- أملِكُ ذِكريَات يسِيل مِنهَا الذّهَب، وتَبقَى الشّوائِبُ، أبقَى جَالِسُ فِي ذَاك المكَان نَفسُه، المكَانُ الذّي أتَذَكّرُ فِيه ذِكرَياتِي الجَمِيله المَاضِيه والتّي لَا تُنسَى، أُقلِّبُ صفَحَات المَاضِي، وأتَذكّرُ ذَلِك اليَومِ الذّي لَم تَبقَى مِنه سِوى الذِّكرَى، فَنحنُ نحزُن عَلى الذّكريَات السيّئه لأنّهَا مُوجِعَه وتعِيسَة بِمعنَى الكَلِمَه، وأيضًا نحزَنُ عَلىٰ الذّكريَات الجَمِيله فَتدْمَعُ العَين لأنّهَا رَحلَت دُونَ ماَب،
فالذِكرَياتُ لهَا تجَاعِيد، مِثلَمَا السّنِين، لَكِنّهَا تسكُن الجَوارِح لا الوجُوه، فَلم يَعُد النّسيَان مُمكِنًا، ولا الإِئْتِيَاب مُمكِنًا، سنَضل تَارِكِينَ خَلفَنَا لحضَاتٌ سَتبقَى مَحفُورة عَلى جُدرَان النّسيَان، ستَمضِى السّنِينَ والأعوَامِ وَيمضِي بِنَا الزّمَان لِتُدَقّ أجرَاس الودَاع وعِنْدهَا فَقَط سنَعلَمُ قِيمةَ الشّيء الذّي كُنّا نملِكُه وفَقدَنَاهُ،
هَذِه هِيَا الدّنيَا كَالقِطَار، يجمَعُنَا فِي محَطّة اللِقَاء، وثُمّ يُلقِينَا فِي مَحطّه الحُبّ والتَعلّق، وتَلِيهَا محطّة الفِراق والحُزنِ والآلام، ولَكِن يظلّونَ فِي قُلوبِنَا مَهمَا طَال الشّقَاق والبُعد، وستَظلّ ذِكرَاهُم التّى حفَرُوهَا فِي قُلوبِنَا، وسَنظلّ نَلتَقِي بِهم فِي خَيالِنَا فَقَط،
ومِنْ ثُمّ نَسِير فِي دُروبِنَا ونَظلّ نكذِبُ عَلىٰ أنفُسِنَا أنّنا نَسِينَاهُم، ويأكُل التّفكِير أجسَادُنَا ونتَسَائَلُ هَل ستَعُود أيّامُنَا وأفرَاحُنَا وصَدى ضِحكَاتُنَا، ونَمسَحُ دُموع أحزَان عِشنَاهَا معَ أنفُسِنَا، ونُشبِك الأيَادِي، ونُحَقّق مَا كُنّا نُخطِّطُ لَهُ سَويًّا،
فالذّكرَياتُ يا أصدِقاء أشيَاء ملمُوسةً ومَحفُورة فِي أعمَاقُنَا، وصُور حَفظنَاهَا فِي عُيُونِنَا، سَيظَلّ الحَنِينُ محبُوسٌ فِي دَاخِلِنَا، ونَوبَاتُ الإشتِيَاق بَاتَت وَاضحَه بِكَلِمَاتِنَا، والحُب الذّي نَملِكُه تِجَاه شخُوصِنَا لَا نستَطِيع أن نُخفِيه فِينَا، فِي هَذِه الدّنيَا بِأكمَلِهَا لا يستَطِيع إنسَانٌ أو قُوة فِي الوجُود قَادِرَه عَلىٰ أن تَمحُوا الذّكرَيَات،
فِي الخِتَام أودّ أن أخبِرَكُم، لَا تَندَمُوا عَلىٰ حُبٍ عِشتُوه، حتّ لَو صَار مُجَرّد ذِكرَى تُؤلِمُكُم، فَإن كَانَت الزُهُور قَد جَفّت، وضَاع عَبِيرُهَا، وَلمْ يَتَبقّى مِنهَا إلّا الأشوَاك، فَلا تَنسَى أنّهَا فِي يَومٍ مِنَ الأيّامِ مَنَحتْكَ عِطرًا جَمِيلًا أسعَدَك فِعلًا .
- إسلَام الشّرقَاوِي .