فتح الباب على مصراعه فتطايرت بعضٌ من ذرات الغبار في المكان، كان الفاتح لذلك الباب يحفظ تفاصيل هذه الغرفة عن ظهر قلب، لكن و على عكسه فقد كانت بالنسبة للواقف إلى جواره مكانًا جديدًا تمامًا.
تكونت الغرفة من سريرٍ بسيطٍ و خزانةٍ طويلةٍ على الطرف الأيمن له، العطور التي كانت تستخدمها و مستلزماتها الخاصة ما تزال موجودةً على تسريحتها الخشبية العتيقة كما لو أنها استخدمتهم البارحة و حسب.
كانت شمس الظهيرة بأشعتها الضئيلة قد سبقتهم في الدخول إلى الغرفة عبر نافذةٍ وقعت فوق السرير، توغلت تلك الأشعة في المكان مُكسبةً إياه رونقًا دافئًا و غامضًا في الوقت نفسه.
خطا برايلين خطوتهُ الأولى إلى المكان ثم تبعهُ وايت في صمت، كان الصديق فخورًا بحقيقة بدء صديقه في تخطي الأمر و لو قليلًا .. إنه يرى أخيرًا ثمرة جهوده لثلاثة أسابيع متتالية.
- براي؟ لمَ أنت هنا؟ هل أنت جائع؟ .. لا تنظر إلي هكذا و تعال اجلس بجانبي .. ألا يجب أن تكون نائمًا في هذا الوقت؟ .. كيف كان العمل؟
شنّت كل تلك الجمل هجومًا مباغتًا على عقله فعجز هذا المسكين عن التصدي لها، نكس رأسهُ بوجعٍ و أشاح ببصره كي يلملم شتات ما تفتفت من قوته بعد أن بعثرته نبرة صوتها الدافئة.
وقف مراتٍ كثيرةً أمام هذا الباب مع مشاعر متباينة على الدوام، إلا أنها كانت تستقبله برحابة الصدر ذاتها في كل مرة .. بالتفكير في الأمر، كيف كانت تفعل ذلك يا ترى؟
هُيئ له أنه يراها جالسةً على سريرها و هي تشير إلى المكان المجاور لها كي يجلس عليه كما اعتاد من قبل، تمتم مكسورًا و هو يعض شفته السفلى بأسى : دعنا ننهي هذا سريعًا، من فضلك.
التفت وايت مغادرًا ليجلب أدوات التنظيف التي استخدمها آنفًا بينما وقف برايلين وسط تلك الغرفة وحيدًا مرةً أخرى.
نظر إلى الجانب الأيسر من الغرفة لتقع عيناه على المرآة الخاصة بتسريحتها، لمح انعكاس ابتسامتها هناك و اخترقت همساتها أذنه قائلةً : لقد كبر ابني و بات رجلًا!
- برايلين!
ناداه وايت بحزمٍ عندما أحس بأنه على حافة الغرق في أمورٍ خياليةٍ لا يمكن لعقله رؤيتها .. أفصحت قسمات وجهه عن ذلك بطريقةٍ غريبة و لكنها واضحة.
تقاسما الأدوات و المهام خلال دقائق، فأخذ وايت يزيل الغبار عن عن تلك الخزانة و محتوياتها بينما اتجه برايلين ليخوض معركةً ملحميةً مع تسريحتها التي سببت له نوعًا من الاضطراب بعد أن وقف أمامها.
استخدم منفضة الغبار ليطرد ذرات الغبار التي تطفلت على قوارير العطر الخاصة بها، سحب علبةً كان على علمٍ بأن رائحتها هي المفضلة لديها لأن هذا النوع كان هديةً من والده.
اشتم رأس تلك العلبة دون أن يطلق بعضًا من الرذاذ حيث اقتحمت ابتسامة تعجبٍ شفتيه، كيف لا يبتسم و ذكراهما معًا قد تركز القليل منها في قنينة العطر البسيطة هذه؟
لم تدم تلك الابتسامة لفترةٍ طويلة حيث أنه أعاد العطر إلى مكانهِ قبل أن تؤدي حساسيتهُ المفرطة و المفاجئة إلى أمطارٍ مفاجئة لم يكن مستعدًا لها.
خلال تأكدهِ من أن الأدراج لا تحتوي على أي شيءٍ قابلٍ للتعفن تحسس بيديهِ شيئًا ما فتوقع أنه صندوق مجوهراتها الصغير، لم يقاوم فكرة فتحه ليختلس نظرةً إليه.
سبق و أن طلبت منه بيعها ليغطيَ بعضًا من تكاليف علاجها إلا أنه رفض بشكلٍ قاطعٍ فعل ذلك، لم تكن مجوهراتها بالكثيرة في المقام الأول.
فتحهُ بتأنٍ ليجد الطقم اللؤلؤي الذي قدمه لها والده ليلة زفافهما بالإضافة إلى خاتم خطبتها، لم يتوقع أكثر من ذلك .. لم تكن والدته من محبي المجوهرات على أية حال.
حمل خاتم الخطبةِ الذهبي ثم وضع العلبة جانبًا كي يضعه وسط راحةِ يدهِ متأملًا إياه، سبق و أن أضاعت هذا الخاتم إلا أنه أمضى يومه آن ذاك في البحث عنه حتى وجده.
لم تمضِ ثوانٍ حتى خيلت لهُ يدٌ بيضاء كما الثلج حَفَرت التجاعيد تفاصيلها و قد استقرت فوق راحة يدهِ بالإضافة إلى ذلك الخاتم داخل بنصرها.
ذُعِر لظهور ذلك فجأةً فسحب يده متناسيًا أمر ذلك الخاتم، تلاشى كل شيءٍ بعدما سمع صوت ارتطامه بالأرضية الخشبية .. سيصبح مختلًا عقليًا إن لم يتوقف دماغه عن اختلاق كل هذه الأمور قريبًا .. لمَ يعذبه عقله بهذه الطريقة يا ترى؟ ألم يصدق بعد حقيقة كونها رحلت عن هذا العالم أم ماذا؟
التفت وايت نحوه ليجده يحدق في الأرضية بعد أن لفت انتباهه صوت الارتطام ذاك، تمتم بهدوءٍ و دهشة : هل كل شيءٍ بخير؟
غطى برايلين وجهه بيدهِ اليسرى و هو يسحب بعض الأنفاس العميقة كي يتخلص من كل تلك الفوضى داخله و يحاول أن يتمالك نفسه قليلًا، رتّب كلماته بصعوبة كي يرد عليه قائلًا : نعم، لا بأس.
التفت وايت ليعود إلى عمله دون أن يضيف كلمةً أخرى، من الواضح أنه يخوض حربه الخاصة خلال هذه اللحظات .. كيف يمكن لأي شخصٍ تخطي حقيقة موت شخصٍ عاشره حتى أمسى يحفظ أبسط تفاصيله؟
انحنى برايلين ليلتقط الخاتم ثم أعاده إلى العلبة مرةً أخرى، ما كان عليه فتحها منذ البداية إن كان سيتصرف كطفلٍ جبانٍ هكذا.
تكونت الغرفة من سريرٍ بسيطٍ و خزانةٍ طويلةٍ على الطرف الأيمن له، العطور التي كانت تستخدمها و مستلزماتها الخاصة ما تزال موجودةً على تسريحتها الخشبية العتيقة كما لو أنها استخدمتهم البارحة و حسب.
كانت شمس الظهيرة بأشعتها الضئيلة قد سبقتهم في الدخول إلى الغرفة عبر نافذةٍ وقعت فوق السرير، توغلت تلك الأشعة في المكان مُكسبةً إياه رونقًا دافئًا و غامضًا في الوقت نفسه.
خطا برايلين خطوتهُ الأولى إلى المكان ثم تبعهُ وايت في صمت، كان الصديق فخورًا بحقيقة بدء صديقه في تخطي الأمر و لو قليلًا .. إنه يرى أخيرًا ثمرة جهوده لثلاثة أسابيع متتالية.
- براي؟ لمَ أنت هنا؟ هل أنت جائع؟ .. لا تنظر إلي هكذا و تعال اجلس بجانبي .. ألا يجب أن تكون نائمًا في هذا الوقت؟ .. كيف كان العمل؟
شنّت كل تلك الجمل هجومًا مباغتًا على عقله فعجز هذا المسكين عن التصدي لها، نكس رأسهُ بوجعٍ و أشاح ببصره كي يلملم شتات ما تفتفت من قوته بعد أن بعثرته نبرة صوتها الدافئة.
وقف مراتٍ كثيرةً أمام هذا الباب مع مشاعر متباينة على الدوام، إلا أنها كانت تستقبله برحابة الصدر ذاتها في كل مرة .. بالتفكير في الأمر، كيف كانت تفعل ذلك يا ترى؟
هُيئ له أنه يراها جالسةً على سريرها و هي تشير إلى المكان المجاور لها كي يجلس عليه كما اعتاد من قبل، تمتم مكسورًا و هو يعض شفته السفلى بأسى : دعنا ننهي هذا سريعًا، من فضلك.
التفت وايت مغادرًا ليجلب أدوات التنظيف التي استخدمها آنفًا بينما وقف برايلين وسط تلك الغرفة وحيدًا مرةً أخرى.
نظر إلى الجانب الأيسر من الغرفة لتقع عيناه على المرآة الخاصة بتسريحتها، لمح انعكاس ابتسامتها هناك و اخترقت همساتها أذنه قائلةً : لقد كبر ابني و بات رجلًا!
- برايلين!
ناداه وايت بحزمٍ عندما أحس بأنه على حافة الغرق في أمورٍ خياليةٍ لا يمكن لعقله رؤيتها .. أفصحت قسمات وجهه عن ذلك بطريقةٍ غريبة و لكنها واضحة.
تقاسما الأدوات و المهام خلال دقائق، فأخذ وايت يزيل الغبار عن عن تلك الخزانة و محتوياتها بينما اتجه برايلين ليخوض معركةً ملحميةً مع تسريحتها التي سببت له نوعًا من الاضطراب بعد أن وقف أمامها.
استخدم منفضة الغبار ليطرد ذرات الغبار التي تطفلت على قوارير العطر الخاصة بها، سحب علبةً كان على علمٍ بأن رائحتها هي المفضلة لديها لأن هذا النوع كان هديةً من والده.
اشتم رأس تلك العلبة دون أن يطلق بعضًا من الرذاذ حيث اقتحمت ابتسامة تعجبٍ شفتيه، كيف لا يبتسم و ذكراهما معًا قد تركز القليل منها في قنينة العطر البسيطة هذه؟
لم تدم تلك الابتسامة لفترةٍ طويلة حيث أنه أعاد العطر إلى مكانهِ قبل أن تؤدي حساسيتهُ المفرطة و المفاجئة إلى أمطارٍ مفاجئة لم يكن مستعدًا لها.
خلال تأكدهِ من أن الأدراج لا تحتوي على أي شيءٍ قابلٍ للتعفن تحسس بيديهِ شيئًا ما فتوقع أنه صندوق مجوهراتها الصغير، لم يقاوم فكرة فتحه ليختلس نظرةً إليه.
سبق و أن طلبت منه بيعها ليغطيَ بعضًا من تكاليف علاجها إلا أنه رفض بشكلٍ قاطعٍ فعل ذلك، لم تكن مجوهراتها بالكثيرة في المقام الأول.
فتحهُ بتأنٍ ليجد الطقم اللؤلؤي الذي قدمه لها والده ليلة زفافهما بالإضافة إلى خاتم خطبتها، لم يتوقع أكثر من ذلك .. لم تكن والدته من محبي المجوهرات على أية حال.
حمل خاتم الخطبةِ الذهبي ثم وضع العلبة جانبًا كي يضعه وسط راحةِ يدهِ متأملًا إياه، سبق و أن أضاعت هذا الخاتم إلا أنه أمضى يومه آن ذاك في البحث عنه حتى وجده.
لم تمضِ ثوانٍ حتى خيلت لهُ يدٌ بيضاء كما الثلج حَفَرت التجاعيد تفاصيلها و قد استقرت فوق راحة يدهِ بالإضافة إلى ذلك الخاتم داخل بنصرها.
ذُعِر لظهور ذلك فجأةً فسحب يده متناسيًا أمر ذلك الخاتم، تلاشى كل شيءٍ بعدما سمع صوت ارتطامه بالأرضية الخشبية .. سيصبح مختلًا عقليًا إن لم يتوقف دماغه عن اختلاق كل هذه الأمور قريبًا .. لمَ يعذبه عقله بهذه الطريقة يا ترى؟ ألم يصدق بعد حقيقة كونها رحلت عن هذا العالم أم ماذا؟
التفت وايت نحوه ليجده يحدق في الأرضية بعد أن لفت انتباهه صوت الارتطام ذاك، تمتم بهدوءٍ و دهشة : هل كل شيءٍ بخير؟
غطى برايلين وجهه بيدهِ اليسرى و هو يسحب بعض الأنفاس العميقة كي يتخلص من كل تلك الفوضى داخله و يحاول أن يتمالك نفسه قليلًا، رتّب كلماته بصعوبة كي يرد عليه قائلًا : نعم، لا بأس.
التفت وايت ليعود إلى عمله دون أن يضيف كلمةً أخرى، من الواضح أنه يخوض حربه الخاصة خلال هذه اللحظات .. كيف يمكن لأي شخصٍ تخطي حقيقة موت شخصٍ عاشره حتى أمسى يحفظ أبسط تفاصيله؟
انحنى برايلين ليلتقط الخاتم ثم أعاده إلى العلبة مرةً أخرى، ما كان عليه فتحها منذ البداية إن كان سيتصرف كطفلٍ جبانٍ هكذا.