حكى ماريو بارغاس يوسا قصة صديقة الرسام والسينمائي خوسية ماريا، الذي كان مصابا بدودة وحيدة استوطنت أمعاءه، كيف كانت هذه الدودة تدفعه ليزيد كمية الأكل والشرب، ومع ذلك فهو يزيد نُحولا ومرضا، وكان يزيد في التهام الطعام من أجلها، في حقيقة الأمر كان يطعمها، ظلت هذه الدودة تحتل جسدَه وتنخر فيه مدة طويلة، يقول يوسا إنه كان مرة في مقهى صغير مع صديقه خوسيه ففاجأه بالقول أن كل ما يقوم به خوسيه مع صديقه ماريو من اكل وشرب ونقاش وذهاب للسينما ورقص وغناء وغيرها إنما يفعلها لهذا الكائن الذي يسكنه واتخذه موطنا له، وأنه يشعر إن حياته كلها صارت من أجل هذا الكائن، فيما بعد قتلت هذه الدودةُ اللعينة ماريا خوسية،
وحررته من عبوديتها،
يوسا ساق هذه القصة مشبّها بين هذه الدودة واحتلالها جسد خوسيه وبين الكتابة إذا استولت على روح الانسان وعقله، وحكى أن كاتبا آخر سبقه لهذا التشبيه، وكتب يوسا كلمات ثمينة في هذا السياق،
ولكني أود استعارتها لشيء آخر وهو تشبيه هذه الدودة باستيلاء الفكرة الواحدة على فكر الانسان، مرات كثيرة تستولى على الانسان فكرةٌ واحدةٌ بشكل مفرط، فتاكل معه وتشرب- كما هو حال دودة خوسيه- فتؤثر هذه الفكرة الواحدة في حياة هذا الانسان وفي علاقاته وسلوكه مع الاخرين، وربما اتخذ قرارات مصيرية وحاسمة تؤثر في كل حياته- وربما حياة من يرتبطون به أيضا- لأجل هذه الفكرة الواحدة التي قد تموت أو ترتحل عنه بعد أن تفتك به أو تؤثر تأثيرا بالغا في حياته،
الحياة أوسع وأغنى بكثييير من اختزالها بفكرة واحدة، ليست الحياة فقط سياسة، وليست فقط فكر، وليست فقط ثقافة أو أدب ، وليست فقط متعة ولعب، الحياة هي هذا كله وأغنى بكثير جدا..
أحاول أن أتذكر- وفشلت- من هو المفكر الذي حذر قائلا:
"أحذركم صاحب الفكرة الواحدة".
ربما هي حالة مرضية مُعدية فكريا؛ استوجبت هذا التحذير -من هذا الذي قد نسيت اسمه-.
سليمان الناصر