[الاجتهاد الجماعي وأثره في الفتوى]
لا شك أن مما ينبغي علمه عظم شأن الإفتاء ، وموقعها الجسيم؛ إذ هي توقيع عن رب العالمين، ووقوف بين الله تعالى وخلقه.
وقد بين الله عظم شأن الإفتاء بقوله ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ وغيرها من الآيات البيّنات على عظم الإفتاء وعظم ذنب من أقدم على الفتيا بغير علم .
ويظهر ذلك مما نقل عن السلف؛ فقد سئل الإمام مالك في مسألةٍ جاء بها أهل المغرب ، فيجيب الإمام : لا أدري!
فيقول: يا أبا عبدالله، تقول: لا أدري؟! أأرجع وأقول للناس أن مالكًا لايدري ،
قال: نعم، وأبلِغْ من ورائي أني لا أدري
وهذا أبو داود يقول: ما أُحصي ما سمعتُ أحمدَ بن حنبل سُئل عن كثير من مسائل الاختلاف في العلم، فيقول: لا أدري
وقد أنشد الشاعر في ذلك
إِذَا مَا قَتَلْتَ الشَّيْءَ عِلْمًا فَقُلْ بِهِ ..
وَلاَ تَقُلِ الشَّيْءَ الَّذِي أَنْتَ جَاهِلُهْ
فَمَنْ كَانَ يَهْوَى أَنْ يُرَى مُتَصَدِّرًا ..
وَيَكْرَهُ "لاَ أَدْرِي" أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهْ
ولما كان هذا شأنَ الفتوى، وهذا محلها ، وعظيم شأنها لم تكن يومًا كلأً مشاعًا لكل من هبّ ودبّ، فالفتوى للعلماء ، والعلماء المعروفين بعلمهم بين أهل العلم والأمة .
ولقد علم سلفنا الصالح عظم وخطورة الفتيا ، حيث كانوا يتدافعونها كما نقل عنهم ، وهذا في الإفتاء الفردي .
أما الاجتهاد الجماعي :
الصادر عنه فتوى جماعية ، كان مما امتاز به عصر الصحابة ويدل على جواز واستحباب الاجتهاد الجماعي ما روي :
١- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ الله إنْ نزلَ بنا أمرٌ، ليس فيه بيان أمرٍ ولا نهيٍ؛ فما تأمرني؟ قال: شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تُمضوا فيه رأيَ خاصةٍ " أخرجه الطبراني في الأوسط.
٢- وروى الطبراني أيضاً عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنْ عُرِضَ عليَّ أمرٌ، ليسَ فيهِ قضاءٌ في أمرِهِ، ولا سنةٌ، كيفَ تأمُرُني ؟ قال: "تجعلونهُ شُورى بينَ أهلِ الفقهِ والعابدينَ منَ المؤمنينَ ولا تقضِ فيهِ برأيكَ خاصّة"
وكان عمر وأبو بكر رضي الله عنهما يجمعان الناس إذا استشكل عليهم أمر من أمور الشرع .
ومن هنا أتت مشروعية الاجتهاد الجماعي؛
وهذا في عصر الصحابة ، واليوم نحن بأمس الحاجة له؛ لاسيما في بعض الأمصار التي تفتقد العالِم المجتهد الذي يرجع إليه في الفتوى .
وأثر الاجتهاد الجماعي في الفتيا يظهر على الواقع بعدة أمور :
١. الإحاطة بغالب أدلة المسألة لإيراد كل عضو منتسب للمجلس لما يراه من الأدلة.
٢. التضييق على دائرة الخطأ ، بينما في الاجتهاد الفردي تتسع .
٣. الفتوى الصادرة عن الاجتهاد الجماعي لها أثر قوي في نفس الفرد المسلم من الاجتهاد الفردي .
٤. وقد يكون أهمها عدم فسح المجال أمام أنصاف المتعلمين المتصدرين للفتيا ، وهم أبعد مايكون عنها علمًا وعملًا .
٥. يعد سببًا من أسباب وحدة صف الأمة
وقد جعله بعض المعاصرين عوضًا عن الاجماعات إلا أنه ليس بمرتبته في الحجية،
لكن كي يقال بأن المجلس أو الرابطة العلمائية أفتت بجواز كذا أو بمنع كذا فيكون أقرب للطمأنينة للفتيا الجماعية الصادرة عن الاجتهاد الجماعي .
نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين
وكتب
فارس بن فالح الخزرجي
21 / شعبان / 1440
26 / 4 / 2019
@FarisAlKhazraji
لا شك أن مما ينبغي علمه عظم شأن الإفتاء ، وموقعها الجسيم؛ إذ هي توقيع عن رب العالمين، ووقوف بين الله تعالى وخلقه.
وقد بين الله عظم شأن الإفتاء بقوله ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ وغيرها من الآيات البيّنات على عظم الإفتاء وعظم ذنب من أقدم على الفتيا بغير علم .
ويظهر ذلك مما نقل عن السلف؛ فقد سئل الإمام مالك في مسألةٍ جاء بها أهل المغرب ، فيجيب الإمام : لا أدري!
فيقول: يا أبا عبدالله، تقول: لا أدري؟! أأرجع وأقول للناس أن مالكًا لايدري ،
قال: نعم، وأبلِغْ من ورائي أني لا أدري
وهذا أبو داود يقول: ما أُحصي ما سمعتُ أحمدَ بن حنبل سُئل عن كثير من مسائل الاختلاف في العلم، فيقول: لا أدري
وقد أنشد الشاعر في ذلك
إِذَا مَا قَتَلْتَ الشَّيْءَ عِلْمًا فَقُلْ بِهِ ..
وَلاَ تَقُلِ الشَّيْءَ الَّذِي أَنْتَ جَاهِلُهْ
فَمَنْ كَانَ يَهْوَى أَنْ يُرَى مُتَصَدِّرًا ..
وَيَكْرَهُ "لاَ أَدْرِي" أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهْ
ولما كان هذا شأنَ الفتوى، وهذا محلها ، وعظيم شأنها لم تكن يومًا كلأً مشاعًا لكل من هبّ ودبّ، فالفتوى للعلماء ، والعلماء المعروفين بعلمهم بين أهل العلم والأمة .
ولقد علم سلفنا الصالح عظم وخطورة الفتيا ، حيث كانوا يتدافعونها كما نقل عنهم ، وهذا في الإفتاء الفردي .
أما الاجتهاد الجماعي :
الصادر عنه فتوى جماعية ، كان مما امتاز به عصر الصحابة ويدل على جواز واستحباب الاجتهاد الجماعي ما روي :
١- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ الله إنْ نزلَ بنا أمرٌ، ليس فيه بيان أمرٍ ولا نهيٍ؛ فما تأمرني؟ قال: شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تُمضوا فيه رأيَ خاصةٍ " أخرجه الطبراني في الأوسط.
٢- وروى الطبراني أيضاً عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنْ عُرِضَ عليَّ أمرٌ، ليسَ فيهِ قضاءٌ في أمرِهِ، ولا سنةٌ، كيفَ تأمُرُني ؟ قال: "تجعلونهُ شُورى بينَ أهلِ الفقهِ والعابدينَ منَ المؤمنينَ ولا تقضِ فيهِ برأيكَ خاصّة"
وكان عمر وأبو بكر رضي الله عنهما يجمعان الناس إذا استشكل عليهم أمر من أمور الشرع .
ومن هنا أتت مشروعية الاجتهاد الجماعي؛
وهذا في عصر الصحابة ، واليوم نحن بأمس الحاجة له؛ لاسيما في بعض الأمصار التي تفتقد العالِم المجتهد الذي يرجع إليه في الفتوى .
وأثر الاجتهاد الجماعي في الفتيا يظهر على الواقع بعدة أمور :
١. الإحاطة بغالب أدلة المسألة لإيراد كل عضو منتسب للمجلس لما يراه من الأدلة.
٢. التضييق على دائرة الخطأ ، بينما في الاجتهاد الفردي تتسع .
٣. الفتوى الصادرة عن الاجتهاد الجماعي لها أثر قوي في نفس الفرد المسلم من الاجتهاد الفردي .
٤. وقد يكون أهمها عدم فسح المجال أمام أنصاف المتعلمين المتصدرين للفتيا ، وهم أبعد مايكون عنها علمًا وعملًا .
٥. يعد سببًا من أسباب وحدة صف الأمة
وقد جعله بعض المعاصرين عوضًا عن الاجماعات إلا أنه ليس بمرتبته في الحجية،
لكن كي يقال بأن المجلس أو الرابطة العلمائية أفتت بجواز كذا أو بمنع كذا فيكون أقرب للطمأنينة للفتيا الجماعية الصادرة عن الاجتهاد الجماعي .
نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين
وكتب
فارس بن فالح الخزرجي
21 / شعبان / 1440
26 / 4 / 2019
@FarisAlKhazraji