لا أعلم كيف يتجرد الانسان من سطوة اللحظة والأحداث والمشاعر والأعمال المؤجلة التي لازالت تلاحقه و تثقل كاهليه حتى الدقيقة الأخيرة من الساعة 11 ليوم 31 ديسمبر من سنة 2020 ومابعدها
لم تمنحني الحياة في تسارعها وتتابع أحداثها لحظة ترف هادئة أفصل فيها بين العام السابق واللاحق لأتأمل بتجرد تام ، تَلاحَقَا وتشابكت رؤاي ...
وكأني وقعت على آلةٍ للزمن وأثناء محاولة استكشافها نقلتني -وفجأة- لبعد آخر !
أحياناً يلزمنا أن نضع مسافةً كافية بيننا وبين الأحداث حتى نستطيع أن نفهمها وتنصع الرؤية وتتجلى الحقائق ...
ويكأنه هناك علاقة طردية بين القرب وانعدام الرؤية !
الأمر عندي أشبه بحالة بعد النظر فما دمت على مسافة قريبة من الأشياء فالصورة التي تنقل لك عبر الشبكية ستكون مشوشة على الدوام
نعم أحياناً يلزمنا أن نبتعد قليلاً ، وأحياناً يلزمنا أن نفهم حتى نهدأ ونستكين ، ودلالة الثاني عندي في القرآن حين قال الرجل الصالح لموسى في سورة الكهف لما طلبه مصاحبته واتباعه : ( إنك لن تستطيع معي صبراً . وكيف تصبر على مالم تحط به خبراً ) " لأن علم الرجل ليس هو العلم البشري الواضح الأسباب قريب النتائج , إنما هو جانب من العلم اللدني بالغيب أطْلعهُ الله عليه بالقدر الذي أراده للحكمة التي أرادها ، ومن ثم فلا طاقة لموسى بالصبر على الرجل وتصرفاته ولو كان رسولاً نبيا ، لأن هذه التصرفات حسب ظاهرها قد تصطدم بالمنطق العقلي ، وبالأحكام الظاهرة ، ولا بد من إدراك ماورائها من الحكمة المغيبة ؛ وإلا بقيت عجيبة تثير الاستنكار . لذلك يخشى العبد الصالح الذي أوتي العلم اللدني على موسه ألا يصبر على صحبته وتصرفاته " (1)
وأحياناً يتوجب علينا أن نؤمن فحسب
نعم ... أن نؤمن .
يقودني هذا للحديث عن حادثة صلح الحديبية
حين خرج الصحابة مع رسول الله قاصدين مكة ومتلهفين للديار بعد سني البعد واللوعة فإذا بالأمر غير الذي كان وإذا بالمنى قد تهاوت
وقد كان الأمر على أشده ، حد أنه حين وقع الصلح وانتهى النبي من الكتابة قال لأصحابه ( قوموا فانحروا ثم احلقوا)
فما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات !
"وهو حدث استثنائي في تاريخ الدعوة يعبر عن الحالة النفسية التي كان يمر بها الصحابة على إثر تتابع تلك الأحداث وانتهائها بمفاجأة الرجوع من غير عمره " (2)
ثم إذا بالعطايا تأتي في زحام البلايا وإذا بالليل يُسفر عن صبح جميل جليل حتى إذا كان الصحابة بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح مبشرةً بفتح مكة
والفتح والمكوث بلا شك خيرٌ من العمرة والرجوع للمدينة
"وكان النبي يقرأ على صحابته " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً "
وهو بكراع الغميم فقال رجل : يارسول الله أفتحٌ هو ؟ قال : (نعم ، والذي نفسي بيده إنه لفتح )، فانقلبت كآبة المسلمين وحزنهم إلى فرحٍ غامر ، وأدركوا أنهم لايمكن أن يحيطوا بالأسباب والنتائج " (3)
وفي سياقٍ آخر فأنا أعتب على كل من يدع غيره يتخبط في بحر الظنون المتلاطم في حين أنه كان قادراً على إرسائه عند شواطئ اليقين ، وأؤمن كذلك أن بعض الأمور غير صالحةٍ للتحدث عنها والتسبيب والتعليل
ومابين هذا وذاك يتعلم الإنسان أن يوسع مساحات عذره
ويجعل صدره أكثر رحابة ويكون أكثر هدوءاً وصبراً وتجذراً أمام كل عاصفة من شأنها أن تربك طمأنينته .
قد تقصر عقولنا في مواضع عن إدارك الحكمة ومآلات الأشياء وهذا طبيعي سواءً كان على مستوى العلاقات الإنسانية أو أقدار الكون ونواميسه أو على مستوى التشريعات الإلهية
أما ما يعتري الإنسان من حالة الوحشة والحزن والضياع وعدم الفهم أثناء محاولة تفسير الأمر أو التشافي منه فطبيعةٌ إنسانية وسلوك بشري محض لا يؤاخذ عليه مادام لا يوصله لحالةٍ من الجزع والسخط على الأقدار
__
1- تفسير الظلال ص 2279
2- ينبوع الغواية الفكرية ص 161
3- ينبوع الغواية ص 162
لم تمنحني الحياة في تسارعها وتتابع أحداثها لحظة ترف هادئة أفصل فيها بين العام السابق واللاحق لأتأمل بتجرد تام ، تَلاحَقَا وتشابكت رؤاي ...
وكأني وقعت على آلةٍ للزمن وأثناء محاولة استكشافها نقلتني -وفجأة- لبعد آخر !
أحياناً يلزمنا أن نضع مسافةً كافية بيننا وبين الأحداث حتى نستطيع أن نفهمها وتنصع الرؤية وتتجلى الحقائق ...
ويكأنه هناك علاقة طردية بين القرب وانعدام الرؤية !
الأمر عندي أشبه بحالة بعد النظر فما دمت على مسافة قريبة من الأشياء فالصورة التي تنقل لك عبر الشبكية ستكون مشوشة على الدوام
نعم أحياناً يلزمنا أن نبتعد قليلاً ، وأحياناً يلزمنا أن نفهم حتى نهدأ ونستكين ، ودلالة الثاني عندي في القرآن حين قال الرجل الصالح لموسى في سورة الكهف لما طلبه مصاحبته واتباعه : ( إنك لن تستطيع معي صبراً . وكيف تصبر على مالم تحط به خبراً ) " لأن علم الرجل ليس هو العلم البشري الواضح الأسباب قريب النتائج , إنما هو جانب من العلم اللدني بالغيب أطْلعهُ الله عليه بالقدر الذي أراده للحكمة التي أرادها ، ومن ثم فلا طاقة لموسى بالصبر على الرجل وتصرفاته ولو كان رسولاً نبيا ، لأن هذه التصرفات حسب ظاهرها قد تصطدم بالمنطق العقلي ، وبالأحكام الظاهرة ، ولا بد من إدراك ماورائها من الحكمة المغيبة ؛ وإلا بقيت عجيبة تثير الاستنكار . لذلك يخشى العبد الصالح الذي أوتي العلم اللدني على موسه ألا يصبر على صحبته وتصرفاته " (1)
وأحياناً يتوجب علينا أن نؤمن فحسب
نعم ... أن نؤمن .
يقودني هذا للحديث عن حادثة صلح الحديبية
حين خرج الصحابة مع رسول الله قاصدين مكة ومتلهفين للديار بعد سني البعد واللوعة فإذا بالأمر غير الذي كان وإذا بالمنى قد تهاوت
وقد كان الأمر على أشده ، حد أنه حين وقع الصلح وانتهى النبي من الكتابة قال لأصحابه ( قوموا فانحروا ثم احلقوا)
فما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات !
"وهو حدث استثنائي في تاريخ الدعوة يعبر عن الحالة النفسية التي كان يمر بها الصحابة على إثر تتابع تلك الأحداث وانتهائها بمفاجأة الرجوع من غير عمره " (2)
ثم إذا بالعطايا تأتي في زحام البلايا وإذا بالليل يُسفر عن صبح جميل جليل حتى إذا كان الصحابة بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح مبشرةً بفتح مكة
والفتح والمكوث بلا شك خيرٌ من العمرة والرجوع للمدينة
"وكان النبي يقرأ على صحابته " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً "
وهو بكراع الغميم فقال رجل : يارسول الله أفتحٌ هو ؟ قال : (نعم ، والذي نفسي بيده إنه لفتح )، فانقلبت كآبة المسلمين وحزنهم إلى فرحٍ غامر ، وأدركوا أنهم لايمكن أن يحيطوا بالأسباب والنتائج " (3)
وفي سياقٍ آخر فأنا أعتب على كل من يدع غيره يتخبط في بحر الظنون المتلاطم في حين أنه كان قادراً على إرسائه عند شواطئ اليقين ، وأؤمن كذلك أن بعض الأمور غير صالحةٍ للتحدث عنها والتسبيب والتعليل
ومابين هذا وذاك يتعلم الإنسان أن يوسع مساحات عذره
ويجعل صدره أكثر رحابة ويكون أكثر هدوءاً وصبراً وتجذراً أمام كل عاصفة من شأنها أن تربك طمأنينته .
قد تقصر عقولنا في مواضع عن إدارك الحكمة ومآلات الأشياء وهذا طبيعي سواءً كان على مستوى العلاقات الإنسانية أو أقدار الكون ونواميسه أو على مستوى التشريعات الإلهية
أما ما يعتري الإنسان من حالة الوحشة والحزن والضياع وعدم الفهم أثناء محاولة تفسير الأمر أو التشافي منه فطبيعةٌ إنسانية وسلوك بشري محض لا يؤاخذ عليه مادام لا يوصله لحالةٍ من الجزع والسخط على الأقدار
__
1- تفسير الظلال ص 2279
2- ينبوع الغواية الفكرية ص 161
3- ينبوع الغواية ص 162