مدونة مسلم

ينطلق ابو يعرب المرزوقي في كتابه "أزمة الحضارة العربية المترددة" من تحليل مشكلة التخلف في العالم بناء على فحص العلاقة بين الموروث الثقافي والتقدم الاجتماعي؛ فيرى ابو يعرب المرزوقي أن طبيعة الموروث الثقافي التي تشكلت في عصر الإنحطاط أدت إلى تحجر الفكر الديني وانحداره إلى مستوى الشعوذات الشعبية، مما أدى إلى تعطل التقدم الاجتماعي للحضارة الإسلامية.

وينطلق ابو يعرب المرزوقي في كشفه عن حالة التخلف داخل الحضارة العربية بشكل خاص والحضارة الإسلامية بشكل عام وفق منهج يقوم أساسا على وحدة وتكامل الدين والفلسفة، وهو المنهج المعتمد في فكر أبو يعرب عموما.

ترجع أزمة الموروث الثقافي والتقدم الاجتماعي في مستواها التحليلي عند فيلسوفنا العربي إلى أن العلة الجوهرية لتخلف هي الجمود والتحجر الفكري وعدم القدرة على الإبداع لسببين هما وجهان لعملة واحدة؛ 1-تقليد الماضي الإسلامي عند الاصوليين،و2-تقليد الحاضر الغربي عند العلمانيين.
اما التحليل التاريخي للموروث الثقافي والتقدم الاجتماعي فيسقطه أبويعرب المرزوقي على ثلاث مشاريع فلسفية في التراث الإسلامي؛1- لحظة أبو حامد الغزالي[النقدية] في نقده للفلسفة اليونانية وتطبيقاتها العملية مع الفرق الباطنية،و2- لحظة ابن تيمية[ الابستمولوجيا] في تفريقه بين الكلي/الذهني والجزئي/ العياني ومحاولة الكشف عن أسس الحقائق الكونية متجاوزا المعرفة الأرسطية الاختزالية،3- لحظة ابن خلدون [التاريخية] وذلك عبر كشفه عن الأسباب الموضوع لتاريخ العمران البشري. ويرى ابو يعرب المرزوقي أن كل المحاولات الإصلاحية لنهضة العربية فشلت لعدم فهمها واتصالها بالمشاريع التأسيسية الثلاث السابقة سواء التقدمية العلمانية أو الأصوليية السلفية.

ينتقل أبو يعرب المرزوقي للكشف أكثر عن أزمة الفكر الإسلامي وذلك عن طريق تحديد قصور نظري وقصور عملي للعقل العربي الإسلامي:

1) القصور النظري: ويتمثل في أزمة علم أصول الدين الذي انحدر إلى مجرد الدفاع عن بعض الصيغ الجامدة للعقيدة من حيث هي منظور للحقيقة في الإسلام مما أدى إلى فقدان فعالية النظر، وهو ما أدى بدوره إلى مجموعة من النتائج السلبية:

-زوال كل إبداع روحي: أي التخلي عن العلوم والفنون.
-زوال كل إبداع مادي: انعدام الإنتاج التقني والمؤسساتي.
-الفرقة بين المسلمين: الفوضى الروحية والعملية بين الفرق الإسلامية، سلفي واشعري وصوفي.

2) القصور العملي: أي حصر العمل في في الممارسات الفقهية والتعبدية الفرعية بدون النظر إلى مقاصدها وغاياتها الأخلاقية، وهو ما أدى إلى:

-زوال كل إبداع خلق خلقي: حصر الأخلاق والسلوك في مفهوم القدماء
-زوال الإبداع المؤسساتي: نفي الحاجة إلى المؤسسات المدنية والسياسية.
-الدفاع عن الصيغ الفقهية الجامدة: من خلال تغذية النزاعات الفقهية في الفروع وعقد الخصومة بناء على نتائجها.

من أجل حل هذه المشاكل النظرية والعملية وبعث الخصائص الثورية في الإسلام يطور أبو يعرب المرزوقي كل من مفهوم 1-الاجتهاد: الإطار النظري في الإسلام ومفهوم 2- الجهاد: الإطار العملي في الإسلام، فعلاوة إلى أصناف الاجتهاد في التراث الإسلامي:1- الاجتهاد الأصغر: ويقصد به الاجتهاد الفقهي،و2- الاجتهاد الأكبر وهو اجتهاد الخلق الديني يضيف أبو يعرب إلى مفهوم الاجتهاد كل من:3- الاجتهاد الصغير، والذي يحدد شروط الاجتهاد الأصغر وأدواته؛ وهو العلم النظري: أي علوم الطبيعة. وأيضا4- الاجتهاد الكبير الذي يحقق شروط الاجتهاد الأكبر وشروطه وهو العملي: أي العلوم الإنسانية وصولا إلى5- مبدأ كل اجتهاد أي تحقيق شروط العقل المستنير.

أما مفهوم الجهاد وهو كما اسلفنا يمثل الإطار العملي في الإسلامي:1- الجهاد الأصغر وهو القتال في سبيل الله،و2- الجهاد الأكبر أي العبادة والسلوك الأخلاقي، ليضيف أبو يعرب المرزوقي:3- الجهاد الصغير والذي يحقق الجهاد الأصغر وأدواته هو التقنية الاقتصادية والعلمية التكنولوجيا،4- الجهاد الكبير والذي يحقق الجهاد الأكبر وأدواته ويقصد به تحقيق المؤسسات السياسية والتربوية، من أجل 5- مقصد كل جهاد وهو تحقيق الإرادة الحرة.

وفق هذه الرؤية الكلية والنسقية التي يطرحها الفيلسوف العربي أبو يعرب المرزوقي والتي تربط بين الفلسفة والدين والعلم وتطابق بينهم، تصبح النماذج الأخلاقية والمؤسسات المعيارية في الإسلام غير محددة مسبقا سواء في شكلها الإسلامي الماضي أو في شكلها الغربي الحاضر، وإنما هي نتيجة "عملية طويلة ومعقدة في تحقيق التاريخ النظري والعملي للأمة، ومن ثم فلا بد أن يكون ذلك ثمرة متدرجة للإصلاح الدائم لا لمقصد مسبق، بل يجب أن يكون متعلقا بمقصد كلي وشكل عام".

- تمرسيت حسام.

الدعسة الأولى لمن أراد أن يستمع