Репост из: ¤الممشى العريض¤
عن حجي جابر و"مرسى فاطمة نحكي
أفق بعيد
فيصل محمد صالح
"مرسى فاطمة" بعيون سوداريترية
مصطلح "سوداريتري" من إبداع عادل القصاص ومحمد مدني إن لم تخني الذاكرة، وهو مصطلح يختزل العلاقات السودانية الإريترية في شخص إريتريين عاشوا بالسودان وامتزجوا به، وسودانيين ارتبطوا بإريتريا ، بشكل ما، ويحمعهما وجدان مشترك. وأظنني واحدا من اولئك، بحكم ارتباط قديم بنضالات الثورة الإريترية وانحياز لها، وعلاقات وثيقة بكثير من رموزها الإبداعية، ثم بسنوات من العمر قضيتها بين القاهرة وأسمرا، جلت مدن إريتريا وقراها، وحفظت شوارعها، وتسكعت في أزقتها وحواريها ومقاهيها.
في مساء إريتري ربيعي الهوى رأى الكاتب والشاعر الإريتري أحمد عمر شيخ في يدي ديوان شعر لمصطفى سند، فهتف بإعجاب "مصطفى سند ياههههـ إنه من شعرائي المفضلين". فأعطيته الديوان ليقرأه، ثم لحقت ذلك بكتب المجموعة الكاملة لمصطفى سند. وحين أعطاني أحمد ديوانه الاول "تفاصيل إمرأة قادمة من السودان" جلسنا نتناقش لساعات، ثم فوجئت به يقول بأسى "أنا لم أر السودان مطلقا"، ولكن كيف؟ ، أجاب "أنا أعيش السودان من خلال القراءات ومن خلال حكاوي الناس". ومثل أحمد عمر شيخ كثيرين، وقد سعدت بأنه زار السودان بعد ذلك.
لهذا حين قرأت رواية "سمراويت" للكاتب الإريتري حجي جابر، فعلت ذلك بعيون مختلفة، وبإحساس مختلف، الحقيقة انني التهمتها التهاما في يوم واحد. لم أكن أقرأ الأماكن والشخوص، بل كنت أعيشها بإحساسي، وأتمشى مع أبطالها في شارع كمشتاتو، أحس بوقع اقدمهم أمامي وخلفي، وقد كتبت عنها في صحيفة "الخرطوم" في فبراير الماضي. وها أنا اكرر نفس الفعلة، وبتلذذ شديد، مع الرواية الثانية لحجي جابر "مرسى فاطمة".
وكما قال حجي نفسه للإعلامية المتوهجة لمياء متوكل في برنامج "حلو الكلام. بإذاعة البيت السوداني، فإن "سمراويت" عالجت قضايا ومواقف الإريتريين القادمين من الخارج، حين تعلقت "مرسى فاطمة" بحيوات ومصائر ومشاعر إريتريي الداخل.
يغزل حجي جابر رواياته من خيوط الشعر، ويسقيها من بحوره الواسعة، هو شاعر يكتب الرواية، لذلك يحتاج ان يقرأه الناس بإحساس الشعر. حين كان يبحث عن سلمى التي ضاعت منه، ظل يحدث الناس عن أوصافها "سلمى تميل إلى الطول، سمرتها صافية وشعرها أسود كثيف، على تخوم شفتها العليا شامة خفيفة، ولها لثغة ساحرة في الراء، يداها وطن دفء ينهي صقيع اغترابي، وعلى صدرها تنام الأمنيات غير عابئة بالمستحيل، ومن ضحكتها الصافية تجري ينابيع البهجة، عيناها لؤلؤتان لا تمل، في القلب منها حدائق لوز، جبينها لا يكف يحكي بشغف قصة ضياع العشاق....الخ".
من الواضح أن لحجي جابر مشروع روائي متكامل، وهناك خيط يربط بين روايتيه هاتين، وربما رواياته القادمة. في قلب الأحداث يختلط الوطن بالحبيبة، يتشاطران، الوطن والحبيبة، أسى الكاتب وحزنه على ما حاق بهما. الهم الوطني والشخصي موجود، والحزن يغطي المساحات، لكن الحب موجود، والأمل متوفر، والحلم الكبير أيضا هناك، لا تغطيه الأحداث المأساوية ولا تحجبه غيوم الأسى.
شكرا حجي جابر على هذا الإبداع، وعلى المتعة التي تذوقناها، وعلى رفد كل من يقرأ بإحساس الأمل في الغد.
جريدة "الخرطوم" الثلاثاء 26 فبراير 2014
أفق بعيد
فيصل محمد صالح
"مرسى فاطمة" بعيون سوداريترية
مصطلح "سوداريتري" من إبداع عادل القصاص ومحمد مدني إن لم تخني الذاكرة، وهو مصطلح يختزل العلاقات السودانية الإريترية في شخص إريتريين عاشوا بالسودان وامتزجوا به، وسودانيين ارتبطوا بإريتريا ، بشكل ما، ويحمعهما وجدان مشترك. وأظنني واحدا من اولئك، بحكم ارتباط قديم بنضالات الثورة الإريترية وانحياز لها، وعلاقات وثيقة بكثير من رموزها الإبداعية، ثم بسنوات من العمر قضيتها بين القاهرة وأسمرا، جلت مدن إريتريا وقراها، وحفظت شوارعها، وتسكعت في أزقتها وحواريها ومقاهيها.
في مساء إريتري ربيعي الهوى رأى الكاتب والشاعر الإريتري أحمد عمر شيخ في يدي ديوان شعر لمصطفى سند، فهتف بإعجاب "مصطفى سند ياههههـ إنه من شعرائي المفضلين". فأعطيته الديوان ليقرأه، ثم لحقت ذلك بكتب المجموعة الكاملة لمصطفى سند. وحين أعطاني أحمد ديوانه الاول "تفاصيل إمرأة قادمة من السودان" جلسنا نتناقش لساعات، ثم فوجئت به يقول بأسى "أنا لم أر السودان مطلقا"، ولكن كيف؟ ، أجاب "أنا أعيش السودان من خلال القراءات ومن خلال حكاوي الناس". ومثل أحمد عمر شيخ كثيرين، وقد سعدت بأنه زار السودان بعد ذلك.
لهذا حين قرأت رواية "سمراويت" للكاتب الإريتري حجي جابر، فعلت ذلك بعيون مختلفة، وبإحساس مختلف، الحقيقة انني التهمتها التهاما في يوم واحد. لم أكن أقرأ الأماكن والشخوص، بل كنت أعيشها بإحساسي، وأتمشى مع أبطالها في شارع كمشتاتو، أحس بوقع اقدمهم أمامي وخلفي، وقد كتبت عنها في صحيفة "الخرطوم" في فبراير الماضي. وها أنا اكرر نفس الفعلة، وبتلذذ شديد، مع الرواية الثانية لحجي جابر "مرسى فاطمة".
وكما قال حجي نفسه للإعلامية المتوهجة لمياء متوكل في برنامج "حلو الكلام. بإذاعة البيت السوداني، فإن "سمراويت" عالجت قضايا ومواقف الإريتريين القادمين من الخارج، حين تعلقت "مرسى فاطمة" بحيوات ومصائر ومشاعر إريتريي الداخل.
يغزل حجي جابر رواياته من خيوط الشعر، ويسقيها من بحوره الواسعة، هو شاعر يكتب الرواية، لذلك يحتاج ان يقرأه الناس بإحساس الشعر. حين كان يبحث عن سلمى التي ضاعت منه، ظل يحدث الناس عن أوصافها "سلمى تميل إلى الطول، سمرتها صافية وشعرها أسود كثيف، على تخوم شفتها العليا شامة خفيفة، ولها لثغة ساحرة في الراء، يداها وطن دفء ينهي صقيع اغترابي، وعلى صدرها تنام الأمنيات غير عابئة بالمستحيل، ومن ضحكتها الصافية تجري ينابيع البهجة، عيناها لؤلؤتان لا تمل، في القلب منها حدائق لوز، جبينها لا يكف يحكي بشغف قصة ضياع العشاق....الخ".
من الواضح أن لحجي جابر مشروع روائي متكامل، وهناك خيط يربط بين روايتيه هاتين، وربما رواياته القادمة. في قلب الأحداث يختلط الوطن بالحبيبة، يتشاطران، الوطن والحبيبة، أسى الكاتب وحزنه على ما حاق بهما. الهم الوطني والشخصي موجود، والحزن يغطي المساحات، لكن الحب موجود، والأمل متوفر، والحلم الكبير أيضا هناك، لا تغطيه الأحداث المأساوية ولا تحجبه غيوم الأسى.
شكرا حجي جابر على هذا الإبداع، وعلى المتعة التي تذوقناها، وعلى رفد كل من يقرأ بإحساس الأمل في الغد.
جريدة "الخرطوم" الثلاثاء 26 فبراير 2014