《 بسم الله الرحمن الرحيم 》
---------- حقيقة الدنيا في القرآن ----------
▪︎ تأمل .
بما شبه الله - تعالى - الدنيا في القرآن
قال تعالى :
﴿إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَـٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا یَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَـٰمُ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّیَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَاۤ أَنَّهُمۡ قَـٰدِرُونَ عَلَیۡهَاۤ أَتَىٰهَاۤ أَمۡرُنَا لَیۡلًا أَوۡ نَهَارࣰا فَجَعَلۡنَـٰهَا حَصِیدࣰا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ﴾ [يونس ٢٤]
وهذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابق لحالة الدنيا، فإن لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتًا قصيرًا، فإذا استكمل وتم اضمحل، وزال عن صاحبه، أو زال صاحبه عنه، فأصبح صفر اليدين منها، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها.
فذلك ﴿كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ﴾ أي: نبت فيها من كل صنف، وزوج بهيج
﴿مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ﴾ كالحبوب والثمار
﴿و﴾ مما تأكل ﴿الْأَنْعَامِ﴾ كأنواع العشب، والكلأ المختلف الأصناف.
﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ﴾ أي: تزخرفت في منظرها، واكتست في زينتها، فصارت بهجة للناظرين، ونزهة للمتفرجين، وآية للمتبصرين، فصرت ترى لها منظرًا عجيبًا ما بين أخضر، وأصفر، وأبيض وغيره.
﴿وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ أي: حصل معهم طمع، بأن ذلك سيستمر ويدوم، لوقوف إرادتهم عنده، وانتهاء مطالبهم فيه.
فبينما هم في تلك الحالة ﴿أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ أي: كأنها ما كانت فهذه حالة الدنيا، سواء بسواء.
﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ أي: نبينها ونوضحها، بتقريب المعاني إلى الأذهان، وضرب الأمثال ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي: يعملون أفكارهم فيما ينفعهم.
وأما الغافل المعرض، فهذا لا تنفعه الآيات، ولا يزيل عنه الشك البيان.
• فائدة / فكان حال الدنيا في سرعة انقضائها، وانقراض نعيمها بعد عظيم إقباله؛ كحال نبات الأرض في جفافه، وذهابه حطاماً بعد ما التف وزيَّن الأرض بخضرته وألوانه وبهجته. [البقاعي:٣/٤٣٣]
▪︎ قال قتادة: ﴿كأن لم تغن﴾: «كأن لم تنعم». وهكذا الأمور بعد زوالها: كأنها لم تكن؛ ولهذا جاء في الحديث: ﴿يؤتى بأنعم أهل الدنيا، فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل رأيت خيرا قط؟ [هل مر بك نعيم قط؟] فيقول: لا، ويؤتى بأشد الناس عذابا في الدنيا، فيغمس في النعيم غمسة، ثم يقال له: هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول: لا﴾. [ابن كثير:٢/٣٩٥]
تيسير الكريم الرحمن — السعدي (١٣٧٦ هـ)
الباحث القرآني
[4]
---------- حقيقة الدنيا في القرآن ----------
▪︎ تأمل .
بما شبه الله - تعالى - الدنيا في القرآن
قال تعالى :
﴿إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَـٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا یَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَـٰمُ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّیَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَاۤ أَنَّهُمۡ قَـٰدِرُونَ عَلَیۡهَاۤ أَتَىٰهَاۤ أَمۡرُنَا لَیۡلًا أَوۡ نَهَارࣰا فَجَعَلۡنَـٰهَا حَصِیدࣰا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ﴾ [يونس ٢٤]
وهذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابق لحالة الدنيا، فإن لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتًا قصيرًا، فإذا استكمل وتم اضمحل، وزال عن صاحبه، أو زال صاحبه عنه، فأصبح صفر اليدين منها، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها.
فذلك ﴿كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ﴾ أي: نبت فيها من كل صنف، وزوج بهيج
﴿مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ﴾ كالحبوب والثمار
﴿و﴾ مما تأكل ﴿الْأَنْعَامِ﴾ كأنواع العشب، والكلأ المختلف الأصناف.
﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ﴾ أي: تزخرفت في منظرها، واكتست في زينتها، فصارت بهجة للناظرين، ونزهة للمتفرجين، وآية للمتبصرين، فصرت ترى لها منظرًا عجيبًا ما بين أخضر، وأصفر، وأبيض وغيره.
﴿وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ أي: حصل معهم طمع، بأن ذلك سيستمر ويدوم، لوقوف إرادتهم عنده، وانتهاء مطالبهم فيه.
فبينما هم في تلك الحالة ﴿أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ أي: كأنها ما كانت فهذه حالة الدنيا، سواء بسواء.
﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ أي: نبينها ونوضحها، بتقريب المعاني إلى الأذهان، وضرب الأمثال ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي: يعملون أفكارهم فيما ينفعهم.
وأما الغافل المعرض، فهذا لا تنفعه الآيات، ولا يزيل عنه الشك البيان.
• فائدة / فكان حال الدنيا في سرعة انقضائها، وانقراض نعيمها بعد عظيم إقباله؛ كحال نبات الأرض في جفافه، وذهابه حطاماً بعد ما التف وزيَّن الأرض بخضرته وألوانه وبهجته. [البقاعي:٣/٤٣٣]
▪︎ قال قتادة: ﴿كأن لم تغن﴾: «كأن لم تنعم». وهكذا الأمور بعد زوالها: كأنها لم تكن؛ ولهذا جاء في الحديث: ﴿يؤتى بأنعم أهل الدنيا، فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل رأيت خيرا قط؟ [هل مر بك نعيم قط؟] فيقول: لا، ويؤتى بأشد الناس عذابا في الدنيا، فيغمس في النعيم غمسة، ثم يقال له: هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول: لا﴾. [ابن كثير:٢/٣٩٥]
تيسير الكريم الرحمن — السعدي (١٣٧٦ هـ)
الباحث القرآني
[4]