(وماتوفيقي الإ بالله )
أخيراً نستطيع القول أن اللبنة الأولى من مسيرتنا العلمية قد اكتملت.بعون الله وتوفيقه تجاوزنا عقبة البكالوريوس
بعد سبع من السنين مرت بين أرقٍ وسهرٍ واجتهادٍ وبحث عن معلومة وتنقُل من مرجعٍ إلى أخر من محاضرة إلى فيديو توضيحي
من كتابٍ لا تُطيقه .الى كتاب أحببته وانسجمت معه فأصبحت تداعبه وتدغدغه كما يفعلُ الأبُ مع صغيره.
وفرحٍ بظفر الانتقال من مرحلةٍ إلى أخرى ومن كرسٍ لأخر
من إمتحان إلى إمتحان
وكان أخرها إمتحان البكالوريوس الذي استنفذ ماتبقى لدينا من طاقة.
نعم مرت المرحلة بمزيجٍ من المشاعر المتضادة والمتقلبة
لحظاتٍ من الضغط النفسي
فأحياناً يمرُ الكرس وأنت لم تنتهي من مذاكرة المقرر ناهيك عن الإلمام الذي تتمنى تحقيقه
ومع ذلك فالاختبار يشمل كل شيئ أخذته أم لم تأخذه
وإذا ما حاولت الإعتراض قيل لك أنت طالب طب.
وكأنّ على طالب الطب أن يصبح كجارية الأصمعي يحفظ كل ما سمع
أو أن يصبح كأبقراط (أبو الطب).
أحياناً تتمنى أن تعيش كغيرك من الناس أو كأي طالبٍ في كلية أخرى
تجدُ نفسك محصوراً بين أربعة جدران حتى لو خرجت في عرس أو ذهبت لجلسة مع أهلك أو رفاقك في المدرسة
تراهم يستمتعون بالأحاديث والضجيج والتنقل من حديث لأخر يُقيمون دِولاً ويُسقِطون أخرى
أما أنت فغارقٌ في عالمك تسبحُ في فلكٍ غير فلكهم .
ذهنُك شارد بين مواضيع التشريح والوظائف والفارما والباثو والجراحة والباطنة والأطفال والنسائية ووو...إلخ
وكلما تذكرتَ عمرك وأيامك يعتريك شعور بأنك تطاردُ سراباً خادع .تقف عاجزاً أمام هذا الشعور وترى بأن كل الأبواب أُوصِدت أمامك فتحاول الهروب من هذا الشعور باللامبالاة أو بالإنشغال بأخبار السياسة أو الرياضة أو الشعر والرواية أو الرسم
أو النغم وتسرح وراء أحلامك الوردية هكذا
حتى تأتي سحبٌ تحملُ أمزاناً من التفاؤل والأمل فتمطر على قلبك الذي كاد أن يذبل فتنعشه وتحييه كما يفعل المطر في الأرض اليابسة
بعدها تعود بقوة أكثر وبعزيمة أكبر
واستيعاب أفضل وارتياحٍ لما أنت فيه
فالعمر فاني وأنت كطبيب لم تكن أناني قط.
فقد أفنيت عمرك الذي هو أغلى ما تملك لتتعلم و لتكن بلسماً لمن حولك فإنقاذ النفس وإرشاد الحائر ليس من شأن أي إنسان عادي ولن يتبقى معك الإ ما عملت من خيرٍ
فلو نظرت لأقارنك أو لمن هم في عمرك أو حتى أصغر منك بسنوات تجدهم قد فعلوا وعملوا وأنجزوا لكن كل ما فعلوا يدور حول أنفسهم فقط.
أما أنت فلم تفعل شيئاً لنفسك حتى ما ستأخذه مُستقبلاً فليس بشيئٍ يذكر مقابل ماقدمت وبذلت.
ولنعُد بالذاكرة قليلاً إلى ما قبل سبع سنوات وليسأل كل واحد منّا نفسه لماذا دخلت كلية الطب ؟ لماذا كل ذلك الشغف الذي دفعك للالتحاق بكلية الطب؟
البعض سيقول: لأن هذا المجال الوحيد الذي تجد فيه فرص العمل و العيش الكريم
والبعض سيقول : للوجاهة والمكانة الاجتماعية
والبعض سيقول:أُعجبتُ بشخصية الطبيب فلان فدخلت بمجاله
والبعض الأخر لأنه حصل على معدل ممتاز في الثانوية فوجد في نفسه القدرة وأختار أن يتوج هذا المعدل بمكانة مرموقة دون أن يدرك تبِعات ذلك.
وهكذا كلٌ له ليلى الخاصة بتوجُهاته.
لكن بعد دخول الكلية وتوالي السنوات ومروره بالأزمات تتلاشى تلك المقاصد ويعرف جيداً أنها لم تكن تستحق كل هذا العناء.
وهنا يحاول أن يصحح مساره ويجدد نيته وأفكاره ويصبح أكثر إتزاناً ،فينصبغ بصبغة الناسك الصوفي ؛أو بالأصح يتخلى عن ذاته ورغباته كراهبٍ ترك شهواته وأختار عبادة الله في منفعة خلقه
ففي علوم الطب (توراته) التي يلازم تدارسها بكل أوقاته
وفي المشفى كنيسته التي لا يفارقها طوال حياته.
أما الآن وقد أكملنا البكالوريوس الذي يُعد المرحلة الأثقل فلم ينتهي المشوار إنما تبدأ مرحلة جديدة من الكفاح والمسؤولية ,فكل واحد فينا لديه أمه وأبيه وعائلته الذين يرونه الكوكب الدُّرِيّ بالنسبة لهم فبذلوا لأجله كل غالٍ ورخيص. أيضاً لدى كل واحد منا مجتمع يتوسم فيه الخير ويراه قدوة يُحبِذُ أن ينهج أبنائهم نهجه.وهنا بيت القصيد فلابد أن يكون الطبيب قدّ المسوؤلية بأخلاقه وتواضعه وخدمته أولاً ومِن ثَمّ علمه.
وإلا فلا فائدة من جهده وتعبه مهما بلغ من العلم أو الجاه أو الشهرة كله سيذهبُ أدراج الرياح وربما سيكون علمه وبالٌ عليه واستدراج له من حيث لايعلم
فإذا كان الطبيب مِعطاءً مُبتغياً بما آتاه الله الدار الآخرة
هنا يستطيع أن يجيب حين يُسأل عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل به.
دفعتنا العظيمة أطباء وطبيبات جميعنا قد مررنا بما تمر به أي دفعة طب أو ربما أكثر لذا لا بد أن نكون دفعة استثنائية بفهم حقيقة الطب الذي يعتبر رسالة عظيمة تقدسها الأمم فمن أحياها كأنما أحيا الناس جميعاً. والختام سلام
✍🏻 إياد البُكيري
أخيراً نستطيع القول أن اللبنة الأولى من مسيرتنا العلمية قد اكتملت.بعون الله وتوفيقه تجاوزنا عقبة البكالوريوس
بعد سبع من السنين مرت بين أرقٍ وسهرٍ واجتهادٍ وبحث عن معلومة وتنقُل من مرجعٍ إلى أخر من محاضرة إلى فيديو توضيحي
من كتابٍ لا تُطيقه .الى كتاب أحببته وانسجمت معه فأصبحت تداعبه وتدغدغه كما يفعلُ الأبُ مع صغيره.
وفرحٍ بظفر الانتقال من مرحلةٍ إلى أخرى ومن كرسٍ لأخر
من إمتحان إلى إمتحان
وكان أخرها إمتحان البكالوريوس الذي استنفذ ماتبقى لدينا من طاقة.
نعم مرت المرحلة بمزيجٍ من المشاعر المتضادة والمتقلبة
لحظاتٍ من الضغط النفسي
فأحياناً يمرُ الكرس وأنت لم تنتهي من مذاكرة المقرر ناهيك عن الإلمام الذي تتمنى تحقيقه
ومع ذلك فالاختبار يشمل كل شيئ أخذته أم لم تأخذه
وإذا ما حاولت الإعتراض قيل لك أنت طالب طب.
وكأنّ على طالب الطب أن يصبح كجارية الأصمعي يحفظ كل ما سمع
أو أن يصبح كأبقراط (أبو الطب).
أحياناً تتمنى أن تعيش كغيرك من الناس أو كأي طالبٍ في كلية أخرى
تجدُ نفسك محصوراً بين أربعة جدران حتى لو خرجت في عرس أو ذهبت لجلسة مع أهلك أو رفاقك في المدرسة
تراهم يستمتعون بالأحاديث والضجيج والتنقل من حديث لأخر يُقيمون دِولاً ويُسقِطون أخرى
أما أنت فغارقٌ في عالمك تسبحُ في فلكٍ غير فلكهم .
ذهنُك شارد بين مواضيع التشريح والوظائف والفارما والباثو والجراحة والباطنة والأطفال والنسائية ووو...إلخ
وكلما تذكرتَ عمرك وأيامك يعتريك شعور بأنك تطاردُ سراباً خادع .تقف عاجزاً أمام هذا الشعور وترى بأن كل الأبواب أُوصِدت أمامك فتحاول الهروب من هذا الشعور باللامبالاة أو بالإنشغال بأخبار السياسة أو الرياضة أو الشعر والرواية أو الرسم
أو النغم وتسرح وراء أحلامك الوردية هكذا
حتى تأتي سحبٌ تحملُ أمزاناً من التفاؤل والأمل فتمطر على قلبك الذي كاد أن يذبل فتنعشه وتحييه كما يفعل المطر في الأرض اليابسة
بعدها تعود بقوة أكثر وبعزيمة أكبر
واستيعاب أفضل وارتياحٍ لما أنت فيه
فالعمر فاني وأنت كطبيب لم تكن أناني قط.
فقد أفنيت عمرك الذي هو أغلى ما تملك لتتعلم و لتكن بلسماً لمن حولك فإنقاذ النفس وإرشاد الحائر ليس من شأن أي إنسان عادي ولن يتبقى معك الإ ما عملت من خيرٍ
فلو نظرت لأقارنك أو لمن هم في عمرك أو حتى أصغر منك بسنوات تجدهم قد فعلوا وعملوا وأنجزوا لكن كل ما فعلوا يدور حول أنفسهم فقط.
أما أنت فلم تفعل شيئاً لنفسك حتى ما ستأخذه مُستقبلاً فليس بشيئٍ يذكر مقابل ماقدمت وبذلت.
ولنعُد بالذاكرة قليلاً إلى ما قبل سبع سنوات وليسأل كل واحد منّا نفسه لماذا دخلت كلية الطب ؟ لماذا كل ذلك الشغف الذي دفعك للالتحاق بكلية الطب؟
البعض سيقول: لأن هذا المجال الوحيد الذي تجد فيه فرص العمل و العيش الكريم
والبعض سيقول : للوجاهة والمكانة الاجتماعية
والبعض سيقول:أُعجبتُ بشخصية الطبيب فلان فدخلت بمجاله
والبعض الأخر لأنه حصل على معدل ممتاز في الثانوية فوجد في نفسه القدرة وأختار أن يتوج هذا المعدل بمكانة مرموقة دون أن يدرك تبِعات ذلك.
وهكذا كلٌ له ليلى الخاصة بتوجُهاته.
لكن بعد دخول الكلية وتوالي السنوات ومروره بالأزمات تتلاشى تلك المقاصد ويعرف جيداً أنها لم تكن تستحق كل هذا العناء.
وهنا يحاول أن يصحح مساره ويجدد نيته وأفكاره ويصبح أكثر إتزاناً ،فينصبغ بصبغة الناسك الصوفي ؛أو بالأصح يتخلى عن ذاته ورغباته كراهبٍ ترك شهواته وأختار عبادة الله في منفعة خلقه
ففي علوم الطب (توراته) التي يلازم تدارسها بكل أوقاته
وفي المشفى كنيسته التي لا يفارقها طوال حياته.
أما الآن وقد أكملنا البكالوريوس الذي يُعد المرحلة الأثقل فلم ينتهي المشوار إنما تبدأ مرحلة جديدة من الكفاح والمسؤولية ,فكل واحد فينا لديه أمه وأبيه وعائلته الذين يرونه الكوكب الدُّرِيّ بالنسبة لهم فبذلوا لأجله كل غالٍ ورخيص. أيضاً لدى كل واحد منا مجتمع يتوسم فيه الخير ويراه قدوة يُحبِذُ أن ينهج أبنائهم نهجه.وهنا بيت القصيد فلابد أن يكون الطبيب قدّ المسوؤلية بأخلاقه وتواضعه وخدمته أولاً ومِن ثَمّ علمه.
وإلا فلا فائدة من جهده وتعبه مهما بلغ من العلم أو الجاه أو الشهرة كله سيذهبُ أدراج الرياح وربما سيكون علمه وبالٌ عليه واستدراج له من حيث لايعلم
فإذا كان الطبيب مِعطاءً مُبتغياً بما آتاه الله الدار الآخرة
هنا يستطيع أن يجيب حين يُسأل عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل به.
دفعتنا العظيمة أطباء وطبيبات جميعنا قد مررنا بما تمر به أي دفعة طب أو ربما أكثر لذا لا بد أن نكون دفعة استثنائية بفهم حقيقة الطب الذي يعتبر رسالة عظيمة تقدسها الأمم فمن أحياها كأنما أحيا الناس جميعاً. والختام سلام
✍🏻 إياد البُكيري