-
قَلّبتُ نَظَري في الصّوَرِ إلى أن اكتَملَ شَريطُ تَحميلِ المِلَفّ الذي في مَضمُونِهِ مَشاهِدُ الإلتِحامِ مع آلِيّاتِ العَدُوّ، ثُمّ بَدَأتُ المُشاهدَةَ وَحدِي مُنفَرِدًا؛ إذا كُنتُ في كلّ مَرّةٍ مَعَ هَكَذا مَشاهِد أهرَعُ إلى جِوارِ أبي وأخِي كَي يُشارِكُوني المُشاهَدَة، سَواءَ في مَشاهِدِ الإلتِحامِ أو التَدمِيرِ أو حَتى كَلِماتِ أبِي عُبَيدَةَ حَفِظَهُ الله!
ولكِن هَذهِ المَرّةَ كنتُ وَحدِي، جَلَستُ أتَأمّلُ مَضمونَ المَشاهِد.. لَحظَةً لَحظَة.. إبتِدَاءً مِن الخُروجِ مِن الخَندَقِ الذِي كانَ الأسَدُ رابِضًا فيهِ وُصولًا إلى تَفجيرِ العُبوَة مُرُورًا بتِلاوَةِ القُرآنِ قَبلَها: ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾
ولأنّ الإنفِجارَ قَريبٌ جِدًا.. أخَذَ الغُبارُ والحِجارَةُ تَرتَدّ عَليهِ بقُوّة، فتَذَكّرتُ قولَ النّبِيّ صلّى الله علَيهِ وسلّم: (مَا اغْبَرَّتْ قَدَما عَبْدٍ في سَبيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النّارُ.!)
يا الله مَن هُم أولَئِكَ الرّجَال؟
كيفَ كانَ لَيلُهُم؟ بَل كيفَ كانَ نَهارُهُم قَبلَ هذهِ المَلاحِم؟ هذهِ التّساؤُلاتِ نَجِدُ جَوابَها فيمَا تَراهُ أعيُنُنا، إنّ الأرضَ صَامِتَةٌ لا صَوتَ لها، ولكِن في جَوفِها تَغلِي البَراكِينُ والحِمَمُ.. وهَكذا هُم هَؤلاءِ الرّجالُ؛ صَمتُهُم كانَ إعدَادًا، صَمتُهُم كانَ تَجهِيزًا لِما سَيَشفِي الصّدورَ ويُبهِجُ العُيونَ!
نَعودُ مُجَدّدًا للمَشهَدِ الأوّل، لِلَحظَةِ الإنفِجارِ ونُهوضِ الفارِسِ مُجَدّدًا.. لا لِيَحُثّ الخُطَى مُسرِعًا في الهُروب، وإنّما ليُصَوّبَ صَارُوخًا إضافِيًا مُجهِزًا على تِلكَ الدّبابَةِ الضّخمَة.. أو عَفوًا ليُوَجّهَ ضَربَةً نَحوَ تلكَ الحَشرَة التي سَحَقَها بقَدَمَيهِ قبلَ ثَوانٍ، ولِتُصبِحَ هَباءًا مُتَناثِرًا على أسوارِ غَزّةَ بعد أن ابتَعدَ عَنها!
إلى أولَئِكَ الرّجالُ القَابِضينَ على زِنادِ الياسِين 105
قَد أفرَحتُم قُلُوبَنا والله، فَمَع كلّ تَكبيرَةٍ تَعلُو مِن أفوَاهِكُم مُدَوّيَةً في الآفاقِ لتَتَحَطّمَ مِن بَعدِها دَبابّةٌ للعَدُوّ هُنا وآلِيّةٍ هُناك.. قُلوبُنا تُكَبّرُ مَعكُم، ثَبّتَكُم الله آوَاكُم الله حَفِظَكُم الله..
ولأهلِ غَزّةَ الجّرِيحَة
إنّي لأستَحِيي أن أقولَ لكُم إصبِرُوا
فمِنكُمُ اليَومَ نَتَعلّمُ الصّبرَ، ومِنكُم نَتَعلّمُ الثّباتَ، ومِنكُم نَأخُذُ دَرسًا مَفادُهُ أنّ النّصرَ مع الصّبرِ، يَقينًا بالله سَتُشرِقُ شَمسُ النّصرِ لتُضِيءَ بنُورِها أرضَ غَزّةَ الجَريحَة، فَغَـزّةُ كانَت وسَتَبقَى كَما قالَ عَنها أبو عُبَيدةَ: لَعنَةُ التّاريخِ على الكِيانِ الصّهيُونِيّ.
واللهُ غَالِبُ..
و النّصرُ بسَواعِدِ الأبطالِ
قادِمٌ بإذنِ الله تَعالَى!
-مُجَاهِد!
١٤٤٥/٤/١٩ هـ.
٢٠٢٣/١١/٣ مـ.
