نموذج من التشويه للتاريخ الإسلامي..
وقد ظلت ثورة الزنج عملا شنيعا ومرفوضا، ويذكره المؤرخون المسلمون بكل أسى وحزن حتى انبعث في هذا العصر الحديث من «أعاد النظر» في هذه الحركة الدموية وقدمها للناس على أنها «ثورة» بل و«ثورة إصلاحية» أيضا، وانطلق أولئك من مرجعياتهم الفكرية في تشويه التاريخ الإسلامي، فمنهم الماركسي الذي يريد الطعن في التاريخ الإسلامي ليثبت نظريته المادية في التاريخ وحركته الطبقية المبنية على أوضاع اقتصادية وأن الإسلام لم يكن شيئا إلا خرافات في أذهان معتنقيه فهو نوع من «أفيون الشعوب»، ومنهم الشيعي الذي يريد أن يراها ثورة علوية، ومنهم القومي الذي أراد عبر بعض الشخصيات العربية أن يجعلها ثورة عربية على الحكم التركي، فهكذا اختلفت منطلقاتهم ودوافعهم واتفقوا في تزويرهم للتاريخ الإسلامي والطعن فيه، وقد أبدى كل منهم ما استطاع من قدرة على التضليل ليصل إلى هدفه ومبتغاه.
وقد تتبع د. هاني السباعي التأليف عن هذا الموضوع في مقاله «العلمانيون وثورة الزنج» فقال:
«كان لطه حسين السبق في إبراز أحداث النشاز في التاريخ الإسلامي ؛ ففي سنة 1946 نشر مقالة في مجلة (الكاتب المصري)[مايو 1946م، ثم نشرها في كتاب ألوان] بعنوان (ثورتان) حث فيها طه حسين الأدباء والمثقفين العرب على استلهام ثورة الزنج كما استلهم الأوربيون ثورة (سبارتكوز) بغية الوصول إلى العدالة المنشودة على حد زعمه ومن ثم فقد فتح طه حسين شهية العلمانيين وخاصة الماركسيين والشيوعيين ومن يسمون أنفسهم اليسار الإسلامي! وأرباب المدرسة الاعتزالية للنيل من الإسلام بحجة البحث والإبداع وإيصال الماضي بالحاضر! وفي منتصف الخمسينات نشر فيصل السامر ـ شيوعي عراقي ـ كتابه (ثورة الزنج) وفي سنة 1961 نشر اللبناني اليساري أحمد علبي كتابه (ثورة الزنج وقائدها علي بن محمد) .. ثم ألف د. محمد عمارة (معتزلي حاليًا وماركسي سابقًا) كتابه (مسلمون ثوار).. كتب فصلًا مطولًا عن صاحب الزنج وتعاطف معه وحسن صورته وبيض فتنته عكس من سبقه من الكتاب!! فمثلًا: الكاتب أحمد علبي ذكر أن لصاحب الزنج وثورته سلبيات.. أما الدكتور عمارة فلم يثبت هذه السلبيات ـ أقصد الجرائم التي ارتكبها صاحب الزنج في حق الإسلام ـ ثم توالت الكتابات حيث نشر معين بسيسو مسرحيته الشعرية (ثورة الزنج) .. وكتب نور الدين فارس مسرحيته الشعرية (لتنهضوا أيها العبيد) .. ثم عاود أحمد علبي الكتابة عن صاحب الزنج فنشر سنة 1985 كتابه (ثوار وعبيد) .. وفي سنة 1995 صدر كتاب (شخصيات غير قلقة في الإسلام) لهادي العلوي وخصّ صاحب الزنج بفصل كامل وسار على درب من سبقه من يساريين وعلمانيين!!».
انظر مقال: العلمانيون وثورة الزنج. موقع مركز المقريزي للدراسات التاريخية (www.almaqreze.net).
قلتُ (إلهامي): وقد حفلت المجلات العلمية العراقية –كالمورد- بمقالات وبحوث في هذا الصدد، فقد كانت موطنا للقوميين واليساريين تحت حكم البعث العراقي، ولم يكن لهذه المقالات من رائحة «العلم» إلا هذا الثوب المصطنع الذي يخدع البسطاء بزخارفه بينما هو في الحقيقة لا يعتمد على أي أساس علمي في نقده للروايات التاريخية وتفكيكها ولا أي أساس علمي في تركيب رؤيته بمنهج علمي منضبط!
ولهذا شن المؤرخ العراقي البارز د. فاروق عمر فوزي هجومه على هؤلاء -رغم أنه يُحسب على القوميين- هجومه على هذه القراءات غير المتمعة بأي انضباط علمي في عدد من مؤلفاته مثل: التاريخ الإسلامي وفكر القرن العشرين.
ونحن نرجو أن يتراجع الدكتور محمد عمارة -وهو من الفضلاء المنافحين عن الإسلام أمام الاتجاهات العدائية- عن رأيه في حركة الزنج هذه، ذلك أنه كَوَّنه في بداية خروجه من الماركسية وكتابته في الفكر الإسلامي بكتاب «مسلمون ثوار» (وقد كان هدف هذا الكتاب بالأساس الدفع عن المسلمين تهمة الماركسيين –وقتها- بأن الفكر الإسلامي لا يعرف الثورة وأن المسلمين بلا تاريخ ثوري) فهو رجل لا يتحرج من إعادة كتابة أفكاره، ومؤخرا يبدو أقرب إلى الفكر الإسلامي السني أكثر من أي وقت مضى، فيما احتفظت مؤلفاته الأولى بِنَفَس ماركسي قومي اشتراكي!
من كتابي #رحلة_الخلافة_العباسية الجزء الثاني #العباسيون_الضعفاء
وقد ظلت ثورة الزنج عملا شنيعا ومرفوضا، ويذكره المؤرخون المسلمون بكل أسى وحزن حتى انبعث في هذا العصر الحديث من «أعاد النظر» في هذه الحركة الدموية وقدمها للناس على أنها «ثورة» بل و«ثورة إصلاحية» أيضا، وانطلق أولئك من مرجعياتهم الفكرية في تشويه التاريخ الإسلامي، فمنهم الماركسي الذي يريد الطعن في التاريخ الإسلامي ليثبت نظريته المادية في التاريخ وحركته الطبقية المبنية على أوضاع اقتصادية وأن الإسلام لم يكن شيئا إلا خرافات في أذهان معتنقيه فهو نوع من «أفيون الشعوب»، ومنهم الشيعي الذي يريد أن يراها ثورة علوية، ومنهم القومي الذي أراد عبر بعض الشخصيات العربية أن يجعلها ثورة عربية على الحكم التركي، فهكذا اختلفت منطلقاتهم ودوافعهم واتفقوا في تزويرهم للتاريخ الإسلامي والطعن فيه، وقد أبدى كل منهم ما استطاع من قدرة على التضليل ليصل إلى هدفه ومبتغاه.
وقد تتبع د. هاني السباعي التأليف عن هذا الموضوع في مقاله «العلمانيون وثورة الزنج» فقال:
«كان لطه حسين السبق في إبراز أحداث النشاز في التاريخ الإسلامي ؛ ففي سنة 1946 نشر مقالة في مجلة (الكاتب المصري)[مايو 1946م، ثم نشرها في كتاب ألوان] بعنوان (ثورتان) حث فيها طه حسين الأدباء والمثقفين العرب على استلهام ثورة الزنج كما استلهم الأوربيون ثورة (سبارتكوز) بغية الوصول إلى العدالة المنشودة على حد زعمه ومن ثم فقد فتح طه حسين شهية العلمانيين وخاصة الماركسيين والشيوعيين ومن يسمون أنفسهم اليسار الإسلامي! وأرباب المدرسة الاعتزالية للنيل من الإسلام بحجة البحث والإبداع وإيصال الماضي بالحاضر! وفي منتصف الخمسينات نشر فيصل السامر ـ شيوعي عراقي ـ كتابه (ثورة الزنج) وفي سنة 1961 نشر اللبناني اليساري أحمد علبي كتابه (ثورة الزنج وقائدها علي بن محمد) .. ثم ألف د. محمد عمارة (معتزلي حاليًا وماركسي سابقًا) كتابه (مسلمون ثوار).. كتب فصلًا مطولًا عن صاحب الزنج وتعاطف معه وحسن صورته وبيض فتنته عكس من سبقه من الكتاب!! فمثلًا: الكاتب أحمد علبي ذكر أن لصاحب الزنج وثورته سلبيات.. أما الدكتور عمارة فلم يثبت هذه السلبيات ـ أقصد الجرائم التي ارتكبها صاحب الزنج في حق الإسلام ـ ثم توالت الكتابات حيث نشر معين بسيسو مسرحيته الشعرية (ثورة الزنج) .. وكتب نور الدين فارس مسرحيته الشعرية (لتنهضوا أيها العبيد) .. ثم عاود أحمد علبي الكتابة عن صاحب الزنج فنشر سنة 1985 كتابه (ثوار وعبيد) .. وفي سنة 1995 صدر كتاب (شخصيات غير قلقة في الإسلام) لهادي العلوي وخصّ صاحب الزنج بفصل كامل وسار على درب من سبقه من يساريين وعلمانيين!!».
انظر مقال: العلمانيون وثورة الزنج. موقع مركز المقريزي للدراسات التاريخية (www.almaqreze.net).
قلتُ (إلهامي): وقد حفلت المجلات العلمية العراقية –كالمورد- بمقالات وبحوث في هذا الصدد، فقد كانت موطنا للقوميين واليساريين تحت حكم البعث العراقي، ولم يكن لهذه المقالات من رائحة «العلم» إلا هذا الثوب المصطنع الذي يخدع البسطاء بزخارفه بينما هو في الحقيقة لا يعتمد على أي أساس علمي في نقده للروايات التاريخية وتفكيكها ولا أي أساس علمي في تركيب رؤيته بمنهج علمي منضبط!
ولهذا شن المؤرخ العراقي البارز د. فاروق عمر فوزي هجومه على هؤلاء -رغم أنه يُحسب على القوميين- هجومه على هذه القراءات غير المتمعة بأي انضباط علمي في عدد من مؤلفاته مثل: التاريخ الإسلامي وفكر القرن العشرين.
ونحن نرجو أن يتراجع الدكتور محمد عمارة -وهو من الفضلاء المنافحين عن الإسلام أمام الاتجاهات العدائية- عن رأيه في حركة الزنج هذه، ذلك أنه كَوَّنه في بداية خروجه من الماركسية وكتابته في الفكر الإسلامي بكتاب «مسلمون ثوار» (وقد كان هدف هذا الكتاب بالأساس الدفع عن المسلمين تهمة الماركسيين –وقتها- بأن الفكر الإسلامي لا يعرف الثورة وأن المسلمين بلا تاريخ ثوري) فهو رجل لا يتحرج من إعادة كتابة أفكاره، ومؤخرا يبدو أقرب إلى الفكر الإسلامي السني أكثر من أي وقت مضى، فيما احتفظت مؤلفاته الأولى بِنَفَس ماركسي قومي اشتراكي!
من كتابي #رحلة_الخلافة_العباسية الجزء الثاني #العباسيون_الضعفاء