قناة: محمد آل رميح.


Гео и язык канала: не указан, не указан
Категория: не указана


Похожие каналы

Гео и язык канала
не указан, не указан
Категория
не указана
Статистика
Фильтр публикаций


.
(ميزان السماء)

هناك في خطبة يوم النحر في حجة الوداع، وقد اجتمع شرف المكان والزمان والحال والعبادة، خطب النبي ﷺ خطبة وداع للأمة، فبماذا سيوصي نبي الرحمة ﷺ أمته وهو في ذلك المقام الشريف؟
ما هو النبأ الذي سينوّه به ﷺ في يوم تطاولت إليه فيه أعناق عشرات الألوف ممن حضر ذلك المنسك الجليل؟
تخايل معي ذلك الموقف مهيب!
(مائة ألف وأربعة عشر ألفًا) من الصحابة قد أصاخوا بآذانهم، وأرهفوا بسمعهم، وشخصت أبصارهم لنبيهم ﷺ وهو يخطب فيهم خطبة ما طرق الدنيا مثلها قبل، في حالها ومكانها وخطيبها وجمهورها!

قال ﷺ: «أي يوم هذا»؟
ثم سكت!
حتى ظن الصحابة أنه سيسميه بغير اسمه!
ثم قال: «أليس يوم النحر؟»
وقال الصحابة: بلى!
ثم قال: «أي شهر هذا؟»
فسكت!
حتى ظنناه سيسميه بغير اسمه!
فقال: «أليس ذو الحجة»؟
قلنا: بلى.
قال: «أي بلدة هذه؟»
أليست بلد الله الحرام؟
فقال النبي ﷺ : «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا!»، متفق عليه.

هكذا هو المعيار في ميزان السماء!
وهكذا يرد النبي ﷺ الناس إلى الحقائق المستقرة في نفوسهم ليأخذ بأيديهم على مواضع يتحسسونها يعلمون بها ما وراء ذلك!

الله، ما أعظم حق المسلم على أخيه المسلم!
مسلمٌ وكفى!
بعيداً عن كل اسم وتكتل ورابطة، غير رابطة الإسلام واسم الإسلام، {هو سماكم المسلمين}.

كم تحتاج النفس المتعبة بأعباء الجاهلية والقومية والقبلية، المحدودبة بالأثقال الدنيوية، أن تعود إلى طهر ونقاء: {إنما المؤمنون إخوة}.
ليعمر قلب المؤمن بتعظيم ما عظمه الله، ورفع ما رفعه الله.

ولطالما كان النبي ﷺ ينبه على شرف المسلم، وقدر المؤمن، وحقه على أخيه المؤمن، فعند الترمذي وابن حبان عن اﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻗﺎﻝ:
ﺻﻌﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ اﻟﻤﻨﺒﺮ
ﻓﻨﺎﺩﻯ -ﺑﺼﻮﺕ ﺭﻓﻴﻊ-
ﻓﻘﺎﻝ: «ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﻣﻦ ﺃﺳﻠﻢ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ ﻭﻟﻢ ﻳﻔﺾِ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﺒﻪ!
ﻻ ﺗﺆﺫﻭا اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ
ﻭﻻ ﺗﻌﻴّﺮﻭﻫﻢ
ﻭﻻ ﺗﺘﺒﻌﻮا ﻋﻮﺭاﺗﻬﻢ
ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ ﺗﺘﺒﻊ ﻋﻮﺭﺓ ﺃﺧﻴﻪ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﺗﺘﺒﻊ اﻟﻠﻪ ﻋﻮﺭﺗﻪ! ﻭﻣﻦ ﺗﺘﺒﻊ اﻟﻠﻪ ﻋﻮﺭﺗﻪ ﻳﻔﻀﺤﻪ ﻭﻟﻮ ﻓﻲ ﺟﻮﻑ ﺭﺣﻠﻪ!
قال: ﻭﻧﻈﺮ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﻮﻣﺎً ﺇﻟﻰ -اﻟﺒﻴﺖ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ اﻟﻜﻌﺒﺔ- ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﺃعظمك ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺣﺮﻣﺘﻚ، ﻭاﻟﻤﺆﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﺣﺮﻣﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﻨﻚ".

فأي أمر بلغ أمر المؤمن حتى كانت معاملته معيارًا لصدق الإيمان وحقيقته!

يا رب اغفر وتجاوز.


ومن العلمانية المقنّعة التفريق بين المسلم وَالإسلامي!
فيجعلون الإسلامي من لديه اهتمام إصلاحي، وعمل دعوي، ونادى بحاكمية الشريعة، وأقبل وأدبر في الرد والنقض على منحرفي المذاهب المعاصرة.
وهذه علمانية مختبئة، فإن كل مسلم يجب أن يكون الإسلام قبلته في سلوكه وعبادته وسياسته واقتصاده وفي كل محياه ومماته، وليس أمرًا مختصًا بمن يسمونه إسلاميًا، وإن كان التخصص العلمي، والتفرغ الدعوي، والبناء الإصلاحي، على رتب ودرجات، ومثله ليس ينكر، وإنما المنكر مثل هذه القسمة التي يفهم منها أن المسلم يعفى عن أصل فرض الإصلاح، وواجب إقامة الدين، ليس ملزمًا بحاكمية الشرع، ولا بإنكار الانحرافات، وحسبه أن يكون مصليًا صائمًا!


.
تأمل هذه التربية العظيمة، التي يزكي الله بها الصف المسلم، ليحذر الهوان، وينأى عن الضعف، لاسيما في سورة نزلت بعد الانكسار في أحد، فإنه قد جاء أن سورة محمد نزلت بعد أحد.
يقول ﷻ: ‏(فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون وﷲ معكم ولن يتركم أعمالكم ۝ إنما الحياة الدنيا لعب ولهو)
فنهى ﷲ المؤمنين عن الهوان والركون للضعف، وحرضهم بأربعة أمور، يحتاج موعظتها المصلحون، والدعاة، والشباب الأباة في أزمنة الانكسار والهزيمة:
١ - علو منهجهم، فالاستعلاء الإيماني يحجز عن الاستخذاء.
٢ - التذكير بمعية ﷲ لهم، فكيف يشعر بالهوان من الله معه!‏
٣- ثم سلّاهم ﷻ متلطفًا بهم: بأنّ ذكْره لمعيته ونصره لهم؛ لا يعني نفي عملهم وجهدهم ونقص أجورهم، وهذا التودد للعباد بذكر عملهم، ومجازاتهم عليه، له شأن عجيب في القرآن، من تأمله مع استحضار قوله ﷺ: «لن يدخل أحد منكم عمله الجنة»، انفتح له باب من استحضار المنة الربانية عظيم.
٤ - ثم لما كانت الدنيا وزينتها سببًا عظيمًا للهوان والركون للضعة؛ ذكّرهم بأن الدنيا لعب ولهو.


.
الاحتجاج بالخلاف الفقهي
-انقلاب الحقائق، وعكس البرهنة-

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يزال المرء يُبلى برؤية أصناف الآراء وأنواع الأهواء، فتنة وابتلاء، {وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضࣲ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِیرࣰا}، {وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَا۟ بَعۡضَكُم بِبَعۡضࣲۗ}، كلما احدودب حاجباه دهشة عاد بعدها إلى دهشة وتعجب!

ومن فسل الآراء وهزيلها: اتخاذ خلاف الناس حجة، وإقامته مقام البرهنة والدليل.
فتجد منهم من يقول: (تلك مسألة خلاف) ليخرج نفسه من عهدة النقاش بالدليل، وﷲ يقول: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى ﷲ}، وهو يقول: وما اختلفتم فيه فرخصوا لأنفسكم! وهذا قلب للحقيقة المستفادة من الآية وعكس لمقصدها التعبدي.
والله قد أنزل الكتاب حاكمًا على الخلاف، فقال ﷻ: "وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه".
وهؤلاء جعلوا الخلاف حاكمًا على الوحي قاضيا عليه، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

ومن انقلاب الحقائق عند المحتج بالخلاف: أنه جعل النتيجة مقدمة، فإنّ الخلاف الفقهي نتيجة من نتائج البحث الفقهي، وليس مقدمة للاستنباط الفقهي، فمن استدل بالخلاف الفقهي فقد قلب الأمر، وجعل النتيجة مقدمة.
فخلاف المختلفين في نظرهم الفقهي هو نتيجة لعبودية اجتهاد الفقيه في الأدلة بحسب طرق الاستدلال، فمن الانحراف أن يُنقل الخلاف من منزلة النتائج إلى رتبة المقدمات.
والشريعة لم تنصب الخلاف مفيدًا للوصول للحق، وإن كان مفيداً في إعذار المخالف، ومعرفة رتب المسائل.‏

ومن انقلاب الحقائق عند المحتجين بالخلاف: أن وجود الخلاف في مسألة من مسائل الدين العلمية أو العملية ليس مما يرفع المؤاخذة لذات الخلاف، ولا مما يسهل في تحري الحق، بل هو موضع يعظم فيه التكليف، وحال تشتد فيه التبعة للنظر والتحرّي لمعرفة الراجح، والبحث عن الحق، وهذا حال عزيمة، وأولئك جعلوا الخلاف بابًا للترخص؟‏
فطلب الحكم الشرعي وبذل الوسع لمعرفة مراد ﷲ واجبٌ على المسلم، لا يسقطه وجود الخلاف، فالاستدلال بالخلاف في مواطن النزاع تركٌ لفريضة طلب مراد ﷲ!
بل إن المؤمن ينبغي أن يكون تحرّيه لمعرفة مراد ﷲ في مواطن الخلاف أشد؛ ففي مواطن الإجماع قد كفي المؤمن كثيرًا من مؤنة الاجتهاد لاتضاح الصواب، ولذا تتكرر عليك مقالة أهل العلم بالحمد لله عند حكاية الإجماع، فتجد قائلهم يقول: وهذه مسألة إجماعية ولله الحمد، لما قد وقر في قلبه من استحضار منّة زوال الجهد وتخفيف التبعة.

ومن انقلاب القضايا عند المحتج بالخلاف: أنك تراه كلما تحدث في قضية شرعية خلافية، قال: هذه مسائل خلافية، فلا تلزموني برأيكم!
ثم إن قيل له: قد أجمع العلماء على أن الخلاف ليس حجة، فلنرجع للأدلة الشرعية، انطلق يقول: الإجماع ليس دليلًا!
فانظر عظم الخلل: يستدل بالخلاف! ثم يأبى الاستدلال بالإجماع!

ومن عكس القضايا الشرعية عند المحتج بالخلاف: أنه لما كان أصل طلب مراد ﷲ واجبًا، كان كسائر الواجبات يتوجه لكل مكلف بحسبه، فقد رتبت الشريعة درجات تطلب الحق بحسب القدرة، فمن كان من أهل الآلة العلمية، ممن تأهل في النظر وحصل دربة في طرق الترجيح فيسلك ما يستطيع من ذلك بقدره.
ومن ليس له ذلك الشأن، ممن لا يتمكن من معرفة الصواب بآلة الترجيح، ففرضه أن يسأل من يراه الأتقى الأعلم في تلك المسألة، ومن احتج بالخلاف فقد ترك فرضه إلى لا شيء.

هذا فضلا عن أن سياق ذكر الخلاف أحيانا له موضع ثقافي معين ليس خلافًا بريئًا، وإنما يوظف لتقوية الباطل وأدواته، فمن فقه الخلاف الفقهي التنبه لسياق طرح المسألة، وهذا له موضع حديث آخر.

والله أعلم وأحكم.


.
(مسألة: في تحديد أيام عيد الفطر)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد سألني بعض الفضلاء عن توسيع الناس لأحكام عيد الفطر، حتى يجعلون الأيام التي تليه مثله في أحكامه خاصة في التزاور والتهنئة والصلة والعطالة عن الأعمال والصناعات، فهل يدخل ذلك في الحدث والابتداع؟ أم أن الأمر فيه توسيع ويسر؟

وللجواب عن هذا يحسن أن ينظر في أمور:
أولًا: أن الناس ليسوا يوسعون في كل أحكام العيد الدينية توسيعًا مطلقًا، ولم نرهم ينقلون كل أحكامه للأيام التي بعده، كما هو حال عيد الأضحى، ولذا تراهم لا يمنعون صيامه، بل يبادر كثير منهم لصيام ست شوال عقب يوم الفطر، على مذهب الأكثر في استحباب المبادرة فيه. [وقد استحب الاتباع دون تأخيره وتفريقه: اﺑﻦ اﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻭاﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻭﺇﺳﺤﺎﻕ، ﻭجعله ابن مفلح احتمالًا عند الحنابلة، ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﺭﻋﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﺨﻴﺮ].
ولكن الذي شهدناه من الناس أنهم يتوسعون فيما هو من أمر الدنيا، مما يعتادونه في مثل هذا اليوم من التزاور والمعايدات والبطالة عن الأعمال، فدل على تفريقهم بين الحالين.
بخلاف لو وجد من يعتقد إلحاق غيره به في كل أحكامه، كما وجد ذلك في عصور مضت في بعض بلاد المسلمين، يجعلون ﺛﺎﻣﻦ ﺷﻮاﻝ عيدًا، ويسمونه ﻋﻴﺪ اﻷﺑﺮاﺭ، قال ابن تيمية: "ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺪﻉ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺤﺒﻬﺎ اﻟﺴﻠﻒ ﻭﻟﻢ ﻳﻔﻌﻠﻮﻫﺎ"، (الفتاوى المصرية ٤/ ٤١٤).

ثانيًا: لا زال الفقهاء يعطون الأيام التي تلي عيد الفطر بعض ما يصنعونه في هذا اليوم، ولذا يذكرون في حكمة زكاة الفطر، وأنها ﺻﺎﻉ ﺑﺮ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﻣﺪاﺩ، قالوا: هي ﻛﻔﺎﻳﺔ ﻓﻘﻴﺮ في ﺃﻳﺎﻡ ﻋﻴﺪ، شرح منتهى الإرادات، (١/ ٤٤٢).

وقد ذكر جمع من الفقهاء، في مباحث الأيمان والنذور، فيمن حلف على أمر وعلّقه بانتهاء أيام العيد، فنص جمع من الفقهاء أن ذلك معلق بما يعتاد فيه الناس اجتماع الأقارب، والمباركة، وتعطيل الأسواق والصناعات والمدارس، (المحيط البرهاني، ٣/ ٤٩٩).

ﻭعند الحنابلة أن أحكام اليمين المعلقة بأﻳﺎﻡ عيد الفطر ﺗﺆﺧﺬ ﺑﺎﻟﻌﺮﻑ، (الفروع: ١١/ ٤٧)، ﻓﻲ ﻛﻞ ﺑﻠﺪ ﺑﺤﺴﺒﻪ، (شرح منتهى الإرادات: ٣/ ٤٥٢).
فإن أحمد سئل: ﺇﺫا ﺣﻠﻒ لا يدخل على زوجه ﺃﻳﺎﻡ اﻟﻌﻴﺪ، ﻓﻘﺎﻝ أحمد: ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻌﺮﻓﻪ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﻳﻌﻬﺪﻭﻥ ﺑﻴﻨﻬﻢ. (المبدع، ٨/ ٨٨).

ثالثًا: هناك من أحكام العيد ما يراعى فيها الأيام عقب عيد الفطر، وربما كانت وقتًا لها، فإنه يجوز في التبع ما لا يجوز في الاستقلال:
- ومن ذلك قضاء صلاة العيد لمن لم يبلغه رؤية الهلال إلا بعد الزوال، كما هو مذهب الحنفية والحنابلة.
- ووجوب إخراج زكاة الفطر لمن أيسر أو زال عذره في أيام العيد، فيخرجها عقب يوم عيد الفطر. (الفروع: ٤/ ٢١٥)
وحده بعضهم بستة أيام، (شرح الزركشي: ٢/ ٥٤١)
- وككراهية بعض السلف صيام ست شوال عقيب العيد مباشرة، كما هو مذهب معمر وعبد الرزاق، ففي مصنف عبد الرزاق سألت معمرًا عن صيام الست التي بعد يوم الفطر، وقالوا له: تصام بعد الفطر بيوم؟
فقال: معاذ الله! إنما هي أيام عيد وأكل وشرب! ولكن تصام ثلاثة أيام قبل ايام الغر أو بعدها، وأيام الغر: ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر.
وكان عبد الرزاق يكره أن يصام اليوم الثاني، ويأباه إباء شديدًا. (المصنف، برقم ٧٩٢٢).
وقد استحب بعض الحنفية عدم اتباع العيد بصيام الست.

•• وعليه فما يعتاده الناس في الأيام بعد يوم عيد الفطر من تزاورهم واحتفالهم ليست من الابتداع والحدث، بل الأمر فيه على اليسر والرفق والسعة، والعلم عند رب العالمين.


• ولا تزال هذه الأمة المباركة يخلف صالحَ سلفها صالحٌ من خلفها، يتقفر الشأن الأول ويعيد جميل الفضائل.
- ومن شجي ما وجدتُ في ذلك خبرًا عن العلامة : عبد الله بن عقيل، - وهو أحد والدينا في سلسلة الفقه - ذكره أحد أخص طلابه الدكتور : هيثم الحداد، - وكان قد لازمه سنين طويلة - فذكر:  أنه كان إذا سافر؛ تعاهده الشيخ بالاتصال والسؤال.. يقول: "وربما مكثت زوجتي في بيت أهلها، فيتصل بهم سائلا عنها، وعن أحوالها وأولادها، طالبا الحديث معها متفقدا أحوالها مصرا أن لا تلجأ لأحد بعد الله إلا إليه.. وهو على كبر سنه وكثرة انشغاله ومقامه وفضله بين الناس لم يأنف أو يستكثر الاتصال الدائم بزوجتي مع أنها في عمر حفيداته.. ولما انتقلتُ مع عائلتي للحياة في بريطانيا ما انفك عن عنايته، وحتى لا يفوته الاتصال الدائم بي اتخذ من موعده الشهري الذي يصوم فيه الأيام البيض بمكة موعدا للاتصال بي في بريطانيا، وإذا حصل وسبقته بالاتصال يفرح بذلك فرحة عظيمة ممزوجة بعتاب نفسه لا أظن أحدا يتخيل سببه لمَ لمْ يسبق هو بالاتصال ! وقد اعتاد الشيخ منذ سنوات طويلة قضاء الأيام البيض في مكة كل شهر يسافر بالطائرة"، مجموعة الشيخ ابن عقيل (٤ / ٣٠٤).
رحم الله الشيخ ابن عقيل وجميع علمائنا ووالدينا في النسب والعلم .. آمين.

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.


• وهذا الاعتراف الأبوي بالتعلم من الأصحاب والطلاب؛ منك -على طرف الثمام - في كتب تراجم العلماء كثيرًا، قال ابن عيينة: "يلومونني على حب ابن المديني، والله لما أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني"، تاريخ بغداد، (١٣ / ٤٢١)

وقال المازني: "قرأ عليَّ الرياشيُ  كتاب سيبويه  فاستفدت منه أكثر مما استفاد مني"، معجم الأدباء ( ٤ / ١٤٨٣ ).

• وأطول من ذلك وأفخم ما اشتهر في تراجم أهل الرواية -من حفاظ الحديث- في أخذهم عن طلابهم والرواية عنهم، مع طلبهم العلو في الإسناد وحرصهم عليه، بما تجده في علم (رواية الأكابر عن الأصاغر) من علوم الحديث.
مع أنّ الإقرار بتلقي الإفادة ربما بخسه القرين مع قرينه، فيأبى الإقرار له باستفادة أو تعلم - فضلا عن الشيخ مع تلميذه - لكن من تحققت فيه صفة أبوة العلم خلا فؤاده من مثل هذه الضِّنة، وخفّ لسانه ببذل الثناء لمن أفاده من طلابه.

• وقد تجده مع ارتفاع كعبه في العلم، لا يأنف أن يسأل أحدًا من طلابه، كما كان ابن مسعود يسأل زرًا عن العربية، وكان زرٌ من أعرب الناس، الثقات (٤ / ٢٦٩)

• بل عساه أن ينْفَحه هدية وَصِلة، جزاء إفادته مكافأة له، فعن عكرمة قال: قرأ ابن عباس هذه الآية: "لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا"، قال ابن عباس: لم أدر أنجا القوم أم هلكوا؟
قال عكرمة: فما زلت أبين له حتى عرف أنهم قد نجوا!
قال: فكساني حلة"، تفسير الطبري (١٣/ ١٨٧) .

• هذا.. ولقد كان العهد أن تذكر أحاديث تعظيم الطلاب لشيوخهم وأخبار إجلال المستفيد الصغير من المفيد الكبير، وتفخيم حرمته، والتنويه بذلك، ولئن كان ذلك كذلك؛ فقد كان صالحو العلماء يفخمون شأن النجباء من الطلاب، ويرفعون أمرهم، ويعرفون لهم قدرهم، ومن ذلك أن الحافظ أبا عبد الله الحاكم كان إذا رأى الحافظ أبا عثمان الصابوني قام له، وكان يعتدّ بكونه من أصحابه، هذا وهو يكبره بأكثر من أربعين سنة، طبقات الشافعية ( ٤ / ٢٧٦ ).

• ونقل السخاوي عن شيخه ابن حجر في -الجواهر والدرر- قال: "لم يكن يذكر أحدًا من طلبته ولو صغر؛ إلا بصاحبنا فلان، وما كنت أظنه يقصد مع التواضع بذلك إلا التنويه بذكرهم"، ( ٣ / ١٠٢٥ ).

• وربما بلغ هذا الترفق والحنو مبلغًا يتعجّب منه القارئ، ومنه ما جاء في ترجمة محمد بن عبد الله التجيبي: "أنه كان آية في التواضع، إذا فرغ من الإقراء نهض مسرعًا فقدم لطلابه نعالهم!"، بغية الوعاة (١ / ١٤٢)

ولعلك أن تجد من ينكر على صاحب هذا الصنيع صنيعه، ويراه حطة بالعلم الذي شأنه أن يصان عن الابتذال في غير محله، لكن الذي لا ينبغي أن يُختلف فيه أن تعليم العلم وتبليغ الدين وتدريسه لا يجوز أن يكون مثابة تجبر وعُتو وارتفاع على الطلاب.

• وكما أن الأب لا يضم نفسه عن ابنه، ولا يكنز عنه مالًا ولا جهدًا ولا جاهًا، فكذا العالم ينبغي ألا يكنز عن طلابه ما يقدر على بذله لهم، ومن حلو ما يذكر هنا؛ ما جاء عن الفقيه الصالح أبي عبدالله الكشفلي الطبري الشافعي، وكان معروفا بإكرام الطلبة والقيام بهم، وحصل أن اشتكى بعضهم إليه حاجة وفاقة، وأنه تأخرت عنه نفقته التي ترد إليه من أبيه، فأخذه بيده وذهب لبعض التجار فاستقرض له منه خمسين دينارًا.
فقال التاجر: حتى تأكل شيئا فمد السماط فأكلوا، وقال: يا جارية هاتي المال، فأحضرت شيئًا من المال فوزن ودفعها للشيخ.
فلما قاما إذا بوجه ذلك الطالب قد تغير، فقال له الكشفلي: مالك؟
قال: قد سكن قلبي حب هذه الجارية! فرجع به إلى التاجر!
فقال: قد وقعنا في فتنة أخرى!
قال: ما هي؟
قال: إن الفقيه قد هوي الجارية! فأمر التاجر بأن تخرج، وسلمها إليه، وقال: ربما تكون قد وقع في قلبها منه مثل الذي وقع في قلبه منها!"، طبقات الشافعية، (٤ / ٣٧٣)

• ومما وجدته فآنقني ولذَّ لي، ما جاء عن شيخ الحنابلة منصور بن يونس البهوتي الإمام الفقيه المشهور فقد "كان له مكارم دارّة، وكان في كل ليلة جمعة يجعل ضيافة ويدعو جماعته من المقادسة، وإذا مرض منهم أحد عاده وأخذه إلى بيته، ومرضه إلى أن يشفى"، خلاصة الأثر ( ٤ / ٤٢٦ ).

• ومن ذلك ما ذكره السخاوي عن عناية شيخه ابن حجر بطلابه قال: "منهم من يتفقده كل قليل، ومنهم من يقرر له شيئا ينفقه كل يوم، ومنهم من يتفقده عند قدومه وعند سفره ، ومنهم من يعلم عدم حاجته لكنه يحب إكرامه"، الجواهر والدرر، (٣ / ١٠١٣)

• لكن تمام الأبوة العلمية أن يبذل العالم من نفسه لأبنائه من أهل الدراسة والاستفادة، كما كان من ابن تيمية، فقد كان ذا نصرة وفزعة للناس خاصة طلابه ومن اتصل به، فحين وقعت على الجمال المزي تلك القضية، لما قرأ تحت قبة النسر -في الجامع الأموي- كتاب (خلق أفعال العباد)، فاعتقل المزي، فبلغ ابن تيمية ذلك، فقام حافيًا ومعه أصحابه فأخرجه من الحبس! نهاية الأرب (٣٢ / ١١٢).

وهكذا فلتكن المشيخة! وهكذا فلتكن أبوة العلم ورحمه! أما أن يشحّ الشيخ بنفسه عن طلابه، لا يقرب منهم ولا ينفق ولا ينصر؛ فهذا قعود عن منزلة الإمامة وتقصير دونها.


.
               
بسم الله الرحمن الرحيم

أبوة العلم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن الحديث عن قَرابةِ العلم ونسبِه ربما يدفعه ويتعجب منه من حُرِم رابطة العلم وقرابته ورَحِمه ولم يتصل له به نسب إلى أهله.
فأما من خالطت قلبه أنسَة الطلب، ولذّة التتلمذ، وشامَّ أهل العلم وتأدّب في حلقهم وتحنّك بحناكهم؛ فليس يُنكر مما يجده في هذه السطور؛ إلا ما يرى من قصور عبارتي عن درْك هذا الأمر والإحاطة به.

• وأبوّة العلم والتعليم شعبة من الهدي النبوي، فقد ثبت في سنن أبي داود عن أبي هريرة قال: قال ﷺ: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم"، سنن أبي داود (برقم ٨).
وفي مصنف عبد الرزاق عن ﺑﺠﺎﻟﺔ اﻟﺘﻤﻴﻤﻲ في قصة عمر مع أبي بن كعب وفيها أن في مصحف أُبي : "اﻟﻨﺒﻲ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﺎﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻭﻫﻮ ﺃبوهم "، (برقم: ١٨٧٤٨).
فهذه أبوة رعاية وتعليم، وهي من جهة أمته بنوة إجلال وتوقير وحرمة، والعلماء ورثة الأنبياء، فلهم من تحقيق الأبوة ورعاية صفتها بحسب ما لهم من اتباع هدي النبي ﷺ.

• وقد بلغ من تعظيم ذِمام العلم وحفظ لِبانه عند أهله؛ أن تراهم يَنْحلون هذه الصِّلة المعنوية والقرابة الأدبية كلّ مَن تعلق بهم باستفادة ودراسة، ولذا كان الشيخ أبو إسحاق الشيرازي -فقيه الشافعية- يقول: "من قرأ عليّ مسألة فهو ولدي"، طبقات الشافعية ( ٤/ ٢٢٦).

• بل قد تبلغ منزلة الطالب الصالح أعظم عند الشيخ من منزلة الولد وأحب!
قال مالك بن دينار: أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه أنا وثابت البناني ويزيد الرقاشي، فنظر إلينا فقال: "ما أشبهكم بأصحاب محمد ﷺ ، لأنتم أحب إلي من عدة ولدي إلا أن يكونوا في الفضل مثلكم، إني لأدعو لكم في الأسحار"، تاريخ دمشق (٥٦ / ٣٩٨ ).

• وكما قام ذلك المعنى بقلوب الأشياخ والعلماء، فقد كان حاضرا في نفوس التلاميذ والأصحاب يرعونه رعايته ويَرْبُونه، ومما اشتهر في بابه؛ ما قاله الإمام النووي في المجموع، حين تحدث عن عثمان بن سعيد الأنماطي قال: "وهو أحد أجدادنا في سلسلة الفقه "، المجموع ( ١ / ١٥٦ ).
وقد كرّر الإمام النووي هذا المعنى في مواضع، فذكر ذلك عن ابن سريج. المجموع ( ١ / ١٥٩ )
وسفيان بن عيينة، ( ٣/ ٣٨)
والماسرجسي، ( ٣/ ٣٨٦)
وغيرهم.

• وإن من بركة العلم أن يعتقد صاحبه هذه الرتبة في تبليغ العلم، وأن يلتزم بلازمها، فيصطنع لطلابه ما يصطنعه الوالد مع أبنائه من الإكرام والعطاء والحياطة والتربية.
ومن لازم ذلك بذل العلم لطلابه بسخاوة خاطر، طيّبة به نفسُه، دون عنت وشمَز، وقد كان أحمد بن سليمان الصواف المالكي - وهو من رجال سحنون وأصحابه - يقول: "أنا حبس وكتبي حبس!"، الديباج المذهب ( ٩٥ ).
فانظر هذا المنزل الرقيق الذي أنزله نفسه، حتى شبّهها بالأحباس الموقوفة المبذولة لمن مدّ يده من أصحابها.

• والأبوّة العلمية داعية لذلك مقتضية له، فإن خاصّتها من الأخلاق؛ احتمال الطلاب في طلبهم، وعدم التحامي عنهم، وقد جاء في ترجمة الحافظ أبي نعيم الأصبهاني: "أنه كان يقرِئ إلى قريب من الظهر، فإذا قام إلى داره كان يُقرَأ عليه في الطريق، وكان لا يضجر من ذلك"، تاريخ الإسلام (٩ / ٤٦٨).

• ومن الأخبار العظيمة التي تدل على برّهم بطلابهم والتحنن عليهم، أن أسد بن الفرات حين قدم على ابن القاسم ليأخذ عنه، قال ابن القاسم: "كنت أختم في اليوم والليلة ختمتين، فقد نزلت لك عن واحدة! رغبة في إحياء العلم"، سير أعلام النبلاء ( ٧ / ٥٤٧).

• وقد ذكر ابن اللباد اللغوي الطبيب أنه أخذ على الوجيه الواسطي في اللغة وهو صبي قال: "فكان يأخذني بكلتا يديه ويعلمني بوجوه كثيرة من التلطف، فإذا خرجنا من المسجد ذاكرني في الطريق.."، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، لابن أبي أصيبعة (٦٨٤).

• وهذا ليس مما يتعجب منه عند أولئك الأطهار، لكن انظر هنا خبر سعيد بن المسيب في بذله للعلم وتبليغه وهو على مشفر الموت، وكان سعيد قد أُخذ بأمر عبد الملك بن مروان، وأُقيم في الشمس، وظنوا أنه سيقتل فدنا منه قتادة قال: "وجعلت أسأله خوفا من أن يفوتني، وهو يجيبني حسبة! والناس يتعجبون"، سير أعلام النبلاء، ( ٤/ ٢٣٢)

• ثم ألم تسمع كلمة البر من الشافعي للربيع بن سليمان يومًا: "لو أمكنني أن أطعمك العلم لأطعمتك".
وكان الربيع بطيء الفهم، فكرر عليه الشافعي مسألة أربعين مرة فلم يفهم، وقام من المجلس حياء، فدعاه الشافعي في خلوة، وكرر عليه حتى فهم! طبقات الشافعية، (٢ / ١٣٤)

• وقد اقتصّ الإمام الربيع هذا الخلق وامتثله، فكان مما كتبه الربيع إلى البويطي: "اصبر نفسك للغرباء، وحسّن خلقك لأهل حلقتك"، طبقات الشافعية (٢ / ١٦٥)

• وأبلغ من ذلك أنه -رحمه الله- كان ينوّه باستفادته من طلابه وأصحابه فجاء عنه: "استفدنا من ابن خزيمة أكثر مما استفاد منا"، طبقات الشافعية ( ٣ / ١١٢ )


• تقبل الله مني ومنكم
ومن العايدين العابدين
ورزقني ﷲ وإياكم رضاه
ولا تنسوا أخاكم والمسلمين جميعًا من الدعاء، فقد رُوِي عن أبي موسى أنه قال: "ﺇﻥّ ﻫﺬا ﻳﻮﻡ ﻻ ﻳﺮﺩّ ﻓﻴﻪ اﻟﺪﻋﺎء، ﻓﺎﺭﻓﻌﻮا ﺭﻏﺒﺘﻜﻢ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ، ﻭﺳﻠﻮﻩ ﺣﻮاﺋﺠﻜﻢ، ﻭﺭﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ ﻻ ﻳﺠﺎﻭﺯ ﺑﻬﻤﺎ ﺃﺫﻧﻴﻪ، ﺛﻢ ﺩﻋﺎ"، (رواه الفريابي في كتابه أحكام العيدين، ص ١٩٧).


.
التكبير في عيد الفطر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فالتكبير لعيد الفطر مستحب عند جماهير أهل العلم، لقوله: (وَلِتُكۡمِلُوا۟ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا۟ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ).

• وهو آكد من تكبير الأضحى، عند الأكثر، ونقل عبد الله بن أحمد عن أبيه في مسائله ﻗﺎﻝ: "ﻳﻮﻡ اﻟﻔﻄﺮ أﺷﺪّ، ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ {ﻭﻟﺘﻜﻤﻠﻮا اﻟﻌﺪﺓ ﻭﻟﺘﻜﺒﺮﻭا اﻟﻠﻪ}، وقال: ﻛﺄﻧﻪ ﻭاﺟﺐ، وصرّح بوجوبه أهل الظاهر.
ﻭﺭﻭﻯ اﻟﺪاﺭﻗﻄﻨﻲ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺴﻠﻤﻲ ﻗﺎﻝ: ﻛﺎﻧﻮا ﻓﻲ التكبير ﻓﻲ اﻟﻔﻄﺮ ﺃﺷﺪّ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ اﻷﺿﺤﻰ، وأبو عبد الرحمن ﻣﻦ ﺃﻛﺎﺑﺮ اﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ، أدرك من الخلفاء عثمان وعلي فمن بعدهم، ﻭﻫﺬا ﺇﺧﺒﺎﺭ ﻋﻦ ﻓﻌﻠﻬﻢ.

• وكان النبي ﷺ يحث عليه، حتى أمر به العواتق والنساء، ففي الصحيحين: قالت أم عطية: "ﻛﻨّﺎ ﻧﺆﻣﺮ ﺃﻥ ﻧﺨﺮﺝ ﻳﻮﻡ اﻟﻌﻴﺪ ﺣﺘﻰ ﻧﺨﺮﺝ اﻟﺒﻜﺮ ﻣﻦ ﺧﺪﺭﻫﺎ، ﺣﺘﻰ ﻧﺨﺮﺝ اﻟﺤﻴﺾ، ﻓﻴﻜﻦّ ﺧﻠﻒ اﻟﻨﺎﺱ، فيكبرن ﺑﺘﻜﺒﻴﺮﻫﻢ، ﻭﻳﺪﻋﻮﻥ ﺑﺪﻋﺎﺋﻬﻢ ﻳﺮﺟﻮﻥ ﺑﺮﻛﺔ ﺫﻟﻚ اﻟﻴﻮﻡ ﻭﻃﻬﺮﺗﻪ".

• ويبدأ من رؤية هلال شوال، لا يؤخّره عنه، عند كثير من السلف، ونقل ذلك عن ابن عباس وزيد بن أسلم.
ودلّت الآية على أنّ التكبير عقب إكمال العدة، وهي عدّة الصوم، نصّ عليه أئمة كالشافعي.

• ويكبر في غدوّه إلى المصلى، وهو مأثور عن الصحابة كعمر، وعلي ﺑﻦ ﺃﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ، وروى الدارقطني: "عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يخرج للمصلّى فيجهر بالتكبير حتى يخرج الإمام"، ﻭجاء ذلك ﻋﻦ ﻋﺮﻭﺓ ﻭﺃﺑﻲ ﺳﻠﻤﺔ.

وهو المأثور عند أهل الحجاز، ﻗﺎﻝ اﻟﺰﻫﺮﻱ: ﻣﻀﺖ اﻟﺴﻨّﺔ ﺇﺫا خرج ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺼﻠﻰ ﻳﻮﻡ اﻟﻔﻄﺮ ﺃﻥ ﻳﻜﺒﺮ ﺣﻴﻦ يخرج ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺼﻠﻰ.
ونقله أحمد عن أبي قتادة رضي الله عنه، وكان رحمه ﷲ يفعله عند غدوّه للمسجد.
وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر.

• وينقضي بخروج الإمام لصلاة العيد، عند أكثر الفقهاء، ولكن يكبر بتكبير الإمام في الخطبة والصلاة، ﻷﻥّ ﺷﻌﺎﺋﺮ العيد لم تنقضِ.
ﻭيدلّ حديث أم عطية الماضي أنهم كانوا يظهرون التكبير ﻓﻲ ﺣﺎﻝ اﻧﺘﻈﺎﺭ الإمام ﻗﺒﻞ ﺧﺮﻭﺟﻪ، وأنّ التكبير لا ينقطع ببلوغ المصلّى كما يقوله طائفة من الفقهاء.

• ويجهر بالتكبير عند أكثر أهل العلم، ﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ: "ﻭﺃﺣﺐّ ﺇﻇﻬﺎﺭ اﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻭﻓﺮاﺩﻯ"، وروى في الأمّ عن اﺑﻦ اﻟﻤﺴﻴﺐ ﻭﻋﺮﻭﺓ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ ﻭﺃبي ﺳﻠﻤﺔ ﻭﺃبي ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ الجهر بالتكبير ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻔﻄﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ.

ﻭاﺳﺘﺤﺐّ الجهر ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺷﻌﺎﺋﺮ اﻹﺳﻼﻡ، ﻭﺗﺬﻛﻴﺮ غيره من المؤمنين.
وﻓﻲ حديث أم عطية السابق ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥّ ﺇﻇﻬﺎﺭ التكبير ﻟﻠﺮﺟﺎﻝ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ العيد، ﻭﻟﻮﻻ ﺇﻇﻬﺎﺭﻩ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﻟﻤﺎ ﻛﺒّﺮ اﻟﻨّﺴﺎء ﺧﻠﻔﻬﻢ بتكبيرهم.

• ويكبر على نحو ما نقله ابن المنذر عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، أنهما كانا يكبران من صلاة الغداة يوم عرفة إلى الصلاة من آخر أيام التشريق، يقولان: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد"، وقال بهذه الصيغة كثير من السلف، كما جاء عن النخعي، والثوري، وأحمد، وإسحاق.

- وبأي صيغة كبّر المكبّر صحّ، فإنّ الأمر جاء في الآية مطلقًا، وقد تعددت صيغ تكبير الصحابة فدلّ على التوسعة، قال أبو داود في مسائله لأحمد: "سمعت أحمد سئل: كيف التكبير يوم الفطر؟ قال: الله أكبر، الله أكبر، قيل لأحمد: ابن المبارك يقول في الفطر، يعني مع التكبير: الحمد لله على ما هدانا، قال: هذا واسع".
وكان مالك لا يحدّ فيه حدًا.
وقال ابن تيمية: "صفة التكبير المنقول عند أكثر الصحابة، قد روي مرفوعًا إلى النبي ﷺ: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، وإن قال: الله أكبر ثلاثًا جاز. ومن الفقهاء من يكبر ثلاثًا فقط".

• ولا يكبرون جماعة بصوت واحد ينغمونه، ولا يكبر واحد منهم والبقية يستمعون، قال الحطّاب: "ﺑﺨﻼﻑ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎﺱ اﻟﻴﻮﻡ، ﻓﻜﺄﻥ اﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ﺇﻧﻤﺎ ﺷﺮﻉ ﻓﻲ ﺣﻖ اﻟﻤﺆﺫﻥ، ﻓﺘﺠﺪ اﻟﻤﺆﺫﻧﻴﻦ ﻳﺮﻓﻌﻮﻥ ﺃﺻﻮاﺗﻬﻢ باﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪﻡ، ﻭﺃﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﺴﺘﻤﻌﻮﻥ ﻟﻬﻢ، ﻭﻻ ﻳﻜﺒﺮﻭﻥ ﻭﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻛﺄﻥ اﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ﺇﻧﻤﺎ ﺷﺮﻉ ﻟﻬﻢ، ﻭﻫﺬﻩ ﺑﺪﻋﺔ ﻣﺤﺪﺛﺔ، ﺛﻢ ﺇﻧﻬﻢ ﻳﻤﺸﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺕ ﻭاﺣﺪ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺪﻋﺔ؛ ﻷﻥ اﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺃﻥ ﻳﻜﺒّﺮ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻭﻻ ﻳﻤﺸﻲ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺕ ﻏﻴﺮﻩ".
ونصّ على بدعية هذا غيره، كالعدوي في حاشيته، والشاطبي في الاعتصام.
وقد رأيت بداية لانتشار هذه البدعة في بلادنا في السنوات الأخيرة، وقد كانت سالمة من هذا الحدَث، فرحم ﷲ مسلمًا أعان على إطفاء البدع، وأنكرها، ونبه عليها.

والعلم عند ﷲ.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.


• • الشرح المختصر على صحيح مسلم [كتاب الصيام]:
- شرح حديث: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه».




• مواعظ من ليلة القدر (في منصة منصت):
- محمد آل رميح.
https://t.me/monsit/3406


• • الشرح المختصر على صحيح مسلم [كتاب الصيام]:
- شرح حديث: عائشة في اعتكاف النبي ﷺ واعتكاف زوجاته معه، ثم تركه للاعتكاف تلك السنة وقضائه له في شوال.




.
شفع الوتر خلف الإمام

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ، أما بعد:
     فمن المسائل التي يكثر السؤال عنها، وتدور على ألسنة المستفتين والمفتين:
(حكم قيام المأموم لركعة بعد وتر إمامه، ليشفع صلاته)، فهل ذلك مما يسوغ؟ أو أنه ترك لفضيلة الانصراف مع الإمام؟
وهل في هذا الفعل مخالفة للإمام المأمور متابعته؟
وهل هذا الفعل محدث ليس على جادة السلف الصالحين؟
أو أن الأفضل له أن يوتر معه ثم يصلي بعد ما شاء شفعًا دون وتر؟
أو أن الأفضل أن ينقض وتره ثم يصلي ما شاء ثم يوتر؟

•• فالذي يتحصل من مجموع الأصول والأدلة أنّ من صلّى مع إمامه الوتر، ثم أراد أن يتنفل بعدُ، فإن الأفضل له أن يقوم، ولا يسلم مع إمامه، ثم يشفع بركعة، ثم يصلي ما يسره ﷲ له، ثم يوتر آخر صلاته، وهذه رواية عن الإمام أحمد.

• فإن هذه الصورة، فيها تحصيل لأجر من صلى مع الإمام حتى ينصرف، كما جاء في المسند والترمذي ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺫﺭ ﻗﺎﻝ: ﺻﻤﻨﺎ ﻣﻊ ﺭﺳﻮﻝ الله ﷺ ﻓﻠﻢ ﻳﺼﻞ ﺑﻨﺎ، ﺣﺘﻰ ﺑﻘﻲ ﺳﺒﻊ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺮ، ﻓﻘﺎﻡ ﺑﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺫﻫﺐ ﺛﻠﺚ اﻟﻠﻴﻞ، ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﺑﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺩﺳﺔ، ﻭﻗﺎﻡ ﺑﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ، ﺣﺘﻰ ﺫﻫﺐ ﺷﻄﺮ اﻟﻠﻴﻞ، ﻓﻘﻠﻨﺎ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ الله ﻟﻮ ﻧﻔﻠﺘﻨﺎ ﺑﻘﻴﺔ ﻟﻴﻠﺘﻨﺎ ﻫﺬﻩ؟ ﻓﻘﺎﻝ: «ﺇﻧﻪ ﻣﻦ ﻗﺎﻡ ﻣﻊ اﻹﻣﺎﻡ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺼﺮﻑ ﻛﺘﺐ ﻟﻪ ﻗﻴﺎﻡ ﻟﻴﻠﺔ»، ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺼﻞ ﺑﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻘﻲ ﺛﻼﺙ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺮ، ﻭﺻﻠﻰ ﺑﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ، ﻭﺩﻋﺎ ﺃهله ﻭﻧﺴﺎءﻩ، ﻓﻘﺎﻡ ﺑﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺨﻮﻓﻨﺎ اﻟﻔﻼﺡ، ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻭﻣﺎ اﻟﻔﻼﺡ، ﻗﺎﻝ: اﻟﺴﺤﻮﺭ.

• وفيها أخذ بسنة ختم الصلاة الليلية بالوتر لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال ﷺ: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا».

• وفيها اتقاء لنهي النبي ﷺ من تكرار الوتر، كما في السنن والمسند عن طلق بن علي: «لا وتران في ليلة».

• ولا يقال: إنه إن قام فشفع بركعة لم يدخل في فضيلة من صلى مع إمامه حتى ينصرف، فإن من صلى مع إمامه وزاد الشفع صح أنه لم ينصرف حتى انصرف إمامه وزيادة، والقول بأن من زاد بعد إمامه ليس ممن يدخل في الحديث ظاهرية لا تلائم سياق الحديث وقصته كما سلف، وإن كان قد قال به بعض العلماء.

     وإنما يخرج عن هذه الفضيلة من لم يصل مع إمامه، أو انصرف قبله، وفي ذلك قال البهوتي في كشاف القناع: (ﻓﺈﻥ ﺃﺣﺐ ﻣﻦ ﻟﻪ ﺗﻬﺠﺪ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ الإﻣﺎﻡ ﻓﻲ ﻭﺗﺮﻩ؛ ﻗﺎﻡ ﺇﺫا ﺳﻠﻢ الإﻣﺎﻡ ﻓﺸﻔﻌﻬﺎ -ﺃﻱ ﺭﻛﻌﺔ اﻟﻮﺗﺮ- ﺑﺄﺧﺮﻯ، ﺛﻢ ﺇﺫا ﺗﻬﺠﺪ ﺃﻭﺗﺮ، ﻓﻴﻨﺎﻝ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ الإﻣﺎﻡ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺼﺮﻑ، ﻭﻓﻀﻴﻠﺔ ﺟﻌﻞ ﻭﺗﺮﻩ ﺁﺧﺮ ﺻﻼﺗﻪ).

• وفي هذا الصنيع تأخير للوتر إلى الوقت الفاضل، فإن ﺃﻛﺜﺮ اﻟﺴﻠﻒ على أن الأفضل تأخير الوتر إلى ﺁﺧﺮ اﻟﻠﻴﻞ، وهو قول ﻋﻤﺮ ﻭﻋﻠﻲ ﻭاﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﻭاﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻭاﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ.

     ﻭﻋﻦ اﺑﻦ ﺳﻴﺮﻳﻦ، ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﻳﺨﺘﻠﻔﻮﻥ ﺃﻥ اﻟﻮﺗﺮ ﻣﻦ ﺁﺧﺮ اﻟﻠﻴﻞ ﺃﻓﻀﻞ.

     ﻭقد اﺳﺘﺤﺒﻪ اﻟﻨﺨﻌﻲ ﻭﻣﺎﻟﻚ ﻭاﻟﺜﻮﺭﻱ ﻭﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻭﺃﺣﻤﺪ –ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻬﻮﺭ ﻋﻨﻪ - ﻭﺇﺳﺤﺎﻕ.

     • ويتأكد ذلك في مثل حالنا في زمننا هذا الذي خُففت فيها صلاة التراويح في المساجد، ويطمع المؤمن بالازدياد في الصلاة والقراءة والدعاء، ويرغب ختم صلاته بالوتر.

    • لاسيما على القول بعدم وجوب متابعة الإمام في نيته وفعله، كما هو مذهب الشافعي وجمع من فقهاء المحدثين، وتدل عليه أدلة.

     بل ربما كانت مستثناة من أصل المنع حتى على القول بالمنع، قال البرهان ابن مفلح في المبدع: (ﺇﺫا ﺻﻠﻰ ﻓﺮﺿًﺎ ﺭﺑﺎﻋﻴﺔ ﺧﻠﻒ ﻣﻦ ﻳﺼﻠﻲ اﻟﻈﻬﺮ ﺃﺭﺑﻌﺎ، ﻭﻗﻴﻞ: ﺃﻭ اﻟﻤﻐﺮﺏ، ﻓﺈﺫا ﺗﻢ ﻓﺮﺿﻪ ﻗﺒﻞ ﺇﻣﺎﻣﻪ، ﻫﻞ ﻳﻨﺘﻈﺮﻩ ﺃﻭ ﻳﺴﻠﻢ ﻗﺒﻠﻪ، ﺃﻭ ﻳﺨﻴﺮ؟ ﻓﻴﻪ ﺃﻭﺟﻪ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺇﺣﺪاﻫﻤﺎ ﺗﺨﺎﻟﻒ اﻷﺧﺮﻯ ﻛﺼﻼﺓ ﻛﺴﻮﻑ، ﻭاﺳﺘﺴﻘﺎء، ﻭﺟﻨﺎﺯﺓ، ﻭﻋﻴﺪ، ﻣﻨﻊ ﻓﺮﺿًﺎ، ﻭﻗﻴﻞ: نفلًا؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻓﻲ اﻷﻓﻌﺎﻝ)، فعلّق البهوتي: (ﻓﻴﺆﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﺻﺤﺔ ﻧﻔﻞ ﺧﻠﻒ ﻧﻔﻞ ﺁﺧﺮ ﻻ ﻳﺨﺎﻟﻔﻪ ﻓﻲ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻛﺸﻔﻊ ﻭﻭﺗﺮ ﺧﻠﻒ ﺗﺮاﻭﻳﺢ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮﻝ اﻟﺜﺎﻧﻲ).

    • ولا يقال: بأن ترك الوتر مع الإمام رأسا هو الأفضل ثم يستدل بأن أبي بن كعب ترك جماعة التراويح، فإن أبي بن كعب كان إمامًا، وإنما موضع الإشكال في المأموم.

     • ولا يقال: إن هذا ليس مأثورًا عن الصحابة، فإن جمهور الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يصلون منفردين، ومن صلى جماعة منهم فقد كان يطيل الصلاة، وهذا بخلاف حال أكثر مساجدنا، والله المستعان.

والعلم عند رب العالمين


• • الشرح المختصر على صحيح مسلم [كتاب الصيام]:
- شرح حديث: عبد الله بن أنيس في تحري ليلة ثلاث وعشرين.




.
ليلة الجهني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول ﷲ، أما بعد:
     فمن ليالي الوتر التي ترجى فيها ليلة القدر، وكان يخصها جمع من السلف بمزيد عناية ليلة ثلاث وعشرين، وكان أهل المدينة يسمونها ليلة الجهني كما ذكر ذلك الواقدي وابن قتيبة وابن عبد البر.

• فهي إحدى الليالي التي قامها النبي ﷺ بصحابته وأطال القيام، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه عند الترمذي وأبي داود.

• وهي إحدى الليالي التي أُري فيها النبي ﷺ علامةً لليلة القدر، كما في صحيح مسلم عن عبد الله بن أنيس.

• وكان ينزلها عبد الله بن أنيس رضي الله عنه من باديته، كما في الموطأ، والمسند، وأبي داود.

• وقال البيهقي في سننه في حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم: ﻗﺎﻝ: ﺗﺬاﻛﺮﻧﺎ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻘﺪﺭ ﻋﻨﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﻘﺎﻝ: «ﺃﻳﻜﻢ ﻳﺬﻛﺮ ﺣﻴﻦ ﻃﻠﻊ اﻟﻘﻤﺮ ﻭﻫﻮ ﻣﺜﻞ شق جفنة».
قال: "ﻭﻗﺪ ﻗﻴﻞ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﺜﻼﺙ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ".

• وفي المسند والنسائي في الكبرى ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺇﺳﺤﺎﻕ، ﺃﻧﻪ ﺳﻤﻊ ﺃﺑﺎ ﺣﺬﻳﻔﺔ، ﻳﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺭﺟﻞ، ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ عنه ﷺ ﻗﺎﻝ: «ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻰ القمر ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻘﺪﺭ ﻓﺮﺃﻳﺘﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﻓﻠﻖ جفنة»، ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺇﺳﺤﺎﻕ: ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺻﺒﻴﺤﺔ ﺛﻼﺙ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ، وأبو حذيفة هو سلمة بن صهيب تابعي كوفي ثقة.

• وكانت عائشة رضي الله عنها توقظ شباب التابعين في هذه الليلة، رواه عبد الرزاق.

• وكان بلال رضي الله عنه يراها ليلة ثلاث وعشرين، رواه ابن أبي شيبة.

• وفي مصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة: أن اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ رضي الله عنهما كان ﻳﻨﻀﺢ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻠﻪ اﻟﻤﺎء ﻟﻴﻠﺔ ﺛﻼﺙ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ.
- وكان قد رأى ابن عباس رضي الله عنهما فيها رؤيا، رواه أحمد.

• وفي مصنف عبد الرزاق أن ﺃﻳﻮﺏ السختياني رحمه الله كان ﻳﻐﺘﺴﻞ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺛﻼﺙ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ، ﻭﻳﻤﺲ ﻃﻴﺒًﺎ.
- ولا تنس أن أيوب السختياني رحمه ﷲ هو راوي حديث اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ: ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ، ﻗﺎﻝ: «اﻟﺘﻤﺴﻮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮ اﻷﻭاﺧﺮ ﻣﻦ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻘﺪﺭ، ﻓﻲ ﺗﺎﺳﻌﺔ ﺗﺒﻘﻰ، ﻓﻲ ﺳﺎﺑﻌﺔ ﺗﺒﻘﻰ، ﻓﻲ ﺧﺎﻣﺴﺔ ﺗﺒﻘﻰ»، عند البخاري عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما.
- وهو راوي حديث اﺑﻦ ﻋﻤﺮ رضي الله عنهما أن رجلًا جاء ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺇﻧﻲ ﺭﺃﻳﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﻮﻡ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻘﺪﺭ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻟﻴﻠﺔ ﺳﺎﺑﻌﺔ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ: «ﺃﺭﻯ ﺭﺅﻳﺎﻛﻢ ﻗﺪ ﺗﻮاﻃﺄﺕ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺳﺎﺑﻌﺔ، ﻓﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﺘﺤﺮﻳﻬﺎ ﻣﻨﻜﻢ، ﻓﻠﻴﺘﺤﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺳﺎﺑﻌﺔ»، رواه عن نافع عن ابن عمر، عند عبد الرزاق.
- وهو راوي حديث ليلة الجهني رضي الله عنه، وأن النبي ﷺ سارّه بها، فلا ﻳﺪﺭﻱ ﺃﺣﺪ ﻣﺎ ﺃﻣﺮﻩ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺎﺱ: اﻧﻈﺮﻭا اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮﻡ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻬﻨﻲ ﻓﻜﺎﻥ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻟﻴﻠﺔ ﺛﻼﺙ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﻧﺰﻝ ﺑﺄﻫﻠﻪ، ﻭﻗﺎﻡ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ»، وهو عند عبد الرزاق وفيه جهالة.

• وكان يتحراها من الصحابة كذلك علي وابن مسعود ومعاوية، رضي الله عنهم.

• وكان الحسن البصري رحمه ﷲ يراها هذه الليلة بعلاماتها، عبد الرزاق.

• وكان مكحول رحمه ﷲ يراها ليلة ثلاث وعشرين، رواه عبد الرزاق.

• وكذا كان زيد بن ثابت رضي الله عنه يخص ليلة ثلاث وعشرين وسبع وعشرين فلا يحيي ليلة كإحيائهما، ذكره المروزي في قيام الليل.

• وكان بعض علماء وعباد المدينة يخص هذه الليلة بمزيد: فكان عمر بن الحسين لا يصلي التراويح مع الناس، إلا هذه الليلة، فكان يصلي معهم، ذكره المروزي.
- وكان ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻳﺠﺘﻬﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ، رواه البيهقي.

والعلم عند الله.


• • الشرح المختصر على صحيح مسلم [كتاب الصيام]:
- شرح حديث: اعتكاف النبي ﷺ للعشر الأول ثم الثانية ثم العشر الأخيرة..

Показано 20 последних публикаций.

2 134

подписчиков
Статистика канала