قوة عدم العلم ..
رأس الأمر في هذه الحياة هو أن تحافظ على طمأنينة قلبك وسعادته مع الله في أوقاتك , كل عمل تعمله ولو قل , لوكان على بساط من الاطمئنان , يكون ناجحا مثمرا مقبولا جميلا ..
ووظيفة العلم و المعرفة أن تزيدك اطمئنانا وسلاما , تزيدك انسجاما وتناغما مع المخلوقات وقربا وتعرفا الى الأصل وهو الله - سبحانه - , فهذا هو العلم النافع , و أي علم يدخل عليك القلق و التشتت و الخوف من المخلوقات والتعلقات و الأطماع , فهو وسوسة شيطان يأتيك بصورة العلم مع نزع روح العلم وحقيقته , فعدم معرفته أفضل من معرفته , وفي الحديث ( اللهم اني أعوذ بك من علم لا ينفع ) , قال تعالى : ( يأيها الذين آمنوا لا تسألو عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم ) ..
لو عملت بما تعلم في اللحظة لعشت , ولأثمر لك ذلك علما زائدا ورقيا , يقودك الى سعادة و جمال أعلى ..
يسمون هذا العصر عصر المعلومات , وأظن أن معناه الأدق عصر الوساوس و التشتت الفكري , وعصر قبض العلم النافع الحقيقي المحذر منه في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا القبض في صورة كثرة المعلومات التي لا روح فيها ..
وطريق الحياة الحقيقية أن نهجر هذا العلم الميت , و نحيي العلم النافع الحقيقي في قلوبنا و أرواحنا , فتنتفع به الأرض والحياة والعالم , حتى قال أحد العارفين : ان سبب استغفار الكائنات حتى الحيتان في البحار لطالب العلم رضى بما يصنع , كما ورد في الأحاديث , هو أنه سبب حياتها و بقائها , فنورانية العلم وبهاؤه فيها طاقة حياة واحياء و جمال ونماء , وهي سبب السعادة وبركات الأرض و السماء ..
فعلامة العلم النافع أثره , هل زادك محبة و سلاما ؟ , هل زادك جودة في أعمالك ؟ , هل لفت قلبك الى الله أم لفته الى المخلوقين ؟ , وأي علم نافع فنفعه شامل للدنيا و الاخرة بطبيعته , ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار ) , وهناك علامة باطنية فارقة هي الشعور الطيب وانشراح الصدر و الحضور في اللحظة ..
و العلم غيرالنافع : هو الذي ينزلك من معية الله بقلبك الى معية نفسك وتزكيتها على الخلق , أوتنزل نظرها الى النجوم و الكواكب وتأثيراتها , أومحاربة الجن والسحر , أو محاربة الحكام الظلمة وولاة الجور , أو التهديدات الاقتصادية و المخاوف المستقبلية , والسياسة ومتابعة مآسي العالم , أو الفتن و أشراط الساعة لو فهمها فهما نابعا من النفس كالغالبية العظمى ممن يتتبعون هذا وينسون ما هو واجب لحظتهم ومعرفة ربهم , والعلوم و الأمور الغامضة التي لا ينبني عليها عمل في اللحظة ..
وهناك ضابطان أساسيان للاستدلال على العلم النافع من غير النافع : 1 ) فكل ما لفتك من الله الى المخلوق , 2 ) ومن نفسك الى اتهام غيرك , فهو مدخل لوسوسة الشيطان نابع من النفس لا من القلب .. ومن انتبه لهذين الأصلين لن تنطلي عليه جميع استشهاداتهم المغلوطة من النصوص والالهامات و الكشوف و الرؤى و الاحصاءات وغيرها ..
وقد يكون العلم صحيحا لكن فهمه يكون خطأ من المتلقي فيكون تركه له أنفع , والعاقل يأخذ ما ينفع قلبه في اللحظة وما ينبني عليه عمل وجودة ونور ..
ومن أكثر المشتتات في هذا العصر هي وسائل الاتصالات و الرسائل و المجموعات وتتبع أحوال الناس وماذا حصل للناس ..
اجعل هاتفك على الصامت في فترات , و أبعده عنك وتحرر من معلوماته , ستشعر بنوع من السكينة , وافتحه أحيانا وشارك لو أحببت غير منساق الى ما لا يهمك وما لا يبهجك في أوقاتك , استحضر نياتك قبل الأعمال , تعلم فنون الترك و التفويض والقول الجميل , والتركيز على النافع و المفيد ..
من كان مطمئنا مع ربه , لم تستفزه خيل الشيطان ورجله في الاعلام , ولا فضول النفس الى تتبع أحوال الناس , كان في الجنة , حتى لو كان ما حوله نار , ( قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم ) ..
و أفضل خدمة تؤديها للعالم هو أن تكون في تلك الجنة مع ربك , وتدع الخلق لخالقهم , ومن أتاك فدله على ذلك لو أراد , والا فلا دخل لك به ..