- على منهاج النُّبُوَّة ١٨
أوَمُخرِجِيَّ هُمْ؟!
كانت الارضُ غارقةً بالضلال حتى أخمص قدميها، اللهُ يخلقُ ويُعبدُ غيره، ويرزقُ ويُشكرُ سواه، أعراضٌ تُنتهك، وبناتٌ تُوْأَدُ، وأُناسٌ يُباعون في الأسواق! ثم شاء الرحيم أن يتلطَّفَ بالبشرية!
على مرمى سهم من الكعبة التي تعجُّ بالأصنام، كان هناك رجل وحيد في غار حراء يتأمل السماوات والأرض، و يَعرفُ أنَّ دينَ قريشٍ باطل، و أنّ الله أجلُّ وأعلى من أن يرضى ديناً كدينها! كان مُهيَّأً بإتقان ليستلم لواء البشرية و يُغيِّر وجه العالم، ثم حانت اللحظة، وأُوقِدتْ أول شمعة في ظُلمة الأرض "إقرأْ"!
ويا لهول الوحي، ويا لرهبة الموقف! وينزلُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بيته مُرتجفاً يقول: دثِّروني، دثِّروني!
وعند خديجه المرأة التي لا يُوجد منها في تاريخ البشرية إلا نسخة واحدة، يتلقَّى الحبيبُ أولَ سلوى! ضمَّته إلى صدرها، وقالتْ له بقلبها على هيئة كلمات: واللهِ ما يخزيك الله ابداً، إنك لتصِلُ الرَّحم، وتصدُقُ الحديث، وتحملُ الكلَّ، وتكسبُ المعدوم وتُقري الضيفَ، وتُعين على نوائب الحق!
ثم أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان رجلاً طاعناً في السِّن والحكمة، عالِماً بالتوارة و إلانجيل، حنيفاً على مِلَّةِ إبراهيم عليه السلام، وقالتْ له اسمع من ابن اخيك!
فلما حدّثه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بما كان بينه وبين جبريل، أخبره ورقة أن هذا هو الوحي الذي كان يأتي الأنبياء من قبله، وأنه سيكون النبيَّ لهذه الأمة! ثم قال له قولة الحكيم الذي يعرفُ سُنَّة الله في الناس، وصراع الحق و الباطل على مرَّ التاريخ: ليتني فيها جذعاً، ليتني أكونُ حياً إذ يُخرجكَ قومُكَ!
فيسأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم بدهشة: أوَمُخرِجيَّ هُمْ؟!
فقال له: نعم، لم يأتِ رجلٌ بمثلِ ما جئتَ به إلا عُوديَ!
وكأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يومها يسأل: لمَ سيُخرجونني؟ ما الذنبُ الذي اقترفتُه، وما الجريمة التي ارتكبتُها، أيُّ مالٍ أخذتُ، وأيُّ دمٍ سفكتُ حتى يُحال بيني وبين وطني!
ثم دارت الأيام، وأخبرتنا سيرته، أنه ما عُودِيَ إلا لأنه جاء بالحقِّ، والحقُّ أثقل على الطغاة من
الجبال!
ونحن اليوم بضعة منه، وبقية رسالته، وما تكالبتْ علينا الأمم إلا للحقِّ الذي معنا، وما أثقله عليهم!
فكلَّما ضاقتْ عليكم، كلَّما رأيتم البلاد تُحاصر، والصورايخ تهدِمُ البيوت وتحصدُ الأرواح، كلما رأيتم الإعلام قذراً يريدُ أن يُطفئ شمعتكم، ويُحرِّض عليكم، ويرميكم بِتُهمِ الإرهاب والرجعية والتخلُّف تعزُّوا بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم!
تخيلوه نازلاً من غار حراء يرتجفُ من هول الوحي، مُحاصَراً في شِعب أبي طالب، مرجوماً في الطائف، ممنوعاً من دخول مكة، مُتآمراً عليه ليُقتل ويتفرق دمه بين القبائل، مُطارَداً يوم الهجرة، مَاسحاً الدم عن وجهه يوم أُحد، شاكياً سُمَّاً دسَّته له امرأة يهودية، كم تعبَ ليكون لكم دين، فعُضُّوا عليه بالنواجذ!
أدهم شرقاوي
••
أوَمُخرِجِيَّ هُمْ؟!
كانت الارضُ غارقةً بالضلال حتى أخمص قدميها، اللهُ يخلقُ ويُعبدُ غيره، ويرزقُ ويُشكرُ سواه، أعراضٌ تُنتهك، وبناتٌ تُوْأَدُ، وأُناسٌ يُباعون في الأسواق! ثم شاء الرحيم أن يتلطَّفَ بالبشرية!
على مرمى سهم من الكعبة التي تعجُّ بالأصنام، كان هناك رجل وحيد في غار حراء يتأمل السماوات والأرض، و يَعرفُ أنَّ دينَ قريشٍ باطل، و أنّ الله أجلُّ وأعلى من أن يرضى ديناً كدينها! كان مُهيَّأً بإتقان ليستلم لواء البشرية و يُغيِّر وجه العالم، ثم حانت اللحظة، وأُوقِدتْ أول شمعة في ظُلمة الأرض "إقرأْ"!
ويا لهول الوحي، ويا لرهبة الموقف! وينزلُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بيته مُرتجفاً يقول: دثِّروني، دثِّروني!
وعند خديجه المرأة التي لا يُوجد منها في تاريخ البشرية إلا نسخة واحدة، يتلقَّى الحبيبُ أولَ سلوى! ضمَّته إلى صدرها، وقالتْ له بقلبها على هيئة كلمات: واللهِ ما يخزيك الله ابداً، إنك لتصِلُ الرَّحم، وتصدُقُ الحديث، وتحملُ الكلَّ، وتكسبُ المعدوم وتُقري الضيفَ، وتُعين على نوائب الحق!
ثم أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان رجلاً طاعناً في السِّن والحكمة، عالِماً بالتوارة و إلانجيل، حنيفاً على مِلَّةِ إبراهيم عليه السلام، وقالتْ له اسمع من ابن اخيك!
فلما حدّثه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بما كان بينه وبين جبريل، أخبره ورقة أن هذا هو الوحي الذي كان يأتي الأنبياء من قبله، وأنه سيكون النبيَّ لهذه الأمة! ثم قال له قولة الحكيم الذي يعرفُ سُنَّة الله في الناس، وصراع الحق و الباطل على مرَّ التاريخ: ليتني فيها جذعاً، ليتني أكونُ حياً إذ يُخرجكَ قومُكَ!
فيسأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم بدهشة: أوَمُخرِجيَّ هُمْ؟!
فقال له: نعم، لم يأتِ رجلٌ بمثلِ ما جئتَ به إلا عُوديَ!
وكأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يومها يسأل: لمَ سيُخرجونني؟ ما الذنبُ الذي اقترفتُه، وما الجريمة التي ارتكبتُها، أيُّ مالٍ أخذتُ، وأيُّ دمٍ سفكتُ حتى يُحال بيني وبين وطني!
ثم دارت الأيام، وأخبرتنا سيرته، أنه ما عُودِيَ إلا لأنه جاء بالحقِّ، والحقُّ أثقل على الطغاة من
الجبال!
ونحن اليوم بضعة منه، وبقية رسالته، وما تكالبتْ علينا الأمم إلا للحقِّ الذي معنا، وما أثقله عليهم!
فكلَّما ضاقتْ عليكم، كلَّما رأيتم البلاد تُحاصر، والصورايخ تهدِمُ البيوت وتحصدُ الأرواح، كلما رأيتم الإعلام قذراً يريدُ أن يُطفئ شمعتكم، ويُحرِّض عليكم، ويرميكم بِتُهمِ الإرهاب والرجعية والتخلُّف تعزُّوا بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم!
تخيلوه نازلاً من غار حراء يرتجفُ من هول الوحي، مُحاصَراً في شِعب أبي طالب، مرجوماً في الطائف، ممنوعاً من دخول مكة، مُتآمراً عليه ليُقتل ويتفرق دمه بين القبائل، مُطارَداً يوم الهجرة، مَاسحاً الدم عن وجهه يوم أُحد، شاكياً سُمَّاً دسَّته له امرأة يهودية، كم تعبَ ليكون لكم دين، فعُضُّوا عليه بالنواجذ!
أدهم شرقاوي
••