وقعت فتنة عظيمة بين العلاّمة الطيب العقبي والأستاذ الرّئيس عبد الحميد بن باديس والمشايخ الفضلاء الإبراهيمي والتبسّي.. رحمهم الله جميعا
واشتدت النفرة بينهم حتى كان بينهم ما كان من
المصاولات والمجاولات
والردود والتعقيبات
والتلاسن بأشد العبارات
فنعتوا الشيخ الطيب العقبي بأشدّ النعوت ورماه بعضهم بأمور هو بريء منها؛ نُقلت إليهم فصدقوها، وبلغتهم فأعلنوها
وسلقهم هو بلسان شديد وقلب من حديد وكلام غير سديد
وكم ومهما سعى مخلصون آخرون في الإصلاح والألفة وجمع الكلمة والتوادد والرجوع للصف الواحد وإغاظة الشيطان والمستدمر الفرنسي وأهل الضلال من القبوريين وأشياعهم وإقرار عيون أهل السنّة والمخلصين من أبناء الوطن...
فتصلّب الشيخ الطيّب العقبي وأصرّ على المصارمة لأن الجراحات التي خلّفها بعض القوم في قلبه كانت غائرة مع تجدد التهم في الجرائد بين حين وآخر..
وكان هو كذلك يكتب كأنما يرميهم برمح رُديني أو يطعنهم بسيف قشيري..
وكان من المآسي في تلك المعارك كلّها أن مات الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله بعد عام من تفجّر الخلافات التي حصلت وفي نفسه فلول من قراع بعض الأحبّةِ وجرحهم له وحدوث تدابر وتناحر بين أبناء وشيوخ الدعوة الواحدة فقد انزوى البعض مع الشيخ الطيب العقبي رحمه الله لمّا استقال من الجمعية وفارقها
وحزّ في نفس الشيخ الطيب العقبي رحمه الله أنّ إخوان الأمس وأحبّة البارحة صاروا يطعنون فيه ويتهمونه بالخيانة لدينه ووطنه وببيع ذمّته لفرنسا وقبضِ ثمن ذلك؛ فقال وقلبه يتفطّر:
أسفي على بعض الرّفاق فإنهم
فقدوا سجيّة كاملي الأذواق.
عهدي بهم والرّفق من أخلاقهم
فإذا بهم خلق بدون خلاق.
لا يؤثرون رفيقهم ولو اقتضى
حال الرّفاق الرّفد بالإرفاق.
فتراهم يستأثرون وإن عدوا
نهج الهدى ومكارم الأخلاق.
حسبوا الزعامة في الظهور وما
دروا أنّ الظهور وسيلة الإخفاق.
ما ساد من لم يحتفظ لرفيقه
بحقوقه وبعهد ودٍّ باق
كلّا ولا نال الزعامة غير من
ضحّى بصالح نفسه لرفاق.
وحُلّت الجمعية وصودرت جرائدها وزُج بكثير من أبنائها ورجالاتها ودعاتها في السجون ونُفي العلّامة الإبراهيمي ثم أقيم في الإقامة الجبرية وضُيّق عليها..وتوالت الأحزان على الجزائر ومصلحيها ونِيل من دعوة الحقّ نيلا عظيما واختلف أبناء الجزائر و تفرقوا بين شيوخ الجمعية؛ فمِن موال للبشير وإخوانه ومن مُظاهر للعُقبي وأصحابه؛ غير أن الفئة الكبيرة فاءت إلى الشيخ الإبراهيمي رحمه الله ومن معه من العلماء
وبين كل هذا وذاك قويت شوكة القبوريين وتنفست فرنسا الصعداء وضعفت دعوة الإصلاح برهة من الزمن لولا أن الله تداركها برحمته.
والحقيقة في هذه الفتنة التي عصفت رياحها بأهل السنّة بالجزائر المحميّة بالله آنذاك، وزمجرت أعاصيرها بعلماء الشريعة وحملة الدّين ما قاله الشاعر الأديب الأريب الشيخ محمد العيد آل خليفة البسكري رحمه الله:
خصمان فيما يُفيد الأمّة اختصما
إياك أن تنقص الخصمين إياك.
كلاهما في سبيل الله مجتهد
فلا تلومنّ لا هذا ولا ذاك.
منقول عن الأخ الشيخ طارق سماحي
https://t.me/Ghaliabomouaad