نقل من كتاب المعسول للعلامة المختار السوسي يبين فيه طرائق العلماء في تدريس الأصول عامة، وأصول مذهبنا (المالكي) خاصة مع تطبيق ذلك بإرجاع الفروع إلى أصولها من نصوص وقواعد، ثم ذكر طريقة فريدة في الانتفاع بالفقه المالكي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
"لامرية في أن حلاوة الأصول لا يمكن أن تظهر إلا عند المتعودين تطبيقه، وقد انقطع غالبا هذا التطبيق كفن معتمد في الدراسة العامة من زمن طويل، من القرن التاسع قبل أن تظهر سوس العالمة، فلم يبق إلا تعاطيه فقط، وهذا ما رأيناه موجودا في الأدوار العلمية بسوس، ويوجد ما يدل على الاعتناء بتدريسه من التاسع إلى الآن، بل هناك فيه مؤلفون، كحسين الشوشاوي وعبد الواحد الوادْنُوني، ولمحمد بن سليمان الجزولي الرحالة -وهو غير الصوفي- مقام كبير في هذا العلم، وهو من أواخر الثامن، ومفتتح التاسع، ثم ما زلنا نرى من يذكر بإتقان هذا الفن كأبي مهدي السجستاني، ومحمد إبراهيم الهشتوكي ثم الحوزي، وابن صالح الروداني، وكثير ممن مضوا في ذلك العهد، وللجشتميين يد حسنة في ذلك ينوه بها بين تلاميذهم ولا يزال حيا من أتقنه عليهم، فكان بارعًا، وكذلك أحمد أضُرْضُور الإجْراري، كان قائما على هذا الفن، خصوصا أصول المذهب، فإنه فيها غاية التمكن، وأما محمد بن علي اليعقوبي شارح (المنهج) فإنه أعجب الناس مهارة في ذلك، ثم كان الأدوزيون والبونعمانيون ممن يجولون فيه، كالمحفوظ الأدوزي الذي لهج به، وبه يبكّر في التدريس صباحًا، وكأبي فارس الأدوزي المولع بتدريس التنقيح بشرح الشوشاوي، وكابن مسعود الذي له حواش على المحلى، ومباحث مع من حشوه، فإنه من الماهرين، وقد رأينا له فكرة تُعَدُّ غريبة بحسب بيئته، فإننا وقفنا له على رسالة كتبها إلى تلاميذه يقول فيها: ونؤكد عليكم في حضور الدروس خصوصا البخاري المحاذى به متن المختصر، والحضور في درس المختصر، والمجموع للأمير –إلى أن قال- وأي خير عُدمه من قرأ فروع باب من أبواب المذهب، وأتبعه بباب من أبواب البخاري، المشتمل على كلام المُنوّر، فيستفيد فقه الأبواب، ومدارك المسائل من خصوص كلام النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره وتابعيهم بإحسان، وإذا ساعد التوفيق، وراجع المتعلم ماانجر إليه الكلام في الاستنباط من قواعد الأصول، في أبوابها وتعالى بذلك إلى استحضارها في محالها من الفروع، كانت النعمة أكبر ...إلخ
هذه فكرة سوسي لم تطرق أذنه إحدى الصاخّات العصرية، واهتدى إلى الطريقة المثلى في وسط ذلك العصر المظلم الداجي في بحبوحة سوس البادية القاحلة، وبمقابلة مع من كانوا يذكرون من الخليليين في كل المغرب قبل 1330هــ يعرف مقدار اهتدائه بفكره الثاقب.
ثم إن هذا الفن بالنظر الإجمالي قل تعاطيه من أول ظهور القرن الماضي وفي النصف الأول من هذا إلا قليلا، فهو إذن من الفنون التي على أطراف النخيل في مجالس الدراسة منذ أكثر من قرن، ثم لم يبق من تعاطيه إلا أثارة كباقي الوشم في ظاهر اليد."
** المعسول(21/43) للعلامة سيدي المختار السوسي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
"لامرية في أن حلاوة الأصول لا يمكن أن تظهر إلا عند المتعودين تطبيقه، وقد انقطع غالبا هذا التطبيق كفن معتمد في الدراسة العامة من زمن طويل، من القرن التاسع قبل أن تظهر سوس العالمة، فلم يبق إلا تعاطيه فقط، وهذا ما رأيناه موجودا في الأدوار العلمية بسوس، ويوجد ما يدل على الاعتناء بتدريسه من التاسع إلى الآن، بل هناك فيه مؤلفون، كحسين الشوشاوي وعبد الواحد الوادْنُوني، ولمحمد بن سليمان الجزولي الرحالة -وهو غير الصوفي- مقام كبير في هذا العلم، وهو من أواخر الثامن، ومفتتح التاسع، ثم ما زلنا نرى من يذكر بإتقان هذا الفن كأبي مهدي السجستاني، ومحمد إبراهيم الهشتوكي ثم الحوزي، وابن صالح الروداني، وكثير ممن مضوا في ذلك العهد، وللجشتميين يد حسنة في ذلك ينوه بها بين تلاميذهم ولا يزال حيا من أتقنه عليهم، فكان بارعًا، وكذلك أحمد أضُرْضُور الإجْراري، كان قائما على هذا الفن، خصوصا أصول المذهب، فإنه فيها غاية التمكن، وأما محمد بن علي اليعقوبي شارح (المنهج) فإنه أعجب الناس مهارة في ذلك، ثم كان الأدوزيون والبونعمانيون ممن يجولون فيه، كالمحفوظ الأدوزي الذي لهج به، وبه يبكّر في التدريس صباحًا، وكأبي فارس الأدوزي المولع بتدريس التنقيح بشرح الشوشاوي، وكابن مسعود الذي له حواش على المحلى، ومباحث مع من حشوه، فإنه من الماهرين، وقد رأينا له فكرة تُعَدُّ غريبة بحسب بيئته، فإننا وقفنا له على رسالة كتبها إلى تلاميذه يقول فيها: ونؤكد عليكم في حضور الدروس خصوصا البخاري المحاذى به متن المختصر، والحضور في درس المختصر، والمجموع للأمير –إلى أن قال- وأي خير عُدمه من قرأ فروع باب من أبواب المذهب، وأتبعه بباب من أبواب البخاري، المشتمل على كلام المُنوّر، فيستفيد فقه الأبواب، ومدارك المسائل من خصوص كلام النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره وتابعيهم بإحسان، وإذا ساعد التوفيق، وراجع المتعلم ماانجر إليه الكلام في الاستنباط من قواعد الأصول، في أبوابها وتعالى بذلك إلى استحضارها في محالها من الفروع، كانت النعمة أكبر ...إلخ
هذه فكرة سوسي لم تطرق أذنه إحدى الصاخّات العصرية، واهتدى إلى الطريقة المثلى في وسط ذلك العصر المظلم الداجي في بحبوحة سوس البادية القاحلة، وبمقابلة مع من كانوا يذكرون من الخليليين في كل المغرب قبل 1330هــ يعرف مقدار اهتدائه بفكره الثاقب.
ثم إن هذا الفن بالنظر الإجمالي قل تعاطيه من أول ظهور القرن الماضي وفي النصف الأول من هذا إلا قليلا، فهو إذن من الفنون التي على أطراف النخيل في مجالس الدراسة منذ أكثر من قرن، ثم لم يبق من تعاطيه إلا أثارة كباقي الوشم في ظاهر اليد."
** المعسول(21/43) للعلامة سيدي المختار السوسي.