مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد محمد أبو موسى في درس أمس
(الأحد 19 من ربيع الآخر ١٤٤٤هـ = 13 نوفمبر ٢٠٢٢م)
===
• في حديثه عن وقوع جملةٍ جوابًا لسؤال أثارتْه جملةٌ قبلها، وما يترتَّب على ذلك مِن تَرْكِ العطف بينهما، قال الشيخ: كنت ولا أزال شديدَ العناية بهذا اللون؛ لأنني أرى فيه كلامًا يُولَد بعضُه من بعض؛ لأن الجملة الأولى تثير في النفس هواجس وتساؤلات فيأتي الكلامُ اللاحق بيانًا لهذه التساؤلات ولهذه الوساوس؛ فكأن الجملة الثانية خارجةٌ من رَحِمِ الجملة الأولى، وهذا ترابطٌ في الكلام في غاية الدقة وغاية البيان.
• كُلَّما قرأتُ قولَ جُنْدَب:
زَعَمَ العَواذِلُ أنَّ ناقةَ جُنْدَبٍ .. بجُنُوبِ خَبْتٍ عُرِّيَتْ وأَجَمَّتِ
كَذَبَ العَواذِلُ لَوْ رأيْنَ مُنَاخَنا .. بالقَادِسيَّة قُلْنَ لَجَّ وذَلَّتِ
كلما قرأتُه قلتُ: رحمك الله يا جُنْدَب؛ لقد كنت إنسانًا رائعًا، ولو أنك بَعثْتَ فينا هذه الروح لَمَا تخلَّفْنا، ولَمَا احتَجْنا، ولَمَا تأخَّرْنا، ولَمَا كُنَّا أمَّةً «نَامِيةً» كما يُسمُّونها؛ لأن روح الكفاح وروح الجِدِّ التي فيك يا جُنْدَب كفيلةٌ بأن تُغيِّر شعبًا، وأن تنقله من ظلمات الجهل والتخلف إلى نور العلم والتقدم. أحسنت يا جُنْدَب، ولله دَرُّك، وصَحَّ لسانُك يا جُنْدَب لمَّا أبَيْتَ أن توصفَ بأنك استرحت. جُنْدَب يأنف أن يوصف بأنه استراح وعُرِّيتْ ناقتُه وأَجَمَّت، يرى هذا قَدْحًا، ويرى هذا عيبًا، ويرى هذا دَنِيَّة.
• كلام عبد القاهر دارت عليه عقول؛ فمنهم من لخَّصه، ومنهم من قعَّده وصنَّفه، ومنهم من طبَّقه.
• وأنت تبحث عن العلم ابحث عن لحظة ولادة خواطر العلماء وأفكارهم، وتأمَّلْها، وقِفْ عندها؛ لأنها خيرُ ما يَقِفُ عنده الباحثُ الذي يريد أن يتعلَّم العلم.
• تأملتُ كلامَ سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فوجدتُ أن تميُّز بيانِه وتميُّز فصاحته إنما لأنه كلامٌ يَخرجُ بعضُه من بعض؛ الجملة الثانية فيه كأنها خارجة من «لحم ودم» الجملة التي قبلها، ووجدتُ ذلك في كلامه بطريقة مذهلة؛ يقول – صلى الله عليه وسلم – : «إنما الأعمال بالنِّيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»؛ أليست الثانية خارجةً من «لحم ودم» الأولى، وكذلك كل جملة في هذا الحديث مردُّها إلى قوله: «وإنما لكل امرئ ما نوى».
• هناك شيء في الكلام لا تتعلَّمُه من العلماء ولا من الكتب، وإنما تتعلَّمُه أنت بالتدبُّر.
• ليس من الخطأ أن أتعرَّف الشيء الذي سبق به لسانُ سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كل ألسنة العرب، بل كل ألسنة البشر، وليس هذا من الجرأة على مقامه، بل بالعكس، هذا من حُبِّي له – صلى الله عليه وسلم – ، وهو يرضى منِّي ذلك؛ أن أتعرَّف الشيء الذي في بيانه وتميَّز به عن بيان الناس.
• إن الله – سبحانه وتعالى – جعل في العلم حلاوةً لِتنعطفَ نحوَه القلوبُ الطيبة.
• وقف الشيخ عند قول مُساوِر العَبْسِي في هجاء بني أسد:
زَعَمْتُمْ أنَّ إخوتَكم قُريشٌ .. لهم إِلْفٌ وليسَ لكم إِلَافُ
وطَرِبَ طربًا شديدًا لِمَا فيه من البيان المتشرِّب بالنَّغم، ثم عقَّب: وهذا بغض النظر عن كونه قيل في الهجاء.
• لا أقرأ القاعدةَ في الكتاب وأحفظُها وكان الله يحب المحسنين، إنما أتابع كلام الله وكلام رسول الله وكلام العرب وأرى مدى وجودها واتساعها فيها جميعًا.
• إن لم أضع نفسي موقف الحائر في العلم فلن أتعلَّم العلم، والمراد بـ«موقف الحائر» هو تتبُّع صِدْق القاعدة في كل بيان.
• إلى هذه اللحظة لم يَخْلقِ اللهُ عالِمًا قال كل شيء، وإنما كلُّ عالِم يقول ما عَلِم، ويترك الذي لم يَعْلَمْه إلى الذي يأتي بعده؛ فإن كان الذي يأتي بعده إنسانًا معتقدًا أن مسئوليته أن يحفظ كلام الناس، وكان الله يحب المحسنين، فأقول له: أنت على صواب؛ لأنك «رِبَاية» التخلُّف.
• غير المتخلف يقول: «كم ترك الأول للآخر!»، والمتخلف يقول: «ما ترك الأول للآخر»، وهذه هي الخطوة التي بين الشعوب المتقدمة والشعوب المتخلفة.
• التخلف عارٌ وعيبٌ.. عيبٌ على دولة وعلى شعب كانا في التاريخ الأقدم ظاهِريْن في الأرض كما قال مؤمن آل فرعون: «يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ»، ثم بعد ذلك نتخلف ويُصدِّر عدوُّنا الذي على حدودنا أسلحة وطائرات بدون طيار ونحن نشتري أحذية من الطَّلْيان.
• مستنفرًا طلابَه ومستحثًّا إياهم: جئت لأخاطب قلوبكم، ولكنكم أغلقتموها، فماذا أفعل؟ ليس معي مفاتيح قلوبكم. مفاتيح القلوب عند الله وبأيديكم أنتم، وليس عليَّ إلا أن أؤذن في الهواء؛ لأن الله سيسألني: لماذا لم تُحدِّث الناس بما عَلِمتَ؟.
• أعجبتني كلمةٌ قالها علماؤنا، هي: «إن العلم ينادي على العمل؛ فإنْ أجابَه العملُ بَقِيَ العلم، وإن لم يُجِبْه العملُ رحل العلم»، ولا أعدُّ هذه الكلمة من قبيل المجاز، وإنما أعدُّها حقيقة؛ لأن الذي أنطق الجبال تُؤوِّب مع داود قادرٌ على أن يُنطق العِلْمَ ويجعله ينادي على العمل.
(الأحد 19 من ربيع الآخر ١٤٤٤هـ = 13 نوفمبر ٢٠٢٢م)
===
• في حديثه عن وقوع جملةٍ جوابًا لسؤال أثارتْه جملةٌ قبلها، وما يترتَّب على ذلك مِن تَرْكِ العطف بينهما، قال الشيخ: كنت ولا أزال شديدَ العناية بهذا اللون؛ لأنني أرى فيه كلامًا يُولَد بعضُه من بعض؛ لأن الجملة الأولى تثير في النفس هواجس وتساؤلات فيأتي الكلامُ اللاحق بيانًا لهذه التساؤلات ولهذه الوساوس؛ فكأن الجملة الثانية خارجةٌ من رَحِمِ الجملة الأولى، وهذا ترابطٌ في الكلام في غاية الدقة وغاية البيان.
• كُلَّما قرأتُ قولَ جُنْدَب:
زَعَمَ العَواذِلُ أنَّ ناقةَ جُنْدَبٍ .. بجُنُوبِ خَبْتٍ عُرِّيَتْ وأَجَمَّتِ
كَذَبَ العَواذِلُ لَوْ رأيْنَ مُنَاخَنا .. بالقَادِسيَّة قُلْنَ لَجَّ وذَلَّتِ
كلما قرأتُه قلتُ: رحمك الله يا جُنْدَب؛ لقد كنت إنسانًا رائعًا، ولو أنك بَعثْتَ فينا هذه الروح لَمَا تخلَّفْنا، ولَمَا احتَجْنا، ولَمَا تأخَّرْنا، ولَمَا كُنَّا أمَّةً «نَامِيةً» كما يُسمُّونها؛ لأن روح الكفاح وروح الجِدِّ التي فيك يا جُنْدَب كفيلةٌ بأن تُغيِّر شعبًا، وأن تنقله من ظلمات الجهل والتخلف إلى نور العلم والتقدم. أحسنت يا جُنْدَب، ولله دَرُّك، وصَحَّ لسانُك يا جُنْدَب لمَّا أبَيْتَ أن توصفَ بأنك استرحت. جُنْدَب يأنف أن يوصف بأنه استراح وعُرِّيتْ ناقتُه وأَجَمَّت، يرى هذا قَدْحًا، ويرى هذا عيبًا، ويرى هذا دَنِيَّة.
• كلام عبد القاهر دارت عليه عقول؛ فمنهم من لخَّصه، ومنهم من قعَّده وصنَّفه، ومنهم من طبَّقه.
• وأنت تبحث عن العلم ابحث عن لحظة ولادة خواطر العلماء وأفكارهم، وتأمَّلْها، وقِفْ عندها؛ لأنها خيرُ ما يَقِفُ عنده الباحثُ الذي يريد أن يتعلَّم العلم.
• تأملتُ كلامَ سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فوجدتُ أن تميُّز بيانِه وتميُّز فصاحته إنما لأنه كلامٌ يَخرجُ بعضُه من بعض؛ الجملة الثانية فيه كأنها خارجة من «لحم ودم» الجملة التي قبلها، ووجدتُ ذلك في كلامه بطريقة مذهلة؛ يقول – صلى الله عليه وسلم – : «إنما الأعمال بالنِّيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»؛ أليست الثانية خارجةً من «لحم ودم» الأولى، وكذلك كل جملة في هذا الحديث مردُّها إلى قوله: «وإنما لكل امرئ ما نوى».
• هناك شيء في الكلام لا تتعلَّمُه من العلماء ولا من الكتب، وإنما تتعلَّمُه أنت بالتدبُّر.
• ليس من الخطأ أن أتعرَّف الشيء الذي سبق به لسانُ سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كل ألسنة العرب، بل كل ألسنة البشر، وليس هذا من الجرأة على مقامه، بل بالعكس، هذا من حُبِّي له – صلى الله عليه وسلم – ، وهو يرضى منِّي ذلك؛ أن أتعرَّف الشيء الذي في بيانه وتميَّز به عن بيان الناس.
• إن الله – سبحانه وتعالى – جعل في العلم حلاوةً لِتنعطفَ نحوَه القلوبُ الطيبة.
• وقف الشيخ عند قول مُساوِر العَبْسِي في هجاء بني أسد:
زَعَمْتُمْ أنَّ إخوتَكم قُريشٌ .. لهم إِلْفٌ وليسَ لكم إِلَافُ
وطَرِبَ طربًا شديدًا لِمَا فيه من البيان المتشرِّب بالنَّغم، ثم عقَّب: وهذا بغض النظر عن كونه قيل في الهجاء.
• لا أقرأ القاعدةَ في الكتاب وأحفظُها وكان الله يحب المحسنين، إنما أتابع كلام الله وكلام رسول الله وكلام العرب وأرى مدى وجودها واتساعها فيها جميعًا.
• إن لم أضع نفسي موقف الحائر في العلم فلن أتعلَّم العلم، والمراد بـ«موقف الحائر» هو تتبُّع صِدْق القاعدة في كل بيان.
• إلى هذه اللحظة لم يَخْلقِ اللهُ عالِمًا قال كل شيء، وإنما كلُّ عالِم يقول ما عَلِم، ويترك الذي لم يَعْلَمْه إلى الذي يأتي بعده؛ فإن كان الذي يأتي بعده إنسانًا معتقدًا أن مسئوليته أن يحفظ كلام الناس، وكان الله يحب المحسنين، فأقول له: أنت على صواب؛ لأنك «رِبَاية» التخلُّف.
• غير المتخلف يقول: «كم ترك الأول للآخر!»، والمتخلف يقول: «ما ترك الأول للآخر»، وهذه هي الخطوة التي بين الشعوب المتقدمة والشعوب المتخلفة.
• التخلف عارٌ وعيبٌ.. عيبٌ على دولة وعلى شعب كانا في التاريخ الأقدم ظاهِريْن في الأرض كما قال مؤمن آل فرعون: «يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ»، ثم بعد ذلك نتخلف ويُصدِّر عدوُّنا الذي على حدودنا أسلحة وطائرات بدون طيار ونحن نشتري أحذية من الطَّلْيان.
• مستنفرًا طلابَه ومستحثًّا إياهم: جئت لأخاطب قلوبكم، ولكنكم أغلقتموها، فماذا أفعل؟ ليس معي مفاتيح قلوبكم. مفاتيح القلوب عند الله وبأيديكم أنتم، وليس عليَّ إلا أن أؤذن في الهواء؛ لأن الله سيسألني: لماذا لم تُحدِّث الناس بما عَلِمتَ؟.
• أعجبتني كلمةٌ قالها علماؤنا، هي: «إن العلم ينادي على العمل؛ فإنْ أجابَه العملُ بَقِيَ العلم، وإن لم يُجِبْه العملُ رحل العلم»، ولا أعدُّ هذه الكلمة من قبيل المجاز، وإنما أعدُّها حقيقة؛ لأن الذي أنطق الجبال تُؤوِّب مع داود قادرٌ على أن يُنطق العِلْمَ ويجعله ينادي على العمل.