ويؤكد أن هذه التفاصيل والأسرار ما هو مدون منها قليل، ومهمل، وضائع في الكتب القديمة ويفتقر الى التوثيق بالصور بجانب المعلومات، ولا أليق ولا أكمل من أن نوثق هذه المواقع ونعرفها، بطريقة أوبأخرى لنحافظ على روح المكان في جسده الجديد العملاق.
لماذا ظل مكتوما خبر هذه الكسوة قبل الآن، ولماذا نمر عليها لماما في حين، وبتجاهل في أحايين أخرى؟.. يقول المضواحي: لا زلت أذكر حديث الشيخين في مكة، وأنا أرى نسج عملهم. كنت في مكة، فذهبت صوب مصنع كسوة الكعبة، وهناك عرفت أن للمصنع شرفا آخر، فهو ينتج أيضا كسوة أخرى للحجرة النبوية.
التقيت في ذلك الوقت قبل عدة سنوات برجال شاركوا في الصنع والتركيب، لم أشأ حينها أن أفوت الفرصة حيث إن أصغرهم كان في الستينات من عمره، وخفت أن يودعوا الدنيا دون أن أتمكن من توثيق هذا العمل.
سجلت معهم أحاديث اختلطت بالدموع والخشوع، خانهم التعبير مرات وخنقتهم العبرات في أخرى، وهم يتحدثون عن تجربتهم الفريدة، كانت أطرافهم ترتعش من مجرد الذكرى كأنها حدثت بالأمس، وليس قبل ربع قرن من الزمان.
كان الشيخ محمد على مدني، رئيس قسم النسيج الآلي بالمصنع في ذلك الوقت، كريما معي، وعرفت منه أنه كان أحد الذين شاركوا في نسج كسوة الحجرة النبوية وتركيبها. قلت له حدثني عن كسوة الحجرة النبوية، صفهما لي: جال ببصره بعيدا، كأنه يستحضر تلك الذكريات الغالية، ثم أجابني: شعرت يومها بحالة ذهول كامل تملكتني. إنها بقعة عظيمة، غاية في العظمة، لا أعرف محيطها بالتحديد لكن بدا لي أن محيط الحجرة النبوية 48 مترا.
هيبة المكان غلبت على أن ألحظ فيها شيئا ملفتا للنظر أو للانتباه، كنت مبهورا ولم أر سوى قناديل معلقة بسقف الحجرة، وهي هدايا قديمة كانت تهدى للمسجد النبوي من قديم الزمان، وقيل لي إنه كانت هناك آثار نبوية وضعت في مكان آخر لا أعرف أين، وما أعرفه أن هناك بعض الأشياء التاريخية محفوظة في حجرة السيدة فاطمة الزهراء، وهو ذات المكان الذي كانت تسكن فيه.
أضاف: كسوة الحجرة نسيج من حرير خالص، أخضر اللون، مبطن بقماش قطني متين، ومتوجة بحزام مشابه لحزام كسوة الكعبة المشرفة، غير أن لونه أحمر قان، خط عليه بتطريز ظاهر آيات قرآنية كريمة من سورة الفتح تشغل ربع مساحته، بخيوط من القطن وأسلاك من الذهب والفضة وهو بارتفاع 95سم2.
وهناك قطع أخرى من ذات اللون الأحمر وبنفس النسج لكنها أصغر قليلا مكتوب عليها إشارات تدل على مواقع القبور الثلاثة، وهي من ذات العينة والطراز للكسوة الداخلية لجوف الكعبة، وباختلاف بسيط يتمثل في اختلاف الآيات القرآنية المنسوجة يدويا بطريقة "الجاكار" المعمول مثلها آلياعلى ظاهر كسوة الكعبة .
كسوة الحجرة النبوية لا تتبدل كل عام مثل كسوة الكعبة المشرفة، فهي محفوظة في بناء الحجرة وبعيدة عن الأيادي وعوامل المناخ• ويتم تغييرها كلما دعت الحاجة الى ذلك.
مفاتيح الحجرة عند كبير الأغوات
ترتفع السترة بمقدار ستة أمتار، ويتم تركيبها عادة في السادس من شهر ذي الحجة، كلما صدر الأمر الملكي بذلك، وعند كبير الأغوات مفاتيح الحجرة، وهم من يقوم بخدمتها وتنظيفها والعناية بها كل ليلة اثنين وجمعة حتى الآن.
ويضيف عمر المضواحي متحدثا لـ"العربية.نت": كنت أرغب في المزيد، ووجدته عند الشيخ محمد جميل خياط مدير الإنتاج بالمصنع، وهو رجل بدا لي حينها في الستينات من عمره. قال له الشيخ جميل: تم الإبقاء على الصنع اليدوي في المصنع لعمل الكسوتين، الداخلية لجوف الكعبة المشرفة، والأخرى للحجرة النبوية، للحفاظ على هذا التراث الفني الراقي.
يستطرد المضواحي: ثم التقيت بالشيخ أحمد ساحرتي رئيس قسم التطريز بالمصنع، بدا لي في ذلك الوقت البعيد أيضا كبر سنه، وضعف نظره، بادرني: كيف أستطيع أن أحدثك عن مشاعري لحظة دخولي الى الحجرة النبوية.. لايمكنني ذلك، اعذرني.. هذا حديث فوق قدرتي على الكلام، ولم أظن في يوم من الأيام أن أسئل عن هذه التجربة.. وأؤكد لك أنني لن أستطيع خوضها ثانية.
اقترب مني أكثر وأضاف: أنظر الى عدسات نظارتي ــ وأشار الى غلظتها ــ ودقق النظر في شيبتي وثقل السنين التي أحملها، عمري لا أحصيه، لكنني سمعتهم يقولون إنني من مواليد 1333هـ، ومع كل هذه السنين لم أعرف لي هواية غير حب العطور والروائح الجميلة، وصرفت ردحا من أيامي التي عشتها طولا وعرضا لأشبع هذا النهم الذي لايزال يرافقني للآن، سافرت كثيرا وتعرفت على الكثير لكنني أستطيع أن أقول بثقة أن لي تركيبات عطرية خاصة، لا تكون عند غيري ولا يقدر عليها أحد سواي.
عندما فتحت الأبواب ودخلوا الحجرة
لماذا ظل مكتوما خبر هذه الكسوة قبل الآن، ولماذا نمر عليها لماما في حين، وبتجاهل في أحايين أخرى؟.. يقول المضواحي: لا زلت أذكر حديث الشيخين في مكة، وأنا أرى نسج عملهم. كنت في مكة، فذهبت صوب مصنع كسوة الكعبة، وهناك عرفت أن للمصنع شرفا آخر، فهو ينتج أيضا كسوة أخرى للحجرة النبوية.
التقيت في ذلك الوقت قبل عدة سنوات برجال شاركوا في الصنع والتركيب، لم أشأ حينها أن أفوت الفرصة حيث إن أصغرهم كان في الستينات من عمره، وخفت أن يودعوا الدنيا دون أن أتمكن من توثيق هذا العمل.
سجلت معهم أحاديث اختلطت بالدموع والخشوع، خانهم التعبير مرات وخنقتهم العبرات في أخرى، وهم يتحدثون عن تجربتهم الفريدة، كانت أطرافهم ترتعش من مجرد الذكرى كأنها حدثت بالأمس، وليس قبل ربع قرن من الزمان.
كان الشيخ محمد على مدني، رئيس قسم النسيج الآلي بالمصنع في ذلك الوقت، كريما معي، وعرفت منه أنه كان أحد الذين شاركوا في نسج كسوة الحجرة النبوية وتركيبها. قلت له حدثني عن كسوة الحجرة النبوية، صفهما لي: جال ببصره بعيدا، كأنه يستحضر تلك الذكريات الغالية، ثم أجابني: شعرت يومها بحالة ذهول كامل تملكتني. إنها بقعة عظيمة، غاية في العظمة، لا أعرف محيطها بالتحديد لكن بدا لي أن محيط الحجرة النبوية 48 مترا.
هيبة المكان غلبت على أن ألحظ فيها شيئا ملفتا للنظر أو للانتباه، كنت مبهورا ولم أر سوى قناديل معلقة بسقف الحجرة، وهي هدايا قديمة كانت تهدى للمسجد النبوي من قديم الزمان، وقيل لي إنه كانت هناك آثار نبوية وضعت في مكان آخر لا أعرف أين، وما أعرفه أن هناك بعض الأشياء التاريخية محفوظة في حجرة السيدة فاطمة الزهراء، وهو ذات المكان الذي كانت تسكن فيه.
أضاف: كسوة الحجرة نسيج من حرير خالص، أخضر اللون، مبطن بقماش قطني متين، ومتوجة بحزام مشابه لحزام كسوة الكعبة المشرفة، غير أن لونه أحمر قان، خط عليه بتطريز ظاهر آيات قرآنية كريمة من سورة الفتح تشغل ربع مساحته، بخيوط من القطن وأسلاك من الذهب والفضة وهو بارتفاع 95سم2.
وهناك قطع أخرى من ذات اللون الأحمر وبنفس النسج لكنها أصغر قليلا مكتوب عليها إشارات تدل على مواقع القبور الثلاثة، وهي من ذات العينة والطراز للكسوة الداخلية لجوف الكعبة، وباختلاف بسيط يتمثل في اختلاف الآيات القرآنية المنسوجة يدويا بطريقة "الجاكار" المعمول مثلها آلياعلى ظاهر كسوة الكعبة .
كسوة الحجرة النبوية لا تتبدل كل عام مثل كسوة الكعبة المشرفة، فهي محفوظة في بناء الحجرة وبعيدة عن الأيادي وعوامل المناخ• ويتم تغييرها كلما دعت الحاجة الى ذلك.
مفاتيح الحجرة عند كبير الأغوات
ترتفع السترة بمقدار ستة أمتار، ويتم تركيبها عادة في السادس من شهر ذي الحجة، كلما صدر الأمر الملكي بذلك، وعند كبير الأغوات مفاتيح الحجرة، وهم من يقوم بخدمتها وتنظيفها والعناية بها كل ليلة اثنين وجمعة حتى الآن.
ويضيف عمر المضواحي متحدثا لـ"العربية.نت": كنت أرغب في المزيد، ووجدته عند الشيخ محمد جميل خياط مدير الإنتاج بالمصنع، وهو رجل بدا لي حينها في الستينات من عمره. قال له الشيخ جميل: تم الإبقاء على الصنع اليدوي في المصنع لعمل الكسوتين، الداخلية لجوف الكعبة المشرفة، والأخرى للحجرة النبوية، للحفاظ على هذا التراث الفني الراقي.
يستطرد المضواحي: ثم التقيت بالشيخ أحمد ساحرتي رئيس قسم التطريز بالمصنع، بدا لي في ذلك الوقت البعيد أيضا كبر سنه، وضعف نظره، بادرني: كيف أستطيع أن أحدثك عن مشاعري لحظة دخولي الى الحجرة النبوية.. لايمكنني ذلك، اعذرني.. هذا حديث فوق قدرتي على الكلام، ولم أظن في يوم من الأيام أن أسئل عن هذه التجربة.. وأؤكد لك أنني لن أستطيع خوضها ثانية.
اقترب مني أكثر وأضاف: أنظر الى عدسات نظارتي ــ وأشار الى غلظتها ــ ودقق النظر في شيبتي وثقل السنين التي أحملها، عمري لا أحصيه، لكنني سمعتهم يقولون إنني من مواليد 1333هـ، ومع كل هذه السنين لم أعرف لي هواية غير حب العطور والروائح الجميلة، وصرفت ردحا من أيامي التي عشتها طولا وعرضا لأشبع هذا النهم الذي لايزال يرافقني للآن، سافرت كثيرا وتعرفت على الكثير لكنني أستطيع أن أقول بثقة أن لي تركيبات عطرية خاصة، لا تكون عند غيري ولا يقدر عليها أحد سواي.
عندما فتحت الأبواب ودخلوا الحجرة