🔖عذراً على الاطالة مقدماً، لكن الموضوع مفيد.
في واحدة من أشهر التجارب في علم النفس، قام عالم النفس والتر مسشل Walter Mischel باختبار قوة التحمل لدى الأطفال أوبالأدق قدرتهم على التحكم بالذات، وذلك عبر اعطائهم قطعة بسكويت ثم اخبارهم أنهم أمام خيارين: إما أن يأكلوا القطعة مباشرة ولا شيء سيحدث لهم، أو أن بإمكانهم الانتظار لمدة 15 دقيقة، وسيحصلون على قطعة اضافية في النهاية. وُضع الأطفال في غرفة فارغة تماماً، بحيث لا تحتوي على أي شيء يشتت انتباه الطفل، وتُركوا لوحدهم. كانت التجربة تقيس بشكل مباشر قدرة الأطفال على ضبط النفس والتحكم بالذات، لكنها كانت تحاول الاجابة على سؤال أكثر تعقيداً، وهو هل هناك علاقة بين القدرة على التحكم بالذات، وبين الكفاءة المعرفية (cognitive aptitude) وهي القدرة على التعلم والتذكر واستخدام المعلومات لحل المشاكل. لذلك تم متابعة الأطفال حتى بعد 10-15 سنة وقياس أدائهم في المدرسة وفي الحياة بشكل عام.
وُجد لاحقاً أن الأطفال الذين انتظروا 15 دقيقة كانوا أفضل حتى بعد كل تلك السنوات، من ناحية التحكم في ذواتهم وضبطها، وكانوا أفضل في المهمات الإدراكية، وأقل احتمالاً لتعاطي المخدرات، وسجلوا معدلات ذكاء أعلى. أما الأطفال الذين لم يستطيعوا الانتظار، كانوا كأفراد أكثر عرضة للاجابة على الاسئلة مباشرة وبأول اجابة تخطر على البال. ماحصل أن الأطفال الذين قاوموا استطاعوا تشتيت تركيزهم وتفكيرهم عن قطعة البسكويت أمامهم، لذلك استطاعوا أن يصبروا حتى النهاية. كانت هذه النتيجة مثيرة وصادمة، حيث تم تأسيس العلاقة بين الذكاء والتحكم الادراكي. وجاءت الدراسات اللاحقة لتعزز هذه المفاهيم، لدرجة أن هناك اختبار اليوم اسمه اختبار القدرة الادراكية Cognitive ability test يُخضع له المتقدمون لبعض الوظائف لقياس مدى قدرتهم على الانتباه والتركيز واستعمال المعلومات.
بعض تلك الدراسات اللاحقة حاولت الاجابة على سؤال إذا كان بالامكان رفع معدل الذكاء للطفل برفع معدل التحكم بالانتباه (control of attention)، بمعنى هل إذا ساعدنا الطفل ودربناه على أن يبقى مركزاً فيما يفعل، وينتبه لنفسه وألا يتشتت تركيزه بسبب عوامل مختلفة، فهل سيزيد هذا من معدل ذكائه؟ وجد الباحثون من جامعة أوريغون أن تعريض الاطفال لألعاب كمبيوتر مصممة بحيث تحافظ على تركيز الطفل وتحكمه (جعل قطة تسير دائماً ضمن مسار محدد يتغير عرضه)، فإن ذلك أدى لتحسين تحكمهم الوظيفي بطبيعة الحال، والأهم أنه زاد من نتائجهم في اختبارات الذكاء، ولاحظ الباحثون أن هذه الزيادة استمرت لعدة أشهر لاحقة. أجزاء أخرى من البحث وجدت علاقة بين الطرق التي يستعملها الأهل في رعاية الأطفال، وتحفيز بعض الجينات التي تتحكم بوظائف التركيز والانتباه، وأظهرت أيضاً أن هناك علاقة قريبة بين قدرة الطفل على التحكم بتركيزه وقدرته على التحكم بعواطفه.
مثل هؤلاء الأطفال الذين تناولوا قطعة البسكويت بسرعة، والطلاب الذين كانت نتائجهم في اختبارات الانعكاس الادراكي ( سؤال المضرب والكرة) سيئة، فإنهم غالباً يتبعون العقل 1 في حياتهم، يحركهم حدسهم بالدرجة الأولى ويستسلمون له بسهولة. في حين كان الأطفال الذين صبروا والطلاب الذين أجابوا بشكل صحيح على الاختبار، فإنهم يميلون لاستعمال العقل 2 بشكل أكبر. وجد نفس الباحث الذي وضع الاختبار، أن 63% من الطلاب الذين كانت نتائجهم سيئة للغاية، مستعدون أن يأخذوا 3400 دولار هذا الشهر، على أن يصبروا ويحصلوا على 3800 دولار الشهر القادم مقابل 37% من الذين سجلوا نتائج عالية. وأن الذين سجلوا نتائج منخفضة كانوا مستعدين للدفع أكثر بمرتين للحصول على كتاب ما خلال ليلة واحدة مقارنة مع الذين سجلوا نتائج أعلى.
هذه الاختبارات والأبحاث تشرح تماماً لماذا يتخذ بعض الناس دائماً أو في أغلب الأحيان قرارات خاطئة؟ لإنهم ببساطة يتسلسمون لحدسهم بسهولة، ويقودهم العقل 1، في حين لايقع من يستعملون عقلهم النقدي في مثل هذه القرارات الخاطئة بكثرة، مع ملاحظة أن العقل 2 كسول ولايحب أن يعمل دائماً.
يجب الانتباه هنا، أن هذه النتائج مبنية على عينات احصائية، وليس بالضرورة أن تتطابق مع الجميع، ويحاول الباحثون بشكل دائم استنباط نماذج من هذه الاحصاءات، قد لا تكون صحيحة بالضرورة. ملاحظة أخرى، ان الباحث الذي أتى بفكرة وجود عقلان لدينا (واسمه Keith Stanovich)، يرى أن معدل الذكاء العالي، لايعني بالضرورة قدرة كاملة على اتخاذ القرارت أو الحيادية في التفكير، بل يرى أن هناك عامل آخر، وهو العقلانية، ويجادل أن العقلانية والذكاء شيئان مختلفان، فليس كل شخص عقلاني ذكي، وكذلك العكس.
#ترجمة ...
في واحدة من أشهر التجارب في علم النفس، قام عالم النفس والتر مسشل Walter Mischel باختبار قوة التحمل لدى الأطفال أوبالأدق قدرتهم على التحكم بالذات، وذلك عبر اعطائهم قطعة بسكويت ثم اخبارهم أنهم أمام خيارين: إما أن يأكلوا القطعة مباشرة ولا شيء سيحدث لهم، أو أن بإمكانهم الانتظار لمدة 15 دقيقة، وسيحصلون على قطعة اضافية في النهاية. وُضع الأطفال في غرفة فارغة تماماً، بحيث لا تحتوي على أي شيء يشتت انتباه الطفل، وتُركوا لوحدهم. كانت التجربة تقيس بشكل مباشر قدرة الأطفال على ضبط النفس والتحكم بالذات، لكنها كانت تحاول الاجابة على سؤال أكثر تعقيداً، وهو هل هناك علاقة بين القدرة على التحكم بالذات، وبين الكفاءة المعرفية (cognitive aptitude) وهي القدرة على التعلم والتذكر واستخدام المعلومات لحل المشاكل. لذلك تم متابعة الأطفال حتى بعد 10-15 سنة وقياس أدائهم في المدرسة وفي الحياة بشكل عام.
وُجد لاحقاً أن الأطفال الذين انتظروا 15 دقيقة كانوا أفضل حتى بعد كل تلك السنوات، من ناحية التحكم في ذواتهم وضبطها، وكانوا أفضل في المهمات الإدراكية، وأقل احتمالاً لتعاطي المخدرات، وسجلوا معدلات ذكاء أعلى. أما الأطفال الذين لم يستطيعوا الانتظار، كانوا كأفراد أكثر عرضة للاجابة على الاسئلة مباشرة وبأول اجابة تخطر على البال. ماحصل أن الأطفال الذين قاوموا استطاعوا تشتيت تركيزهم وتفكيرهم عن قطعة البسكويت أمامهم، لذلك استطاعوا أن يصبروا حتى النهاية. كانت هذه النتيجة مثيرة وصادمة، حيث تم تأسيس العلاقة بين الذكاء والتحكم الادراكي. وجاءت الدراسات اللاحقة لتعزز هذه المفاهيم، لدرجة أن هناك اختبار اليوم اسمه اختبار القدرة الادراكية Cognitive ability test يُخضع له المتقدمون لبعض الوظائف لقياس مدى قدرتهم على الانتباه والتركيز واستعمال المعلومات.
بعض تلك الدراسات اللاحقة حاولت الاجابة على سؤال إذا كان بالامكان رفع معدل الذكاء للطفل برفع معدل التحكم بالانتباه (control of attention)، بمعنى هل إذا ساعدنا الطفل ودربناه على أن يبقى مركزاً فيما يفعل، وينتبه لنفسه وألا يتشتت تركيزه بسبب عوامل مختلفة، فهل سيزيد هذا من معدل ذكائه؟ وجد الباحثون من جامعة أوريغون أن تعريض الاطفال لألعاب كمبيوتر مصممة بحيث تحافظ على تركيز الطفل وتحكمه (جعل قطة تسير دائماً ضمن مسار محدد يتغير عرضه)، فإن ذلك أدى لتحسين تحكمهم الوظيفي بطبيعة الحال، والأهم أنه زاد من نتائجهم في اختبارات الذكاء، ولاحظ الباحثون أن هذه الزيادة استمرت لعدة أشهر لاحقة. أجزاء أخرى من البحث وجدت علاقة بين الطرق التي يستعملها الأهل في رعاية الأطفال، وتحفيز بعض الجينات التي تتحكم بوظائف التركيز والانتباه، وأظهرت أيضاً أن هناك علاقة قريبة بين قدرة الطفل على التحكم بتركيزه وقدرته على التحكم بعواطفه.
مثل هؤلاء الأطفال الذين تناولوا قطعة البسكويت بسرعة، والطلاب الذين كانت نتائجهم في اختبارات الانعكاس الادراكي ( سؤال المضرب والكرة) سيئة، فإنهم غالباً يتبعون العقل 1 في حياتهم، يحركهم حدسهم بالدرجة الأولى ويستسلمون له بسهولة. في حين كان الأطفال الذين صبروا والطلاب الذين أجابوا بشكل صحيح على الاختبار، فإنهم يميلون لاستعمال العقل 2 بشكل أكبر. وجد نفس الباحث الذي وضع الاختبار، أن 63% من الطلاب الذين كانت نتائجهم سيئة للغاية، مستعدون أن يأخذوا 3400 دولار هذا الشهر، على أن يصبروا ويحصلوا على 3800 دولار الشهر القادم مقابل 37% من الذين سجلوا نتائج عالية. وأن الذين سجلوا نتائج منخفضة كانوا مستعدين للدفع أكثر بمرتين للحصول على كتاب ما خلال ليلة واحدة مقارنة مع الذين سجلوا نتائج أعلى.
هذه الاختبارات والأبحاث تشرح تماماً لماذا يتخذ بعض الناس دائماً أو في أغلب الأحيان قرارات خاطئة؟ لإنهم ببساطة يتسلسمون لحدسهم بسهولة، ويقودهم العقل 1، في حين لايقع من يستعملون عقلهم النقدي في مثل هذه القرارات الخاطئة بكثرة، مع ملاحظة أن العقل 2 كسول ولايحب أن يعمل دائماً.
يجب الانتباه هنا، أن هذه النتائج مبنية على عينات احصائية، وليس بالضرورة أن تتطابق مع الجميع، ويحاول الباحثون بشكل دائم استنباط نماذج من هذه الاحصاءات، قد لا تكون صحيحة بالضرورة. ملاحظة أخرى، ان الباحث الذي أتى بفكرة وجود عقلان لدينا (واسمه Keith Stanovich)، يرى أن معدل الذكاء العالي، لايعني بالضرورة قدرة كاملة على اتخاذ القرارت أو الحيادية في التفكير، بل يرى أن هناك عامل آخر، وهو العقلانية، ويجادل أن العقلانية والذكاء شيئان مختلفان، فليس كل شخص عقلاني ذكي، وكذلك العكس.
#ترجمة ...