إنها واحدة من أقسى نوبات الحزن، أن تكون صامتًا تمامًا. لا أقصد أن تنعزل عن الناس، أو تتجنب الحديث مع أحد؛ هناك صمت آخر، هو ذاك الذي يجعلك تتحدث مع الجميع عن تفاصيل حياتهم العادية، تسمع بـاهتمام أوجاعهم ومتاعبهم في الحياة، تقدم النصائح وترشدهم إلى الطريق الذي تراه صحيحًا، تهوّن مأساتهم، وتخفف عنهم أثقالهم، لكنك صامت أمام نفسك، لا تقدر على الحديث معها، تخشى مواجهتها، تخاف الهدوء الذي يسمح لك بالاختلاء بها، والتفكير في أمر حياتك التي تنهار تدريجيًا. كل الأوجاع التي بداخلك تزداد، ورغبتك في الحياة تنعدم رويدًا رويدًا، والشغف اختفى تمامًا من حياتك، لكنك تواصل مهامك اليومية؛ لأنك تعرف أن الحياة لا تنتظرك. تجبَر على الصمت لإيمانك أن ما بداخلك لن يستوعبه، لن يقدره، لن يفهمه أحد، لا جدوى من الكلام، لا جدوى من المناقشات، لا جدوى حتى من البكاء. وإيمانك أنك لن تسمع سوى صدى صوت صراخك يجعلك تكتم كل أصوات وأنين الحزن في صدرك..
إنها واحدة من أقسى نوبات الحزن، أن تكون في خصامٍ طويل مع نفسك، وكأنك غريب عنها، غريب جدًا عن نفسك.
إنها واحدة من أقسى نوبات الحزن، أن تكون في خصامٍ طويل مع نفسك، وكأنك غريب عنها، غريب جدًا عن نفسك.