أنا .. وفيونا !!
بقلم :
▪سام الغباري
أوقفت سيارة أجرة قاصدًا الذهاب إلى مقر السفارة البريطانية في الرياض، حملت أناقتي معي ورحلت ، بذلة سوداء وربطة عنق داكنة ، وقميص بلون الورد اخترته من القاهرة ، وبداخل هذا النسيج المتباعد رجلٌ من اليمن يتسكع في شوارع عاصمة باردة هبطت في الصحراء كسفينة فضائية ضخمة .
صوت الريح يصفر من نافذة السيارة المهرولة في طريق الدائري بإتجاه حي السفارات . إنه أوان العصر ، والحيّ يكاد يخلو من المارة ، السيارات الفارهة تتزاحم بمخارجه ، وأنا الوحيد القادم إلى موعد ما بعد الدوام !، أخرجت هاتفي، وتحدثت إلى المسؤولة الاعلامية والسياسية في السفارة وهي حضرمية لطيفة أُعلمها بوصولي ، فكانت في انتظاري عند عتبة البوابة الحديدية الضخمة وقد طوّقت عنقي ببطاقة زائر ، دلفنا إلى صالة صغيرة تتفرع منها سلالم قليلة تنفذ الى فناء واسع ، جلسنا بالقرب من مسبح صغير ، تحدثنا قليلًا ، وجاءت شابة بيضاء مبتسمة ، تنساب جدائل شعرها الأشقر بهدوء على كنزة سوداء صافية ، وتخفي نصفها وجهها الصغير بنظارة شمسية كبيرة ، فسألت مُستقبلتي : هل هذه نائبة السفير؟ ، فأومئت برأسها ونهضنا معًا لإستقبالها وتبادلنا عبارات المجاملة المعتادة ، ثم عُدنا إلى جلوسنا .. أنا بين فتاتين وعلى الجانب الآخر إصطف عدد من العاملين في مقاعد أثيرة منهمكين بكتابة أشياءهم على اجهزة محمولة نظيفة ولامعة .
بدأت بالحديث عن سعادتها باللقاء - هكذا قالت لي المترجمة - وسألتني : ما الذي يحدث في اليمن ؟ ، قلت : سأكون دقيقًا في إجابتي ،فعلى المجتمع الدولي أن يسمع شيئًا آخر قد لا يبدو مألوفًا لديهم ، أومأت برأسها متحمسة والتقطت دفتر ملاحظاتها .. وبدأت تكتب ما قد يثير اهتمامها . حينها قلت كل شيء :
قلت أن البريطانيين يجب أن يدركوا جيدًا أسس الصراع في اليمن - يبدو أنهم يعرفون ذلك - فما يحدث اليوم ليس إلا معركة كشفتها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي ضمن سلسلة لأكثر من عشرة آلاف معركة خاضها من يُسمّون الهاشميين في اليمن على مدى ألف عام رغبة في انتزاع الحُكم والثروة والسلطة والأرض لسُلالتهم من أقصى اليمن إلى أقصاه .
قالت : أنت تعني أن مايحدث ليس انقلاب جماعة مسلحة طامحة في السلطة ؟
أومأت برأسي متحمسًا وأضفت : لهذا الانقلاب جذر تاريخي ، ولا يمكن فهم نواياه وأفعاله التدميرية بمعزل عن كل معارك الإمامة الهاشمية في اليمن ، ومن اعتقد أن هذه الجماعة التي تصف نفسها ب "أنصار الله" مجرد مجموعة من "الثوار" الطارئين على المشهد السياسي والعسكري فهو مخطئ في تقديراته ومعرفته التي ستُنتج عنها سُبُلًا عرجاء لا تفضي إلى الحل . وتساءلت بمرارة : لو كانوا ثوارًا وطنيين لتنازلوا قليلًا لحل يجمع اليمنيين إلى كلمة سواء ، ولما استماتوا كل هذا الوقت من أجل خرافة تمنحهم وهم الإصطفاء المزعوم .
تعجبت الديبلوماسية الشابة وأطلقت سؤالًا مفاجئا : أنت بهذا تنفي عنهم صفة اليمنية ؟
قلت : لو اعترفوا بيمنيتهم أصلًا لسقط عنهم أهم شرط من شروط نظريتهم الديناصورية التي تنص على وجوب انتساب مُدّعي الإمامة إلى الحسن أو الحسين سبطا رسول الله الكريم . ولأجل هذا الإنتساب تتوافر وظائف دائمة ومُقدّسة ، وأنهم حتى هذه اللحظة ليسوا على استعداد للتخلي عن "هويتهم" المُدّرة للمال والأنصار ، وفي سبيل تحقيق تلك الوظيفة نراهم يضرمون النار في كل شبر من اليمن ويحشون باطنها بملايين الألغام المتنوعة لإعاقة اليمنيين الثائرين من استعادة عاصمتهم المحتلة ، وقد حسموا أمرهم بإعلان صريح يرفض أي عواء عرقي وعنصري تتكوم قطعانه في زوايا الأحياء والقرى مثيرة الرعب في نفوس اليمنيين العُزل الذين باتوا محاصرين في أدغال الهوية الهاشمية المناقضة للهوية الوطنية والحضارية لليمن المُقدّس .
قالت : وما الحل ؟
قلت : أن تستسلم الحوثية التي تمثل الذراع العسكري للهاشمية ، وتنسحب ضمن اتفاق شامل يضمن تنفيذ العدالة الإنتقالية على كل المجرمين الذين ارتكبوا أعمالًا فردية بحق المواطنين العُزل ، مالم فإن أي اتفاق لا يُقدّم حلولًا لهذه المعضلة "القانونية" قد يؤدي إلى نشوب معارك "ثأرية" بين الراغبين في الإنتقام وخصومهم.
..
انتظرت حتى أنهت المترجمة نقل حديثي إليها ، وتنفست عميقًا ثم أردفت مستدركًا : لا أحد في اليمن يبحث عن اجتثاث عرقي للهاشمية ، والمخاوف التي يشيعونها مجردة من الواقع لإلهاء المجتمع الدولي عن كارثة الإجتثاث العرقي للهوية الوطنية والدينية والتاريخية لليمنيين ، ومحاولتهم الدؤوبة في تغيير ديمغرافي على الأنحاء الجغرافية في عواصم المُدن وتسميم عقول الطلاب الناشئين وتدمير أسس التعليم لإنتاج مجتمع مُضلّل يذهب إلى الموت دون أن يدري من يحارب ، أو على ماذا يقاتل ؟ . فمن يقتل من في هذه اللحظة ؟
..
أخذتني نشوة التوضيح ، مستعيدًا جلستي المتحفزة وأنطلقت كالريح : إذا نالت الهاشمية من اليمن فإنها ستشكل تهديدًا مباشرًا لكل دول الغرب التي ستضرب رأسها مولولة عل
بقلم :
▪سام الغباري
أوقفت سيارة أجرة قاصدًا الذهاب إلى مقر السفارة البريطانية في الرياض، حملت أناقتي معي ورحلت ، بذلة سوداء وربطة عنق داكنة ، وقميص بلون الورد اخترته من القاهرة ، وبداخل هذا النسيج المتباعد رجلٌ من اليمن يتسكع في شوارع عاصمة باردة هبطت في الصحراء كسفينة فضائية ضخمة .
صوت الريح يصفر من نافذة السيارة المهرولة في طريق الدائري بإتجاه حي السفارات . إنه أوان العصر ، والحيّ يكاد يخلو من المارة ، السيارات الفارهة تتزاحم بمخارجه ، وأنا الوحيد القادم إلى موعد ما بعد الدوام !، أخرجت هاتفي، وتحدثت إلى المسؤولة الاعلامية والسياسية في السفارة وهي حضرمية لطيفة أُعلمها بوصولي ، فكانت في انتظاري عند عتبة البوابة الحديدية الضخمة وقد طوّقت عنقي ببطاقة زائر ، دلفنا إلى صالة صغيرة تتفرع منها سلالم قليلة تنفذ الى فناء واسع ، جلسنا بالقرب من مسبح صغير ، تحدثنا قليلًا ، وجاءت شابة بيضاء مبتسمة ، تنساب جدائل شعرها الأشقر بهدوء على كنزة سوداء صافية ، وتخفي نصفها وجهها الصغير بنظارة شمسية كبيرة ، فسألت مُستقبلتي : هل هذه نائبة السفير؟ ، فأومئت برأسها ونهضنا معًا لإستقبالها وتبادلنا عبارات المجاملة المعتادة ، ثم عُدنا إلى جلوسنا .. أنا بين فتاتين وعلى الجانب الآخر إصطف عدد من العاملين في مقاعد أثيرة منهمكين بكتابة أشياءهم على اجهزة محمولة نظيفة ولامعة .
بدأت بالحديث عن سعادتها باللقاء - هكذا قالت لي المترجمة - وسألتني : ما الذي يحدث في اليمن ؟ ، قلت : سأكون دقيقًا في إجابتي ،فعلى المجتمع الدولي أن يسمع شيئًا آخر قد لا يبدو مألوفًا لديهم ، أومأت برأسها متحمسة والتقطت دفتر ملاحظاتها .. وبدأت تكتب ما قد يثير اهتمامها . حينها قلت كل شيء :
قلت أن البريطانيين يجب أن يدركوا جيدًا أسس الصراع في اليمن - يبدو أنهم يعرفون ذلك - فما يحدث اليوم ليس إلا معركة كشفتها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي ضمن سلسلة لأكثر من عشرة آلاف معركة خاضها من يُسمّون الهاشميين في اليمن على مدى ألف عام رغبة في انتزاع الحُكم والثروة والسلطة والأرض لسُلالتهم من أقصى اليمن إلى أقصاه .
قالت : أنت تعني أن مايحدث ليس انقلاب جماعة مسلحة طامحة في السلطة ؟
أومأت برأسي متحمسًا وأضفت : لهذا الانقلاب جذر تاريخي ، ولا يمكن فهم نواياه وأفعاله التدميرية بمعزل عن كل معارك الإمامة الهاشمية في اليمن ، ومن اعتقد أن هذه الجماعة التي تصف نفسها ب "أنصار الله" مجرد مجموعة من "الثوار" الطارئين على المشهد السياسي والعسكري فهو مخطئ في تقديراته ومعرفته التي ستُنتج عنها سُبُلًا عرجاء لا تفضي إلى الحل . وتساءلت بمرارة : لو كانوا ثوارًا وطنيين لتنازلوا قليلًا لحل يجمع اليمنيين إلى كلمة سواء ، ولما استماتوا كل هذا الوقت من أجل خرافة تمنحهم وهم الإصطفاء المزعوم .
تعجبت الديبلوماسية الشابة وأطلقت سؤالًا مفاجئا : أنت بهذا تنفي عنهم صفة اليمنية ؟
قلت : لو اعترفوا بيمنيتهم أصلًا لسقط عنهم أهم شرط من شروط نظريتهم الديناصورية التي تنص على وجوب انتساب مُدّعي الإمامة إلى الحسن أو الحسين سبطا رسول الله الكريم . ولأجل هذا الإنتساب تتوافر وظائف دائمة ومُقدّسة ، وأنهم حتى هذه اللحظة ليسوا على استعداد للتخلي عن "هويتهم" المُدّرة للمال والأنصار ، وفي سبيل تحقيق تلك الوظيفة نراهم يضرمون النار في كل شبر من اليمن ويحشون باطنها بملايين الألغام المتنوعة لإعاقة اليمنيين الثائرين من استعادة عاصمتهم المحتلة ، وقد حسموا أمرهم بإعلان صريح يرفض أي عواء عرقي وعنصري تتكوم قطعانه في زوايا الأحياء والقرى مثيرة الرعب في نفوس اليمنيين العُزل الذين باتوا محاصرين في أدغال الهوية الهاشمية المناقضة للهوية الوطنية والحضارية لليمن المُقدّس .
قالت : وما الحل ؟
قلت : أن تستسلم الحوثية التي تمثل الذراع العسكري للهاشمية ، وتنسحب ضمن اتفاق شامل يضمن تنفيذ العدالة الإنتقالية على كل المجرمين الذين ارتكبوا أعمالًا فردية بحق المواطنين العُزل ، مالم فإن أي اتفاق لا يُقدّم حلولًا لهذه المعضلة "القانونية" قد يؤدي إلى نشوب معارك "ثأرية" بين الراغبين في الإنتقام وخصومهم.
..
انتظرت حتى أنهت المترجمة نقل حديثي إليها ، وتنفست عميقًا ثم أردفت مستدركًا : لا أحد في اليمن يبحث عن اجتثاث عرقي للهاشمية ، والمخاوف التي يشيعونها مجردة من الواقع لإلهاء المجتمع الدولي عن كارثة الإجتثاث العرقي للهوية الوطنية والدينية والتاريخية لليمنيين ، ومحاولتهم الدؤوبة في تغيير ديمغرافي على الأنحاء الجغرافية في عواصم المُدن وتسميم عقول الطلاب الناشئين وتدمير أسس التعليم لإنتاج مجتمع مُضلّل يذهب إلى الموت دون أن يدري من يحارب ، أو على ماذا يقاتل ؟ . فمن يقتل من في هذه اللحظة ؟
..
أخذتني نشوة التوضيح ، مستعيدًا جلستي المتحفزة وأنطلقت كالريح : إذا نالت الهاشمية من اليمن فإنها ستشكل تهديدًا مباشرًا لكل دول الغرب التي ستضرب رأسها مولولة عل