#المنتقى من فتاوى
للعلامة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي #فركوس
الجمعُ بين حديثِ «الماء طهور» وحديث 《القلتين》
🔒الســ↓↓↓↓↓ـــــــؤال
ظهر لنا التعارضُ بين مفهومِ حديثِ القُلَّتين: «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ» ومنطوقِ حديثِ أبي سعيدٍ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»، فكيف يمكن الجمعُ بينهما؟
🔓الجــــــ↓↓↓↓↓ــــــواب
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنه يظهر عدمُ وقوعِ التعارضِ بين حديثِ القُلَّتَيْنِ(١) وحديثِ أبي سعيدٍ(٢) فيما إذا بلغ الماءُ مقدارَ القُلَّتين فصاعدًا بناءً على مفهومِ العَدَدِ، فإنه لا تحُلُّه النَّجاسةُ ولا يؤثِّر الخبث على هذا المقدار، ولا يُخْرِجه عن كونِه مُطَهِّرًا إلاَّ إن تغيَّر ريحُه أو طعمُه أو لونُه فيَنْجُسُ بالإجماعِ على ما نقله ابنُ المنذرِ وابنُ الملقِّنِ(٣)، فالإجماعُ إذنْ مخصِّصٌ للحديثين فيما إذا تغيَّر أَحَدُ أوصافِه بالمشاهدةِ وضرورةِ الحسِّ، قليلاً كان الماءُ أو كثيرًا، والتخصيصُ بالإجماع لا يُعرف خلاف فيه(٤).
أمَّا إذا كان الماءُ دون القُلَّتين فوقعتْ فيه نجاسةٌ وغَيَّرت له أحدَ أوصافِه: خَرَجَ عن الطهارةِ بالإجماعِ السابقِ، ومفهومِ المخالفةِ (دليل الخطاب)(٥) من حديثِ القلَّتين، فالإجماعُ ومفهومُ المخالفةِ -عند من يقول بحُجِّيتِه- إذا حُمِلَ على تغيُّرِ بعضِ أوصافِه يخصِّصان عمومَ حديثِ أبي سعيدٍ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»(٦).
أمَّا إذا لم يتغيَّرِ الماءُ بملاقاةِ النجاسةِ، وكان الماءُ دون القلَّتين: فهاهنا يبدو التعارضُ بين الدليلين في نظرِ المجتهدِ لِمَظِنَّةِ حمْلِ الْخَبَثِ، فإنَّ حديثَ القُلَّتين يدلُّ على عدمِ طهوريةِ الماءِ بملاقاةِ النجاسةِ، عملاً بما يقتضيه دليلُ الخطابِ، مؤيَّدًا بخبرِ الاستيقاظِ والولوغِ وغيرِهما.
في حين أنَّ حديثَ أبي سعيدٍ يدلُّ بعمومِه على عدمِ خروجِه عنِ الطهارةِ لمجرَّدِ ملاقاتِها.
ومنشأُ الخلافِ: يرجع إلى مسألةٍ أُصوليةٍ متمثِّلةٍ في جوازِ التخصيصِ بمفهومِ المخالفةِ للعمومِ الواردِ(٧)، فمَنْ أجاز تخصيصَ العمومِ بدليلِ الخطابِ عمل به وعضَّده ببقيَّةِ الأدلَّةِ الحديثيةِ المتمثِّلةِ في حديثِ الاستيقاظِ(٨) وحديثِ الماءِ الدائمِ(٩) وحديثِ ولوغِ الكلبِ والأمرِ بإراقةِ الإناءِ إذا ولغ الكلبُ فيه(١٠)، فإنَّ هذه الأحاديثَ تقضي بأنَّ قليلَ النجاسةِ يُنَجِّسُ قليلَ الماءِ وهي قرائنُ تقوِّي المفهومَ السابقَ.
ومَنْ مَنَعَ تخصيصَ العمومِ بمفهومِ المخالفةِ عَمِلَ بحديثِ أبي سعيدٍ وقوَّاه بحديثِ الأمرِ بصَبِّ ذَنُوبٍ من ماءٍ على بَولِ الأعرابيِّ في المسجدِ(١١).
وفي تقديري: أنَّ ما يجب قبل النظرِ في التخصيصِ بالمفهومِ، النظرُ في إمكانيةِ الجمعِ أوَّلاً، ثمَّ في حُجِّيةِ المفهومِ ثانيًا.
أمَّا الجمعُ بين مفهومِ حديثِ القُلَّتين وبين سائرِ الأحاديثِ فممكن إذا ما حملْنا الْخَبَثَ الْمُخْرِجَ عن الطهوريةِ على ذلك الموجِبِ لتغيُّرِ أحدِ أوصافِ الماءِ أو كُلِّها، فلا يَحْمِلُ ما كان دون القلَّتين على الخبث إذا لم يتغيَّرْ، إذ إنَّ هذا الحملَ لا يستلزم النجاسةَ، ولا يُخْرِجُهُ عن صفةِ كونِه مُطهِّرًا إلاَّ ذلك المقدارَ الذي وقعتْ فيه النجاسةُ فقدْ يحملها دون بقيَّةِ الماءِ.
أمَّا إذا استلزم تغيُّرَ أحدِ أوصافِه أو كلِّها فهذا الْخَبَثُ مُخرِجٌ عن الطَّهوريةِ، وموجِبٌ للنجاسةِ عملاً بالإجماعِ السالفِ الذِّكْرِ، ومن هنا يتحقَّق التوافقُ بحملِه على الْخَبَثِ الخاصِّ.
وعلى فرضِ تعذُّرِ الجمعِ، وجب النظرُ في حجِّيةِ المفهومِ، وما عليه جمهورُ الأصوليِّين: القولُ بحجِّيةِ مفاهيمِ المخالَفةِ ما عدا مفهومَ اللقبِ(١٢) خلافًا لمن أنكره كأبي حنيفةَ والظاهريةِ، وبهذا قال أبو بكر القفَّالُ وأبو العبَّاسِ ابنُ سُرَيْجٍ والقاضيان أبو حامدٍ المروزيُّ والباقلاَّنيُّ وأبو الوليدِ الباجيُّ وغيرُهم، وهو اختيارُ الآمديِّ(١٣).
ولا يخفى أنَّ إنكارَ حُجِّيةِ المفهومِ يستوجب عدمَ جوازِ تخصيصِ اللفظِ العامِّ به، فإنَّ سببَ الخلافِ في ترجيحِ أحدِهما على الآخرِ يرجع لاعتبارِ كونِ المفهومِ دليلاً خاصًّا والخاصُّ يُرَجَّح على العامِّ، أو يُقَدَّم العمومُ عليه لعدمِ حُجِّيةِ المفهومِ أو ضعفِها أمام قوَّةِ دلالةِ العمومِ.
وعندي: أنَّ العمومَ أقوى؛ ذلك لأنَّ دلالةَ العامِّ قطعيةٌ على أصلِ المعنى، مع الاختلافِ على دلالتِه على أفرادِه، بينما حُجِّية مفهوم المخالفة محلُّ خلاف بين أهل العلم، فتقديم المتفق عليه أولى من المختلَف فيه، وما كانت دلالته قطعية أولى مما كانت دلالته ظنية.
ولأنَّ اللفظَ إذا وُضِعَ للعمومِ فهو على مرتبةٍ واحدةٍ يجب اعتقادُه والعملُ بمقتضاه، بخلافِ مفهومِ المخالفةِ، فإنَّ الظنونَ المستفادةَ منه متفاوِتةٌ قوّ
للعلامة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي #فركوس
الجمعُ بين حديثِ «الماء طهور» وحديث 《القلتين》
🔒الســ↓↓↓↓↓ـــــــؤال
ظهر لنا التعارضُ بين مفهومِ حديثِ القُلَّتين: «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ» ومنطوقِ حديثِ أبي سعيدٍ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»، فكيف يمكن الجمعُ بينهما؟
🔓الجــــــ↓↓↓↓↓ــــــواب
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنه يظهر عدمُ وقوعِ التعارضِ بين حديثِ القُلَّتَيْنِ(١) وحديثِ أبي سعيدٍ(٢) فيما إذا بلغ الماءُ مقدارَ القُلَّتين فصاعدًا بناءً على مفهومِ العَدَدِ، فإنه لا تحُلُّه النَّجاسةُ ولا يؤثِّر الخبث على هذا المقدار، ولا يُخْرِجه عن كونِه مُطَهِّرًا إلاَّ إن تغيَّر ريحُه أو طعمُه أو لونُه فيَنْجُسُ بالإجماعِ على ما نقله ابنُ المنذرِ وابنُ الملقِّنِ(٣)، فالإجماعُ إذنْ مخصِّصٌ للحديثين فيما إذا تغيَّر أَحَدُ أوصافِه بالمشاهدةِ وضرورةِ الحسِّ، قليلاً كان الماءُ أو كثيرًا، والتخصيصُ بالإجماع لا يُعرف خلاف فيه(٤).
أمَّا إذا كان الماءُ دون القُلَّتين فوقعتْ فيه نجاسةٌ وغَيَّرت له أحدَ أوصافِه: خَرَجَ عن الطهارةِ بالإجماعِ السابقِ، ومفهومِ المخالفةِ (دليل الخطاب)(٥) من حديثِ القلَّتين، فالإجماعُ ومفهومُ المخالفةِ -عند من يقول بحُجِّيتِه- إذا حُمِلَ على تغيُّرِ بعضِ أوصافِه يخصِّصان عمومَ حديثِ أبي سعيدٍ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»(٦).
أمَّا إذا لم يتغيَّرِ الماءُ بملاقاةِ النجاسةِ، وكان الماءُ دون القلَّتين: فهاهنا يبدو التعارضُ بين الدليلين في نظرِ المجتهدِ لِمَظِنَّةِ حمْلِ الْخَبَثِ، فإنَّ حديثَ القُلَّتين يدلُّ على عدمِ طهوريةِ الماءِ بملاقاةِ النجاسةِ، عملاً بما يقتضيه دليلُ الخطابِ، مؤيَّدًا بخبرِ الاستيقاظِ والولوغِ وغيرِهما.
في حين أنَّ حديثَ أبي سعيدٍ يدلُّ بعمومِه على عدمِ خروجِه عنِ الطهارةِ لمجرَّدِ ملاقاتِها.
ومنشأُ الخلافِ: يرجع إلى مسألةٍ أُصوليةٍ متمثِّلةٍ في جوازِ التخصيصِ بمفهومِ المخالفةِ للعمومِ الواردِ(٧)، فمَنْ أجاز تخصيصَ العمومِ بدليلِ الخطابِ عمل به وعضَّده ببقيَّةِ الأدلَّةِ الحديثيةِ المتمثِّلةِ في حديثِ الاستيقاظِ(٨) وحديثِ الماءِ الدائمِ(٩) وحديثِ ولوغِ الكلبِ والأمرِ بإراقةِ الإناءِ إذا ولغ الكلبُ فيه(١٠)، فإنَّ هذه الأحاديثَ تقضي بأنَّ قليلَ النجاسةِ يُنَجِّسُ قليلَ الماءِ وهي قرائنُ تقوِّي المفهومَ السابقَ.
ومَنْ مَنَعَ تخصيصَ العمومِ بمفهومِ المخالفةِ عَمِلَ بحديثِ أبي سعيدٍ وقوَّاه بحديثِ الأمرِ بصَبِّ ذَنُوبٍ من ماءٍ على بَولِ الأعرابيِّ في المسجدِ(١١).
وفي تقديري: أنَّ ما يجب قبل النظرِ في التخصيصِ بالمفهومِ، النظرُ في إمكانيةِ الجمعِ أوَّلاً، ثمَّ في حُجِّيةِ المفهومِ ثانيًا.
أمَّا الجمعُ بين مفهومِ حديثِ القُلَّتين وبين سائرِ الأحاديثِ فممكن إذا ما حملْنا الْخَبَثَ الْمُخْرِجَ عن الطهوريةِ على ذلك الموجِبِ لتغيُّرِ أحدِ أوصافِ الماءِ أو كُلِّها، فلا يَحْمِلُ ما كان دون القلَّتين على الخبث إذا لم يتغيَّرْ، إذ إنَّ هذا الحملَ لا يستلزم النجاسةَ، ولا يُخْرِجُهُ عن صفةِ كونِه مُطهِّرًا إلاَّ ذلك المقدارَ الذي وقعتْ فيه النجاسةُ فقدْ يحملها دون بقيَّةِ الماءِ.
أمَّا إذا استلزم تغيُّرَ أحدِ أوصافِه أو كلِّها فهذا الْخَبَثُ مُخرِجٌ عن الطَّهوريةِ، وموجِبٌ للنجاسةِ عملاً بالإجماعِ السالفِ الذِّكْرِ، ومن هنا يتحقَّق التوافقُ بحملِه على الْخَبَثِ الخاصِّ.
وعلى فرضِ تعذُّرِ الجمعِ، وجب النظرُ في حجِّيةِ المفهومِ، وما عليه جمهورُ الأصوليِّين: القولُ بحجِّيةِ مفاهيمِ المخالَفةِ ما عدا مفهومَ اللقبِ(١٢) خلافًا لمن أنكره كأبي حنيفةَ والظاهريةِ، وبهذا قال أبو بكر القفَّالُ وأبو العبَّاسِ ابنُ سُرَيْجٍ والقاضيان أبو حامدٍ المروزيُّ والباقلاَّنيُّ وأبو الوليدِ الباجيُّ وغيرُهم، وهو اختيارُ الآمديِّ(١٣).
ولا يخفى أنَّ إنكارَ حُجِّيةِ المفهومِ يستوجب عدمَ جوازِ تخصيصِ اللفظِ العامِّ به، فإنَّ سببَ الخلافِ في ترجيحِ أحدِهما على الآخرِ يرجع لاعتبارِ كونِ المفهومِ دليلاً خاصًّا والخاصُّ يُرَجَّح على العامِّ، أو يُقَدَّم العمومُ عليه لعدمِ حُجِّيةِ المفهومِ أو ضعفِها أمام قوَّةِ دلالةِ العمومِ.
وعندي: أنَّ العمومَ أقوى؛ ذلك لأنَّ دلالةَ العامِّ قطعيةٌ على أصلِ المعنى، مع الاختلافِ على دلالتِه على أفرادِه، بينما حُجِّية مفهوم المخالفة محلُّ خلاف بين أهل العلم، فتقديم المتفق عليه أولى من المختلَف فيه، وما كانت دلالته قطعية أولى مما كانت دلالته ظنية.
ولأنَّ اللفظَ إذا وُضِعَ للعمومِ فهو على مرتبةٍ واحدةٍ يجب اعتقادُه والعملُ بمقتضاه، بخلافِ مفهومِ المخالفةِ، فإنَّ الظنونَ المستفادةَ منه متفاوِتةٌ قوّ