شرح كتاب التوحيد للشيخ العثيمين رحمه الله
﴿ باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه ﴾
۞۞۞۞۞۞۞
قوله:
(من الشرك)، من هنا للتعبيض، أي: أن هذا بعض الشرك، وليس كل الشرك، والشرك: اسم جنس يشمل الأصغر والأكبر، ولبس هذه الأشياء قد يكون أصغر وقد يكون أكبر بحسب اعتقاد لابسها، وكان لبس هذه الأشياء من الشرك، لأن كل من أثبت سببًا لم يجعله الله سببًا شرعيًّا ولا قدريًّا، فقد جعل نفسه شريكًا مع الله.
فمثلًا: قراءة الفاتحة سبب شرعي للشفاء.
وأكل المسهل سبب حسي لانطلاق البطن، وهو قدري، لأنه يعلم بالتجارب والناس في الأسباب طرفان ووسط:الأول: من ينكر الأسباب، وهم كل من قال بنفي حكمة الله، كالجبرية، والأشعرية.
الثاني: من يغلو في إثبات الأسباب حتى يجعلوا ما ليس بسبب سببًا، وهؤلاء هم عامة الخرافيين من الصوفية ونحوهم.
الثالثة: من يؤمن بالأسباب وتأثيراتها، ولكنهم لا يثبتون من الأسباب إلا ما أثبته الله سبحانه ورسوله، سواء كان سببًا شرعيًّا أو كونيًّا.
ولا شك أن هؤلاء هم الذين آمنوا بالله إيمانًا حقيقيًّا، وآمنوا بحكمته، حيث ربطوا الأسباب بمسبباتها، والعلل بمعلولاتها، وهذا من تمام الحكمة.
ولبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله، فهو مشرك شركًا أكبر في توحيد الربوبية، لأنه اعتقد أن مع الله خالقًا غيره.
وإن اعتقد أنها سبب، ولكنه ليس مؤثرًا بنفسه، فهو مشرك شركًا أصغر لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسب سببًا فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سببًا.
وطريق العلم بأن الشيء سبب، إما عن طريق الشرع، وذلك كالعسل:
{فيه شفاء للناس}
[النحل: 69]، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس، قال الله تعالى:
{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}
[الإسراء: 82].
وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعًا في هذا الألم أو المرض، ولكن لا بد أن يكون أثره ظاهرًا مباشرًا كما لو اكتوى بالنار فبرئ بذلك مثلًا، فهذا سبب ظاهر بين، وإنما قلنا هذا لئلا يقول قائل: أن جربت هذا وانتفعت به، وهو لم يكن مباشرًا، كالحلقة، فقد يلبسها إنسان وهو يعتقد أنها نافعة، فينتفع لأن للانفعال النفسي للشيء أثرًا بينًا، فقد يقرأ إنسان على مريض فلا يرتاح له، ثم يأتي آخر يعتقد أن قراءته نافعة، فيقرأ عليه الآية نفسها فيرتاح له ويشعر بخفة الألم، كذلك الذين يلبسون الحلق ويربطون الخيوط، قد يحسون بخفة الألم أو اندفاعه أو ارتفاعه بناءً على اعتقادهم نفعها.
وخفة الألم لمن اعتقد نفع تلك الحلقة مجرد شعور نفسي، والشعور النفسي ليس طريقًا شرعيًّا لإثبات الأسباب، كما أن الإلهام ليس طريقًا للتشريع.
قوله:
(لبس الحلقة والخيط)، الحلقة: من حديد أو ذهب أو فضة أو ما أشبه ذلك، والخيط معروف.
قوله:
(ونحوهما)، كالمرصعات، وكمن يصنع شكلًا معينًا من نحاس أو غيره لدفع البلاء، أو يعلق على نفسه شيئًا من أجزاء الحيوانات، والناس كانوا يعلقون القرب البالية على السيارات ونحوها لدفع العين، حتى إذا رآها الشخص نفرت نفسه فلا يعين.
قوله:
(لرفع البلاء، أو دفعه)، الفرق بينهما: أن الرفع بعد نزول البلاء، والدفع قبل نزول البلاء.
وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لا ينكر السبب الصحيح للرفع أو الدفع، وإنما ينكر السبب غير الصحيح.
وقول الله تعالى:
{قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرداني الله بضر هل هن كاشفات ضره} الآية
[الزمر: 38].
وقول الله تعالى:
{أفرأيتم}، أي: أخبروني، وهذا تفسير باللازم، لأن من رأى أخبر، وإلا، فهي استفهام عن رؤية، قال تعالى:
{أرأيت الذي يكذب بالدين}
[الماعون: 1]، أي: أخبرني ما حال من كذب بالدين؟ وهي تنصب مفعولين، الأول مفرد، والثاني جملة استفهامية.
وقوله:
{ما}، المفعول الأول لرأيتم، والمفعول الثاني جملة:
{إن أرادني الله بضر}.
وقوله:
{تدعون}، المراد بالدعاء دعاء العبادة ودعاء المسألة، فهم يدعون هذه الأصنام دعاء عبادة، فيتعبدون لها بالنذر والذبح والركوع والسجود، ويدعونها دعاء مسألة لدفع الضرر أو جلب النفع.
فالله سبحانه إذا أراد بعبده ضرًا لا تستطيع الأصنام أن تكشفه، وإن أراده برحمة لا تستطيع أن تمسك الرحمة عنه، فهي لا تكشف الضرر، ولا تمنع النفع، فلماذا تبعد؟وقوله:
{كاشفات}، يشمل الدفع والرفع، فهي لا تكشف الضر بدفعه وإبعاده، ولا تكشفه برفعه وإزالته.
وقوله:
{قل حسبي الله}، أي: كافيني، والحسب: الكفاية، ومنه قوله تعالى:
{جزاء من ربك عطاء حسابًا}
[النبأ: 36]، من الحسب، وهو الكفاية، وحسبي، مبتدأ ولفظ الجلالة خبر، وهذا أبلغ.
وقيل العكس، والراجح الأول، لوجهين:الأول: أن الأصل عدم التقديم والتأخير.
الثاني: أن قولك: حسبي الله فيه حصر الحسب في الله، أي حسبي الله لا غيره، فهو كقولك: لا حسب لي إلا الله، بخلاف قولك: الله حسبي، فليس فيه الحصر المذكور، فلا يدل على حصر الحسب في الله.
قوله:
﴿ باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه ﴾
۞۞۞۞۞۞۞
قوله:
(من الشرك)، من هنا للتعبيض، أي: أن هذا بعض الشرك، وليس كل الشرك، والشرك: اسم جنس يشمل الأصغر والأكبر، ولبس هذه الأشياء قد يكون أصغر وقد يكون أكبر بحسب اعتقاد لابسها، وكان لبس هذه الأشياء من الشرك، لأن كل من أثبت سببًا لم يجعله الله سببًا شرعيًّا ولا قدريًّا، فقد جعل نفسه شريكًا مع الله.
فمثلًا: قراءة الفاتحة سبب شرعي للشفاء.
وأكل المسهل سبب حسي لانطلاق البطن، وهو قدري، لأنه يعلم بالتجارب والناس في الأسباب طرفان ووسط:الأول: من ينكر الأسباب، وهم كل من قال بنفي حكمة الله، كالجبرية، والأشعرية.
الثاني: من يغلو في إثبات الأسباب حتى يجعلوا ما ليس بسبب سببًا، وهؤلاء هم عامة الخرافيين من الصوفية ونحوهم.
الثالثة: من يؤمن بالأسباب وتأثيراتها، ولكنهم لا يثبتون من الأسباب إلا ما أثبته الله سبحانه ورسوله، سواء كان سببًا شرعيًّا أو كونيًّا.
ولا شك أن هؤلاء هم الذين آمنوا بالله إيمانًا حقيقيًّا، وآمنوا بحكمته، حيث ربطوا الأسباب بمسبباتها، والعلل بمعلولاتها، وهذا من تمام الحكمة.
ولبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله، فهو مشرك شركًا أكبر في توحيد الربوبية، لأنه اعتقد أن مع الله خالقًا غيره.
وإن اعتقد أنها سبب، ولكنه ليس مؤثرًا بنفسه، فهو مشرك شركًا أصغر لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسب سببًا فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سببًا.
وطريق العلم بأن الشيء سبب، إما عن طريق الشرع، وذلك كالعسل:
{فيه شفاء للناس}
[النحل: 69]، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس، قال الله تعالى:
{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}
[الإسراء: 82].
وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعًا في هذا الألم أو المرض، ولكن لا بد أن يكون أثره ظاهرًا مباشرًا كما لو اكتوى بالنار فبرئ بذلك مثلًا، فهذا سبب ظاهر بين، وإنما قلنا هذا لئلا يقول قائل: أن جربت هذا وانتفعت به، وهو لم يكن مباشرًا، كالحلقة، فقد يلبسها إنسان وهو يعتقد أنها نافعة، فينتفع لأن للانفعال النفسي للشيء أثرًا بينًا، فقد يقرأ إنسان على مريض فلا يرتاح له، ثم يأتي آخر يعتقد أن قراءته نافعة، فيقرأ عليه الآية نفسها فيرتاح له ويشعر بخفة الألم، كذلك الذين يلبسون الحلق ويربطون الخيوط، قد يحسون بخفة الألم أو اندفاعه أو ارتفاعه بناءً على اعتقادهم نفعها.
وخفة الألم لمن اعتقد نفع تلك الحلقة مجرد شعور نفسي، والشعور النفسي ليس طريقًا شرعيًّا لإثبات الأسباب، كما أن الإلهام ليس طريقًا للتشريع.
قوله:
(لبس الحلقة والخيط)، الحلقة: من حديد أو ذهب أو فضة أو ما أشبه ذلك، والخيط معروف.
قوله:
(ونحوهما)، كالمرصعات، وكمن يصنع شكلًا معينًا من نحاس أو غيره لدفع البلاء، أو يعلق على نفسه شيئًا من أجزاء الحيوانات، والناس كانوا يعلقون القرب البالية على السيارات ونحوها لدفع العين، حتى إذا رآها الشخص نفرت نفسه فلا يعين.
قوله:
(لرفع البلاء، أو دفعه)، الفرق بينهما: أن الرفع بعد نزول البلاء، والدفع قبل نزول البلاء.
وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لا ينكر السبب الصحيح للرفع أو الدفع، وإنما ينكر السبب غير الصحيح.
وقول الله تعالى:
{قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرداني الله بضر هل هن كاشفات ضره} الآية
[الزمر: 38].
وقول الله تعالى:
{أفرأيتم}، أي: أخبروني، وهذا تفسير باللازم، لأن من رأى أخبر، وإلا، فهي استفهام عن رؤية، قال تعالى:
{أرأيت الذي يكذب بالدين}
[الماعون: 1]، أي: أخبرني ما حال من كذب بالدين؟ وهي تنصب مفعولين، الأول مفرد، والثاني جملة استفهامية.
وقوله:
{ما}، المفعول الأول لرأيتم، والمفعول الثاني جملة:
{إن أرادني الله بضر}.
وقوله:
{تدعون}، المراد بالدعاء دعاء العبادة ودعاء المسألة، فهم يدعون هذه الأصنام دعاء عبادة، فيتعبدون لها بالنذر والذبح والركوع والسجود، ويدعونها دعاء مسألة لدفع الضرر أو جلب النفع.
فالله سبحانه إذا أراد بعبده ضرًا لا تستطيع الأصنام أن تكشفه، وإن أراده برحمة لا تستطيع أن تمسك الرحمة عنه، فهي لا تكشف الضرر، ولا تمنع النفع، فلماذا تبعد؟وقوله:
{كاشفات}، يشمل الدفع والرفع، فهي لا تكشف الضر بدفعه وإبعاده، ولا تكشفه برفعه وإزالته.
وقوله:
{قل حسبي الله}، أي: كافيني، والحسب: الكفاية، ومنه قوله تعالى:
{جزاء من ربك عطاء حسابًا}
[النبأ: 36]، من الحسب، وهو الكفاية، وحسبي، مبتدأ ولفظ الجلالة خبر، وهذا أبلغ.
وقيل العكس، والراجح الأول، لوجهين:الأول: أن الأصل عدم التقديم والتأخير.
الثاني: أن قولك: حسبي الله فيه حصر الحسب في الله، أي حسبي الله لا غيره، فهو كقولك: لا حسب لي إلا الله، بخلاف قولك: الله حسبي، فليس فيه الحصر المذكور، فلا يدل على حصر الحسب في الله.
قوله: