اختراعُ الجاذبية
شابَّةٌ من جيلِ الألفين ، في بلدٍ أجنبي "متطوِّر"وفي برنامجٍ متلفز،
أدلت بتصريح مُثيرٍ : أتأمل كيف كانت حياة البشر قبل أن (يخترع) نيوتن، الجاذبية!
شابَّة أخرى في بلدٍ "متحضِّر" آخر، وفي برنامج متلفز، تطالب بأن تطهَّر المناهج من الحقائق المتحيِّزة، ومن ادعاءِ امتلاك أحدٍ حقيقةً مُطلقة.. إذ لا يمكن الحُكم دائماً بأن (2×2=4)، فربما ساوى يوماً 3 أو 5!
هذا عينُ كلامها جادَّة لا هازلة، صاحيةً لا غافلة .. صدقوني!
..
قد نضحك من هذا الكلام، لكنَّه نموذج تطرف (الحضارة المادية).
فالبشر الذي صار ينفي الحقائق الثابتة في عالم الوجود، كوجود (الثنائية) في الخلق، ثنائية الذكر والانثى، وجعل الجنس سيّالاً (Fluid)، إذ صار يحدِّد (هو) جنسه، ذكراً كان أو انثاً، او قِطَّةً أو تنين، دون حاجة لوجود ما يحدده حقيقة .. لماذا لا يحق له أن يقرِّر نتائج الرياضيات، أو (يقرِّر) ما اذا كانت الجاذبية حقيقةً أو لا؟
هذه الفكرة البسيطة، تمثِّل جوهر خلل الفكر المادي، والليبرالي، فالفكر الليبرالي، يجعل الانسان محور الكون، و ارادته هي المحور، وفهمه هو الاساس، واحساسه هو الفيصل، وما عدا ذلك وهمٌ لا حقيقة، أو حقيقةٌ لا يمكن ادراكها، أو اثباتها، فينتج ذلك (نسبية الحقائق) و سيولة الفكرة وضياع المعايير الصلبة، عند ذلك، ينفي وجود حقائق خارجية موضوعية يجب أن يتعرف عليها ويكتشفها كما يكتشف الطفل العالم من حوله، بل الحقائق موجودة لأنَّه يقرِّرها لا اكثر.
وحتى لو تنزَّل للاعتراف بالعالم المادي جبراً - للمنهج التجريبي الطاغي- فإنَّه ينكر وجود عالَمٍ موازي، توجد فيه حقائق أخلاقية، ومن ذلك أنكر وجود قِيَم و مبادئ يجب أن تقوم التشريعات والقوانين عليها، أي أنكر وجود مرجعيات أخلاقية مطلقة، بل المبادئ الأخلاقية تتمحور حول إرادة المجتمع نفسه، وما يريده، وما ينتج (الصحيح) و (الخاطئ) ليس وجودهما في الخارج، بل لأنّ المجتمع (قرَّر) ذلك.
وهذا هو الاتجاه الطاغي عنده حالياً.
فمثلاً، لا يمكن لأحد أن يعترض على فاحشة الزنا أو البغاء عندهم، لأنها تكون بـ(رضا الطرفين) وبحجّة (ما مأذين واحد)، وبنفس الحجة تم تشريع وتقنين مجمل الفواحش كالبغاء، والشذوذ والاجهاض وغيرها.
أما حين يكون الرضا مفقوداً في احد طرفيه، كأن لا يملك أحدهم الإرادة القانونية (غير بالغ/قاصر) أو تم اكراهه يكون الفعل خاطئاً.
وبهذه الحجة، يناقش فلاسفة الغرب هذه الأيام، أنَّ حرمة (سفاح المحارم) أو (الانتحار) أو ما شابهها في العالم الغربي، ليس لأنها خاطئة بحد ذاتها، بل لأن المجتمع الغربي حتى الان يعتبرها خطيئة، ولكن يمكن أن يتغيَّر ذلك في المستقبل!
يا للسخافة.
ولكي لا أطيل الكلام – رغم الرغبة فيه للحاجة الملحة- إلا أنَّ الفكرة الأساسية تتمحور حول التالي:
في عالَمِ الاخلاق، يرى العالم الغربي عدم وجود الأخلاق مستقلّة، بل إنَّ البشر (يخترع) الأخلاق، و(يقرِّر) وجودها من عدمه، فلا توجد مرجعية أخلاقية معيَّنة أصلا..
وهذا الكلام هو مشابه تماماً للقول بأن نيوتن (اخترع) الجاذبية.
وما نقوله في قبال ذلك:
إن هناك حقائق موضوعية، لا ترتبط بالإنسان، ولا برأيه، فهو يكتشف تلك الحقائق، وينظِّم حياته بها، ليتجنَّب ضرر مخالفتها، أو ليوظِّفها في صالحه.
وهذه الحقائق، سواء كانت في عالم الوجود المادي، أو الوجود المعنوي، حقائق
والحق يعني:
الشيء الموجود
المتحقق
الحقيقي
..
وهي التي تسمى في المصطلح القرآني بـ(السنن).
فما يحدِّد حُسنَ الشيءِ، أو قُبحه، بل درجة ذلك الحسن والقبح، مدى توافقه مع تلك السنن او مخالفته. فالزنا – مثلاً – قبيحٌ وخاطئ، بلا فرق في كون الفرد يحبه او يمقته، وبلا فرقٍ في شعوره تجاهه، فحتى لو استحسنت البشرية علاقةً محرَّمة بدعوى الحب او العشق، فهي خاطئة، وقبيحة، لماذا؟
لأنها تخالف سُنَّة الهية، ما هي؟
ليس بالضرورة أن نعلم!
وهنا بيت القصيد، فالوحي يُخبرنا عن بعض تلك السنن، ويُخبرنا عن أحكامٍ تربط بسنن وحكم وعلل، دون أن يخبرنا – بالضرورة عن السنن نفسها- ولكن -عدم معرفتنا بها لا نجعلها ننكرها من اصلها، لأن الوحي القطعي أخبرنا بها. ولعلَّ تطور البشرية العلمي، ونضجها الفكري يوصله يوماً الى تلك السنة الكبرى.
وسواء علم تلك الحقائق او جهلها، فهي موجودة.
وسواء أعجبته تلك الحقائق أو مقتها، تبقى موجودة أيضاً.
فالحقائق لا تهتم بك، ولا بمشاعرك تجاهها، بل أنت الذي ينبغي أن تهتم بها، وتضبط مشاعرك وفقها.
والانسان لا يصنع الحقائق، بل يكتشفها،
يكتشفها تارَةً بنفسه، ويكتشفها بالواسطة تارةً أخرى، أي بالمنّة الإلهية على البشر عبر الأنبياء والرسل
وهذه الفكرة –على بساطتها- تنسف أساساً مهماً في الفكر الليبرالي.
وفي النهاية، من يقول أنَّ البوصلة الأخلاقية، يحددها البشر بنفسه، دون ضبطٍ من السماء، فيضعها مثلاً في معيار (مأذي غيره لو لا؟)، من يقول لك ذلك، قل له:
أنت تعتقد إذاً، أنَّ نيوتن (اخترع) الجاذبية؟!
#مقالات
شابَّةٌ من جيلِ الألفين ، في بلدٍ أجنبي "متطوِّر"وفي برنامجٍ متلفز،
أدلت بتصريح مُثيرٍ : أتأمل كيف كانت حياة البشر قبل أن (يخترع) نيوتن، الجاذبية!
شابَّة أخرى في بلدٍ "متحضِّر" آخر، وفي برنامج متلفز، تطالب بأن تطهَّر المناهج من الحقائق المتحيِّزة، ومن ادعاءِ امتلاك أحدٍ حقيقةً مُطلقة.. إذ لا يمكن الحُكم دائماً بأن (2×2=4)، فربما ساوى يوماً 3 أو 5!
هذا عينُ كلامها جادَّة لا هازلة، صاحيةً لا غافلة .. صدقوني!
..
قد نضحك من هذا الكلام، لكنَّه نموذج تطرف (الحضارة المادية).
فالبشر الذي صار ينفي الحقائق الثابتة في عالم الوجود، كوجود (الثنائية) في الخلق، ثنائية الذكر والانثى، وجعل الجنس سيّالاً (Fluid)، إذ صار يحدِّد (هو) جنسه، ذكراً كان أو انثاً، او قِطَّةً أو تنين، دون حاجة لوجود ما يحدده حقيقة .. لماذا لا يحق له أن يقرِّر نتائج الرياضيات، أو (يقرِّر) ما اذا كانت الجاذبية حقيقةً أو لا؟
هذه الفكرة البسيطة، تمثِّل جوهر خلل الفكر المادي، والليبرالي، فالفكر الليبرالي، يجعل الانسان محور الكون، و ارادته هي المحور، وفهمه هو الاساس، واحساسه هو الفيصل، وما عدا ذلك وهمٌ لا حقيقة، أو حقيقةٌ لا يمكن ادراكها، أو اثباتها، فينتج ذلك (نسبية الحقائق) و سيولة الفكرة وضياع المعايير الصلبة، عند ذلك، ينفي وجود حقائق خارجية موضوعية يجب أن يتعرف عليها ويكتشفها كما يكتشف الطفل العالم من حوله، بل الحقائق موجودة لأنَّه يقرِّرها لا اكثر.
وحتى لو تنزَّل للاعتراف بالعالم المادي جبراً - للمنهج التجريبي الطاغي- فإنَّه ينكر وجود عالَمٍ موازي، توجد فيه حقائق أخلاقية، ومن ذلك أنكر وجود قِيَم و مبادئ يجب أن تقوم التشريعات والقوانين عليها، أي أنكر وجود مرجعيات أخلاقية مطلقة، بل المبادئ الأخلاقية تتمحور حول إرادة المجتمع نفسه، وما يريده، وما ينتج (الصحيح) و (الخاطئ) ليس وجودهما في الخارج، بل لأنّ المجتمع (قرَّر) ذلك.
وهذا هو الاتجاه الطاغي عنده حالياً.
فمثلاً، لا يمكن لأحد أن يعترض على فاحشة الزنا أو البغاء عندهم، لأنها تكون بـ(رضا الطرفين) وبحجّة (ما مأذين واحد)، وبنفس الحجة تم تشريع وتقنين مجمل الفواحش كالبغاء، والشذوذ والاجهاض وغيرها.
أما حين يكون الرضا مفقوداً في احد طرفيه، كأن لا يملك أحدهم الإرادة القانونية (غير بالغ/قاصر) أو تم اكراهه يكون الفعل خاطئاً.
وبهذه الحجة، يناقش فلاسفة الغرب هذه الأيام، أنَّ حرمة (سفاح المحارم) أو (الانتحار) أو ما شابهها في العالم الغربي، ليس لأنها خاطئة بحد ذاتها، بل لأن المجتمع الغربي حتى الان يعتبرها خطيئة، ولكن يمكن أن يتغيَّر ذلك في المستقبل!
يا للسخافة.
ولكي لا أطيل الكلام – رغم الرغبة فيه للحاجة الملحة- إلا أنَّ الفكرة الأساسية تتمحور حول التالي:
في عالَمِ الاخلاق، يرى العالم الغربي عدم وجود الأخلاق مستقلّة، بل إنَّ البشر (يخترع) الأخلاق، و(يقرِّر) وجودها من عدمه، فلا توجد مرجعية أخلاقية معيَّنة أصلا..
وهذا الكلام هو مشابه تماماً للقول بأن نيوتن (اخترع) الجاذبية.
وما نقوله في قبال ذلك:
إن هناك حقائق موضوعية، لا ترتبط بالإنسان، ولا برأيه، فهو يكتشف تلك الحقائق، وينظِّم حياته بها، ليتجنَّب ضرر مخالفتها، أو ليوظِّفها في صالحه.
وهذه الحقائق، سواء كانت في عالم الوجود المادي، أو الوجود المعنوي، حقائق
والحق يعني:
الشيء الموجود
المتحقق
الحقيقي
..
وهي التي تسمى في المصطلح القرآني بـ(السنن).
فما يحدِّد حُسنَ الشيءِ، أو قُبحه، بل درجة ذلك الحسن والقبح، مدى توافقه مع تلك السنن او مخالفته. فالزنا – مثلاً – قبيحٌ وخاطئ، بلا فرق في كون الفرد يحبه او يمقته، وبلا فرقٍ في شعوره تجاهه، فحتى لو استحسنت البشرية علاقةً محرَّمة بدعوى الحب او العشق، فهي خاطئة، وقبيحة، لماذا؟
لأنها تخالف سُنَّة الهية، ما هي؟
ليس بالضرورة أن نعلم!
وهنا بيت القصيد، فالوحي يُخبرنا عن بعض تلك السنن، ويُخبرنا عن أحكامٍ تربط بسنن وحكم وعلل، دون أن يخبرنا – بالضرورة عن السنن نفسها- ولكن -عدم معرفتنا بها لا نجعلها ننكرها من اصلها، لأن الوحي القطعي أخبرنا بها. ولعلَّ تطور البشرية العلمي، ونضجها الفكري يوصله يوماً الى تلك السنة الكبرى.
وسواء علم تلك الحقائق او جهلها، فهي موجودة.
وسواء أعجبته تلك الحقائق أو مقتها، تبقى موجودة أيضاً.
فالحقائق لا تهتم بك، ولا بمشاعرك تجاهها، بل أنت الذي ينبغي أن تهتم بها، وتضبط مشاعرك وفقها.
والانسان لا يصنع الحقائق، بل يكتشفها،
يكتشفها تارَةً بنفسه، ويكتشفها بالواسطة تارةً أخرى، أي بالمنّة الإلهية على البشر عبر الأنبياء والرسل
وهذه الفكرة –على بساطتها- تنسف أساساً مهماً في الفكر الليبرالي.
وفي النهاية، من يقول أنَّ البوصلة الأخلاقية، يحددها البشر بنفسه، دون ضبطٍ من السماء، فيضعها مثلاً في معيار (مأذي غيره لو لا؟)، من يقول لك ذلك، قل له:
أنت تعتقد إذاً، أنَّ نيوتن (اخترع) الجاذبية؟!
#مقالات