يتشهدوا ، وعلى هذا فللمسلمين النظر قبل اللقاء هل هم بحيث يستطيعون الثبات وجهه أولاً ، فإن وقت المجالدة يضيق عن التدبير ، فعلى الجيش النظر في عَدده وعُدده ونسبة ذلك من جيش عدوهم ، فإذا أزمعوا الزحف وجب عليهم الثبات ، وكذلك يكون شأنهم في مدة نزولهم بدار العدو ، فإذا رأوا للعدو نجدة أو ازدياد قوة نظروا في أمرهم هل يثبتون لقتاله أو ينصرفون بإذن أميرهم ، فإمّا أن يأمرهم بالكف عن متابعة ذلك العدو ، وإمّا أن يأمرهم بالاستنجاد والعودة إلى قتال العدو كما صنع المسلمون في غزوة إفريقية الأولى ، وهذا هو الذي يشهد له قوله تعالى : { إذا لقيتم فئة فاثبُتوا } [ الأنفال : 45 ] وما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قام في الناس فقال : " يأيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " ولعل حكمة ذلك أن يمضي المسلمون في نصر الدين . وعلى هذا الوجه يكون لأمير الجيش ، إذا رأى المصلحة في الانجلاء عن دار العدو وترككِ قتالهم ، أن يغادر دار الحرب ويرجع إلى مقره ، إذا أمن أن يلحق به العدو ، وكان له من القوة ما يستطيع به دفاعهم إذا لحقوا به ، فذلك لا يسمى تولية أدبار ، بل هو رأي ومصلحة ، وهذا عندي هو محمل ما رَوَى أبو داود والترمذي ، عن عبد الله بن عمر : أنه كان في سرية بعثها النبي صلى الله عليه وسلم قال : «فحاصَ الناسُ حَيْصة فكنت فيمن حَاص فلما برزنا قلنا كيف نصنع إذا دخلنا المدينة وقد فررنا من الزحف وبُؤنا بالغضب ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان لنا توبة أقمنا ، وإن كان غير ذلك ذهبنا قال «فجلسنا لرسول الله قبل صلاة الفجر فلما خرج قمنا إليه فقلنا نحن الفرارون ، فأقبل إلينا فقال لا بل أنتم العكّارون ( أي الذين يكُرون يعني أن فراركم من قبيل الفرّ للكر ، يقال للرجل إذا ولّى عن الحرب ثم كرّ راجعاً إليها عَكرَ أوْ اعتكر ) وأنا فئة المسلمين» يَتأول لهم أن فرارهم من قبيل قوله تعالى : { أو متحيزاً إلى فئة } قال ابن عمر { فدنونا فقبلنا يده } فيفهم منه أن فرار ابن عمر وأصحابه لم يكن في وقت مجالدتهم المشركين ، ولكنه كان انسلالاً لينحازوا إلى المدينة فتلك فِئَتُهم .
وإنما حرم الله الفرار في وقت مناجزة المشركين ومجالدتهم وهو وقت اللقاء؛ لأن الفرار حينئذٍ يوقع في الهزيمة الشنيعة والتقتيل ، وذلك أن الله أوجب على المسلمين قتال المشركين فإذا أقدم المسلمون على القتال لم يكن نصرهم إلا بصبرهم وتأييد الله إياهم ، فلو انكشفوا بالفرار لأعمل المشركون الرماح في ظهورهم فاستأصلوهم ، فلذلك أمرهم الله ورسوله بالصبر والثبات ، فيكون ما في هذه الآية هو حكم الصبر عند اللقاء ، وبهذا يكون التقييد بحال الزحف للإحتراز عن اللقاء في غير تلك الحالة . وأما آية { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } [ الأنفال : 65 ] فقد بينت حكم العَدد الذين عليهم طلب جهاد المشركين بنسبة عددهم إلى عدد المشركين ، ولعل هذا مراد ابن العربي من قوله : { لأنه ظاهر الكتاب والحديث } فيما نقله ابن الفرس .
إعراب القرآن : وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
«وَمَنْ» اسم شرط جازم مبتدأ والواو استئنافية. «يُوَلِّهِمْ» يول مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره وفاعله مستتر ، والهاء مفعوله الأول ، «يَوْمَئِذٍ» يوم ظرف زمان أضيف لظرف زمان «دُبُرَهُ» مفعوله الثاني. «إِلَّا» أداة حصر أو استئثناء. «مُتَحَرِّفاً» حال منصوبة أو مستثنى. «لِقِتالٍ» متعلقان ب متحرفا. والجملة الاسمية : ومن .... مستأنفة لا محل لها. «أَوْ مُتَحَيِّزاً» عطف. «إِلى فِئَةٍ» متعلقان بمتحيزا. «فَقَدْ» الفاء رابطة لجواب الشرط ، وقد حرف تحقيق. «باءَ» فعل ماض «بِغَضَبٍ» متعلقان بالفعل. «مِنَ اللَّهِ» لفظ الجلالة مجرور بمن متعلقان بغضب ، والجملة في محل جزم جواب الشرط.
«وَمَأْواهُ» مأوى : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر ، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، والواو عاطفة. «جَهَنَّمُ» خبر. والجملة الاسمية معطوفة. «وَبِئْسَ» فعل ماض جامد لإنشاء الذم. «الْمَصِيرُ» فاعل ، والمخصص بالذم محذوف أي مصيرهم. وجملة بئس المصير : في محل رفع خبر لهذا المبتدأ المحذوف. والجملة الاسمية : مصيرهم بئس المصير مستأنفة.
English - Sahih International : And whoever turns his back to them on such a day unless swerving [as a strategy] for war or joining [another] company has certainly returned with anger [upon him] from Allah and his refuge is Hell - and wretched is the destination
English - Tafheem -Maududi : وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ ف
وإنما حرم الله الفرار في وقت مناجزة المشركين ومجالدتهم وهو وقت اللقاء؛ لأن الفرار حينئذٍ يوقع في الهزيمة الشنيعة والتقتيل ، وذلك أن الله أوجب على المسلمين قتال المشركين فإذا أقدم المسلمون على القتال لم يكن نصرهم إلا بصبرهم وتأييد الله إياهم ، فلو انكشفوا بالفرار لأعمل المشركون الرماح في ظهورهم فاستأصلوهم ، فلذلك أمرهم الله ورسوله بالصبر والثبات ، فيكون ما في هذه الآية هو حكم الصبر عند اللقاء ، وبهذا يكون التقييد بحال الزحف للإحتراز عن اللقاء في غير تلك الحالة . وأما آية { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } [ الأنفال : 65 ] فقد بينت حكم العَدد الذين عليهم طلب جهاد المشركين بنسبة عددهم إلى عدد المشركين ، ولعل هذا مراد ابن العربي من قوله : { لأنه ظاهر الكتاب والحديث } فيما نقله ابن الفرس .
إعراب القرآن : وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
«وَمَنْ» اسم شرط جازم مبتدأ والواو استئنافية. «يُوَلِّهِمْ» يول مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره وفاعله مستتر ، والهاء مفعوله الأول ، «يَوْمَئِذٍ» يوم ظرف زمان أضيف لظرف زمان «دُبُرَهُ» مفعوله الثاني. «إِلَّا» أداة حصر أو استئثناء. «مُتَحَرِّفاً» حال منصوبة أو مستثنى. «لِقِتالٍ» متعلقان ب متحرفا. والجملة الاسمية : ومن .... مستأنفة لا محل لها. «أَوْ مُتَحَيِّزاً» عطف. «إِلى فِئَةٍ» متعلقان بمتحيزا. «فَقَدْ» الفاء رابطة لجواب الشرط ، وقد حرف تحقيق. «باءَ» فعل ماض «بِغَضَبٍ» متعلقان بالفعل. «مِنَ اللَّهِ» لفظ الجلالة مجرور بمن متعلقان بغضب ، والجملة في محل جزم جواب الشرط.
«وَمَأْواهُ» مأوى : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر ، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، والواو عاطفة. «جَهَنَّمُ» خبر. والجملة الاسمية معطوفة. «وَبِئْسَ» فعل ماض جامد لإنشاء الذم. «الْمَصِيرُ» فاعل ، والمخصص بالذم محذوف أي مصيرهم. وجملة بئس المصير : في محل رفع خبر لهذا المبتدأ المحذوف. والجملة الاسمية : مصيرهم بئس المصير مستأنفة.
English - Sahih International : And whoever turns his back to them on such a day unless swerving [as a strategy] for war or joining [another] company has certainly returned with anger [upon him] from Allah and his refuge is Hell - and wretched is the destination
English - Tafheem -Maududi : وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ ف