وزوجها».
وقال ابن الجوزي في المشكل في شرح الحديث: وأما الذي باع حراً؛ فلأنه إنما يضرب الرق على الكافر، فأما المؤمن فإنه عبد لله خالص، فمن باعه باع عبداً لله خالصاً، ومن جنى على عبده فخصمه سيده. انتهى يعني بسيده رب العزة تبارك وتعالى .
وقال: الحموي في غمز عيون البصائر: ...ولذا لم يجز استرقاق الحر برضاه؛ لما فيه من إبطال حق الله تعالى.
وقال الكاساني في البدائع: ...لأن في الحرية حق الله تعالى؛ فلا يحتمل السقوط بإسقاط العبد.انتهى
والمقرر في كتب أهل العلم أن الإسلام يمنع ابتداء الرق، أي لكونه مسلماً يمتنع أن يصير مملوكاً، ولا ينافي دوامه، فلا يرتفع الرق بالإسلام، أي إذا كان كافراً رقيقاً لا يصير حرّاً بمجرد أن يسلم.
وكلام أهل العلم في أن المسلم لا يسترق ابتداء برضاه أو بغير رضاه كثير. وفيما ذكرناه كفاية والحمد لله .