لم – فقه الاعتراف بالخطأ، ودلنا على سيد الاستغفار، حتى لا يطغى الإنسان، ويعلم علم اليقين أنه مقصر في حق الله، مهما كان تقياً ورعاً، قال – عليه الصلاة والسلام -: "سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت قال: من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة"[رواه البخاري].
ولذلك تربى الصحابة على هذا الخلق، وتزينوا به، فكانوا شامة بين الناس، به نالوا مغفرة الله ورضوانه، وبه أقاموا الحق، وأسسوا العدل، وبه حفظت الحقوق، وزادت الألفة والمحبة بينهم، وعُرف الحق من الباطل، والصحيح من الخطأ، والظالم من المظلوم، قال عمر – رضي الله عنه – في كتابه لأبي موسى الأشعري: "ولا يمنعك قضاء قضيت به اليوم فراجعت فيه نفسك، وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم، ولا يبطل الحق شيء، وإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل".
وانظروا إلى أهمية الاعتراف بالخطأ، وثمرته وآثاره في حياة الفرد والمجتمع، وكيف يقود هذا الخلق الأفراد والمجتمعات إلى حياة الجدية والصدق والاستقامة، فقد دعا رسول – صلى الله عليه وسلم – المسلمين للخروج إلى تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، وتخلف بعض الصحابة عن الخروج، بعضهم بعذر، وآخرون لم يكن لهم عذر، سوى التسويف، ثم الكسل يوماً بعد يوم، حتى عاد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة، وكان من هؤلاء كعب بن مالك – رضي الله عنه -، فلما قدم – صلى الله عليه وسلم – جلسَ للناسِ، وجاءه المخلفون يعتذرون إليه، ويحلفون له، فقبلَ منهم علانَيتهم، ووكل سرائرَهم إلى الله، وهؤلاء جاؤوا يبررون أخطاءهم، ويصرون على ذلك، قال – تعالى -: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) [التوبة: 49].
بل منهم من جاء يبرر خطئه بعدم خروجه مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لنصرة الإسلام، ووقف زحف الروم على المدينة بسبب حرارة الجو، وما أقبحه من عذر، فالذي يدرك أنه ذاهب إلى ساحات الجهاد حيث الدماء والأشلاء لنصرة الدين، هل يؤثر في نفسيته حلة الجو وحرارة الشمس، قال -تعالى-: (وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)[التوبة: 81].
وكم تضيع اليوم من حقوق، وتهمل من واجبات بسبب الإصرار على الخطأ، وعدم الاعتراف به، واتباع سياسة التبرير لكل خطأ.
قال كعب بن مالك: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلمت عليه، تبسمَ تبسم المُغضب، ثم قال: تعال، فجئت أمشي حتى جلستُ بين يديه، فقال: ما خلفَك يا كعب، ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ فقلتُ يا رسولَ الله: والله لو جلستُ عند غيرِك من أهلِ الدنيا لرأيتُ أني سأخرجُ من سخطِه بعذر، ووالله لئن حدثتُك اليومَ حديثِ كذبٍ ترضى به عني، ليوشكَن اللهَ أن يسخطَك علي، ولأن حدثتُك حديث صدقٍ تجد علي فيه إني لأرجُ فيه عفو الله، واللهِ يا رسولَ الله ما كان لي من عذر، والله ما كنتُ قط أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفتُ عنك، فقال – صلى الله عليه وسلم -: "أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضيَ الله فيك".
صدقٌ، ووضوح، وصراحة، لا التواء ولا مراوغة، ولا تبرير.
علم كعبُ أن نجاتَه في الدنيا والآخرةِ إنما هي في الصدق، والاعتراف بالخطأ.
وهجر المسلمون كعب ومن صدق معه ممن تخلفوا خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم، قال – تعالى -: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 118].
إن الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه إلى الحق دليل على نُبلٍ في النفس، ونُضج في العقل، وسماحة في الخُلق، وقوة في الإرادة ولا يمنع الشخص السوي من الاعتراف بالذنب والرجوع عن الخطأ إلا لمرض في قلبه، ولعله أخطر الأمراض؛ كما روى الإمام مسلم – رحمه الله تعالى – في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".
والمعنى رد الحق واحتقار الناس والاستخفاف بهم.
اللهم استعملنا في طاعتك ووفقنا للعمل بكتابك وسنة نبيك
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: كم نحن بحاجة إلى الاعتراف بأخطائنا حتى تستقيم الحياة، وتتضح القيم والمفاهيم، وتعالج الاختلالات، ويدرك كل واحد منا مسؤولياته وواجباته، كم نحن بحاجة
ولذلك تربى الصحابة على هذا الخلق، وتزينوا به، فكانوا شامة بين الناس، به نالوا مغفرة الله ورضوانه، وبه أقاموا الحق، وأسسوا العدل، وبه حفظت الحقوق، وزادت الألفة والمحبة بينهم، وعُرف الحق من الباطل، والصحيح من الخطأ، والظالم من المظلوم، قال عمر – رضي الله عنه – في كتابه لأبي موسى الأشعري: "ولا يمنعك قضاء قضيت به اليوم فراجعت فيه نفسك، وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم، ولا يبطل الحق شيء، وإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل".
وانظروا إلى أهمية الاعتراف بالخطأ، وثمرته وآثاره في حياة الفرد والمجتمع، وكيف يقود هذا الخلق الأفراد والمجتمعات إلى حياة الجدية والصدق والاستقامة، فقد دعا رسول – صلى الله عليه وسلم – المسلمين للخروج إلى تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، وتخلف بعض الصحابة عن الخروج، بعضهم بعذر، وآخرون لم يكن لهم عذر، سوى التسويف، ثم الكسل يوماً بعد يوم، حتى عاد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة، وكان من هؤلاء كعب بن مالك – رضي الله عنه -، فلما قدم – صلى الله عليه وسلم – جلسَ للناسِ، وجاءه المخلفون يعتذرون إليه، ويحلفون له، فقبلَ منهم علانَيتهم، ووكل سرائرَهم إلى الله، وهؤلاء جاؤوا يبررون أخطاءهم، ويصرون على ذلك، قال – تعالى -: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) [التوبة: 49].
بل منهم من جاء يبرر خطئه بعدم خروجه مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لنصرة الإسلام، ووقف زحف الروم على المدينة بسبب حرارة الجو، وما أقبحه من عذر، فالذي يدرك أنه ذاهب إلى ساحات الجهاد حيث الدماء والأشلاء لنصرة الدين، هل يؤثر في نفسيته حلة الجو وحرارة الشمس، قال -تعالى-: (وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)[التوبة: 81].
وكم تضيع اليوم من حقوق، وتهمل من واجبات بسبب الإصرار على الخطأ، وعدم الاعتراف به، واتباع سياسة التبرير لكل خطأ.
قال كعب بن مالك: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلمت عليه، تبسمَ تبسم المُغضب، ثم قال: تعال، فجئت أمشي حتى جلستُ بين يديه، فقال: ما خلفَك يا كعب، ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ فقلتُ يا رسولَ الله: والله لو جلستُ عند غيرِك من أهلِ الدنيا لرأيتُ أني سأخرجُ من سخطِه بعذر، ووالله لئن حدثتُك اليومَ حديثِ كذبٍ ترضى به عني، ليوشكَن اللهَ أن يسخطَك علي، ولأن حدثتُك حديث صدقٍ تجد علي فيه إني لأرجُ فيه عفو الله، واللهِ يا رسولَ الله ما كان لي من عذر، والله ما كنتُ قط أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفتُ عنك، فقال – صلى الله عليه وسلم -: "أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضيَ الله فيك".
صدقٌ، ووضوح، وصراحة، لا التواء ولا مراوغة، ولا تبرير.
علم كعبُ أن نجاتَه في الدنيا والآخرةِ إنما هي في الصدق، والاعتراف بالخطأ.
وهجر المسلمون كعب ومن صدق معه ممن تخلفوا خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم، قال – تعالى -: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 118].
إن الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه إلى الحق دليل على نُبلٍ في النفس، ونُضج في العقل، وسماحة في الخُلق، وقوة في الإرادة ولا يمنع الشخص السوي من الاعتراف بالذنب والرجوع عن الخطأ إلا لمرض في قلبه، ولعله أخطر الأمراض؛ كما روى الإمام مسلم – رحمه الله تعالى – في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".
والمعنى رد الحق واحتقار الناس والاستخفاف بهم.
اللهم استعملنا في طاعتك ووفقنا للعمل بكتابك وسنة نبيك
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: كم نحن بحاجة إلى الاعتراف بأخطائنا حتى تستقيم الحياة، وتتضح القيم والمفاهيم، وتعالج الاختلالات، ويدرك كل واحد منا مسؤولياته وواجباته، كم نحن بحاجة