زارتنا جماعة التبليغ هذه المرة ومعها الشيخ المشرف عليهم، وهو بحريني، فكان التواصل هذه المرة أسهل إذ أغلب أفراد الجماعة الذين يزوروننا في المسجد من الهند لطبيعة الموقع الذي يقع فيه المسجد، فتخلينا قليلًا عن التواصل بالإشارة، والذي كان أقرب لحركات المجانين... جلست مع الشيخ اليوم قبل صلاة الفجر، يودعني وأودعه، انتهت مدة إقامتهم في هذا المسجد، وأخبرني ببعض جهودات الجماعة، وهو يسمي أفراد الجماعة بالأحباب، ولا أدري هل هي تسمية دارجة عند القوم أم هي علاقة الأب بابنه، فهو شيخ شابت لحيته في الدعوة إلى الله، ولم يسبق لي أن أنظر في وجه مضيء منير هكذا كوجهه، يتكلم والرجفة لا تفارق جسده، أعراض كبر السن، لكنه ما زال محتفظًا بكتاب الله في صدره، يستدعي الآيات متى شاء وكأن كتاب الله أمام عينيه، ويحمل الشيء الكثير من السنة، كان حديثه معي الآيات والأحاديث، فمما ذكر لي أن أحد الأحباب كان يدرس بفرنسا، عام ٦٨ أو ٦٩، ولم يكن وقتها في فرنسا إلا مسجد واحد وكان متحفًا، فكان حبيبنا يأخذ كتاب رياض الصالحين ويذهب إلى تجمعات المسلمين يتلو عليهم شيئًا من أحاديث المصطفى ﷺ، واستمر هكذا حتى تمكن من فتح ما يقرب من مئتي مصلى، أثر في الناس ببركة كلمات من كلامه النور حتى صار كل واحد منهم يحوّل صالة بيته إلى مصلى للمسلمين بعد حث الحبيب لهم... قال لي نحن نعلم أن ما نفعله قليل، لكنه واجب علينا ندافع به أهل الباطل، والنبي ﷺ قال: (بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً). لكن لا بد من نهاية حزينة، فأخبرني أن بعض الدول أصبحت تحارب هذا النشاط ولا تقبله، وبعضهم سائر في هذا الطريق، قال لي أنهم يعتقدون أن النشاط الدعوي خطر على ملكهم، لكن أيضًا هناك في الخارج من أعداء الإسلام من يحركهم، كان يكلمني ولسانه يتلعثم، لكن هذه المرة لا أظنه كبر السن... ولم يفتني قبل سلامنا الأخير أن أهديه كتاب التوحيد وبعض الكتب، وهم كذلك أهدوني كيسًا من المكسرات لعلي أفطر عليه اليوم.