#من_أقلامهم
✍🏻 تعليم القرآن لا تحفيظه
د. عبدالله الأهدل
goo.gl/7iyzjv
#تعليم_القرآن #تحفيظ_القرآن
ظاهرة انتشار حلقات التحفيظ في العالم الإسلامي هي ظاهرة صحية تدلُّ على الاعتناء بكتاب الله حفظًا, ولكنَّ الاقتصار على ذلك هو خطرٌ تربويٌّ فادح, فإنَّك كثيرًا ماتجد حفَّاظ القرآن مَن يتنافى سلوكه معه, مع ضحالةٍ في المعرفة والعلم, وماذلك إلا بسبب الطريقة الخاطئة التي يُتلَقَّى بها القرآن.
لم تكن تلك الطريقة هي طريقة الصحابة (الجيل الفريد) الذي قاد العالم وأخرجه من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد, يبيِّن لنا الصحابي الجليل ابن مسعود -رضي الله عنه- كيف كانوا يتعلمون القرآن: قال: «كان الرجل منَّا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهنَّ حتى يعرف معانيهنَّ والعمل بهنَّ» [رواه ابن جرير (81) وسنده صحيح].
وقال تعالى مبينًا وظيفة الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- في تعليم القرآن: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة/129].
1. (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ) بقراءتها عليهم وتصحيح تلاوتها وهذا يتضمَّن إيصال المعلومة.
2. (وَيُزَكِّيهِمْ) والتزكية هي: التطهير والتربية به عبادةً وسلوكًا.
3. (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) وهذا غير تلاوة الكتاب لأنَّه يعني بيان معانيه وتفسيره.
ثمّ يأتي دور الحفظ ليُسهِّل تلاوتَه وتذكُّرَه والعملَ به والتزكيةَ به, فهذه هي الطريقة الصحيحة المثمرة والكفيلة بإخراج نماذج فذَّة يمكن أن تساهم في نهضة الأمَّة, وتغيِّر واقعها..
وهذا الأسلوب ممكن تطبيقه حتى على حلقات الأطفال -بل هم أولى- وذلك من خلال تبسيط المعلومة, وتفهيم القرآن بأسلوبٍ سهل, وتقويم سلوك الطفل أو قارئ القرآن بشكل دائم.
قال الحافظ ابن كثير: "فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك وطلبه من مظانّه وتعلم ذلك وتعليمه, كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران/187] , "انتهى كلام ابن كثير انظر المقدمة".
إنَّنا ما لم نسلك طريقة الصحابة في تعليم القرآن فإنَّنا سنخرج حفَّاظًا يقرؤون القرآن ولا يفهمون معناه ولا يعملون بمقتضاه كأولئك الذين ذمَّهم الله ورسوله من أهل الكتاب؛ قال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾ [الجمعة/5]. قال مجاهد: يحمل أسفارًا: يحمل كتبًا لا يدري مافيها ولا يعقلها. [رواه الطبري (23/377) بسندٍ صحيح].
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاء، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ: «هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ» فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ: كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا القُرْآنَ فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ، إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ المدِينَةِ هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟» قَالَ جُبَيْرٌ: فَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، قُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَالَ: «صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، إِنْ شِئْتَ لَأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ؟ الخُشُوعُ، يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلًا خَاشِعًا» [رواه الترمذي (2653) وقال: حسن غريب. وصححه الألباني].
فإذا قرأ طالب القرآن ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ ثمَّ لم يطبِّق ذلك سلوكًا, فما قيمة ذلك..؟
ولا يعني هذا أن نترك تحفيظ القرآن أو نقلِّل من شأنه, بل حفظ القرآن واستظهاره من الغايات العظيمة والمقامات العالية الشريفة, ولكنّ المقصود هو أن تكون طريقة تحفيظنا للقرآن الكريم موافقةً لما كان عليه النبي -صلَّى الله عليه وسلم- مع أصحابه, من اقتران الحفظ بالفهم والتطبيق, والذي هو الهدف الأسمى من نزول هذا الكتاب العزيز, قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص/29]. ولن يصلح آخر هذه الأمَّة إلا ماصلح أوَّلها.
✍🏻 تعليم القرآن لا تحفيظه
د. عبدالله الأهدل
goo.gl/7iyzjv
#تعليم_القرآن #تحفيظ_القرآن
ظاهرة انتشار حلقات التحفيظ في العالم الإسلامي هي ظاهرة صحية تدلُّ على الاعتناء بكتاب الله حفظًا, ولكنَّ الاقتصار على ذلك هو خطرٌ تربويٌّ فادح, فإنَّك كثيرًا ماتجد حفَّاظ القرآن مَن يتنافى سلوكه معه, مع ضحالةٍ في المعرفة والعلم, وماذلك إلا بسبب الطريقة الخاطئة التي يُتلَقَّى بها القرآن.
لم تكن تلك الطريقة هي طريقة الصحابة (الجيل الفريد) الذي قاد العالم وأخرجه من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد, يبيِّن لنا الصحابي الجليل ابن مسعود -رضي الله عنه- كيف كانوا يتعلمون القرآن: قال: «كان الرجل منَّا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهنَّ حتى يعرف معانيهنَّ والعمل بهنَّ» [رواه ابن جرير (81) وسنده صحيح].
وقال تعالى مبينًا وظيفة الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- في تعليم القرآن: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة/129].
1. (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ) بقراءتها عليهم وتصحيح تلاوتها وهذا يتضمَّن إيصال المعلومة.
2. (وَيُزَكِّيهِمْ) والتزكية هي: التطهير والتربية به عبادةً وسلوكًا.
3. (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) وهذا غير تلاوة الكتاب لأنَّه يعني بيان معانيه وتفسيره.
ثمّ يأتي دور الحفظ ليُسهِّل تلاوتَه وتذكُّرَه والعملَ به والتزكيةَ به, فهذه هي الطريقة الصحيحة المثمرة والكفيلة بإخراج نماذج فذَّة يمكن أن تساهم في نهضة الأمَّة, وتغيِّر واقعها..
وهذا الأسلوب ممكن تطبيقه حتى على حلقات الأطفال -بل هم أولى- وذلك من خلال تبسيط المعلومة, وتفهيم القرآن بأسلوبٍ سهل, وتقويم سلوك الطفل أو قارئ القرآن بشكل دائم.
قال الحافظ ابن كثير: "فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك وطلبه من مظانّه وتعلم ذلك وتعليمه, كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران/187] , "انتهى كلام ابن كثير انظر المقدمة".
إنَّنا ما لم نسلك طريقة الصحابة في تعليم القرآن فإنَّنا سنخرج حفَّاظًا يقرؤون القرآن ولا يفهمون معناه ولا يعملون بمقتضاه كأولئك الذين ذمَّهم الله ورسوله من أهل الكتاب؛ قال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾ [الجمعة/5]. قال مجاهد: يحمل أسفارًا: يحمل كتبًا لا يدري مافيها ولا يعقلها. [رواه الطبري (23/377) بسندٍ صحيح].
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاء، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ: «هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ» فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ: كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا القُرْآنَ فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ، إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ المدِينَةِ هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟» قَالَ جُبَيْرٌ: فَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، قُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَالَ: «صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، إِنْ شِئْتَ لَأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ؟ الخُشُوعُ، يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلًا خَاشِعًا» [رواه الترمذي (2653) وقال: حسن غريب. وصححه الألباني].
فإذا قرأ طالب القرآن ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ ثمَّ لم يطبِّق ذلك سلوكًا, فما قيمة ذلك..؟
ولا يعني هذا أن نترك تحفيظ القرآن أو نقلِّل من شأنه, بل حفظ القرآن واستظهاره من الغايات العظيمة والمقامات العالية الشريفة, ولكنّ المقصود هو أن تكون طريقة تحفيظنا للقرآن الكريم موافقةً لما كان عليه النبي -صلَّى الله عليه وسلم- مع أصحابه, من اقتران الحفظ بالفهم والتطبيق, والذي هو الهدف الأسمى من نزول هذا الكتاب العزيز, قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص/29]. ولن يصلح آخر هذه الأمَّة إلا ماصلح أوَّلها.