الفقه بالأدلة " التيمم "


Kanal geosi va tili: ko‘rsatilmagan, ko‘rsatilmagan


"من يرد الله به خيرا يفقه في الدين"

Связанные каналы

Kanal geosi va tili
ko‘rsatilmagan, ko‘rsatilmagan
Statistika
Postlar filtri


[مَسْأَلَة: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِالْأَرْضِ]
وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِالْأَرْضِ، ثُمَّ تَنْقَسِمُ الْأَرْضُ إلَى قِسْمَيْنِ: تُرَابٌ وَغَيْرُ تُرَابٍ، فَأَمَّا التُّرَابُ فَالتَّيَمُّمُ بِهِ جَائِزٌ، كَانَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ مَنْزُوعًا مَجْعُولًا فِي إنَاءٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ أَوْ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ نُفِضَ غُبَارٌ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، فَاجْتُمِعَ مِنْهُ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْكَفُّ، أَوْ كَانَ فِي بِنَاءِ لَبِنٍ أَوْ طَابِيَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا عَدَا التُّرَابَ مِنْ الْحَصَى أَوْ الْحَصْبَاءِ أَوْ الصَّحْرَاءِ أَوْ الرَّضْرَاضِ أَوْ الْهِضَابِ أَوْ الصَّفَا أَوْ الرُّخَامِ أَوْ الرَّمْلِ أَوْ مَعْدِنِ كُحْلٍ أَوْ مَعْدِنِ زِرْنِيخٍ أَوْ جَيَّار أَوْ جِصٍّ أَوْ مَعْدِنِ ذَهَبٍ أَوْ تُوتِيَاءَ أَوْ كِبْرِيتٍ أَوْ لَازَوَرْدَ أَوْ مَعْدِنِ مِلْحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ غَيْرَ مُزَالٍ عَنْهَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ فَالتَّيَمُّمُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُزَالٌ إلَى إنَاءٍ أَوْ إلَى ثَوْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْآجُرِّ، فَإِنْ رُضَّ حَتَّى يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ تُرَابٍ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَكَذَلِكَ الطِّينُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ، فَإِنْ جَفَّ حَتَّى يُسَمَّى تُرَابًا جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِمِلْحٍ انْعَقَدَ مِنْ الْمَاءِ كَانَ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا بِثَلْجٍ وَلَا بِوَرَقٍ وَلَا بِحَشِيشٍ وَلَا بِخَشَبٍ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحُولُ بَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦]
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ».
وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا».
فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْتِ النَّصُّ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الصَّعِيدِ، وَهُوَ وَجْهُ الْأَرْضِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَبِالْأَرْضِ - وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ - وَبِالتُّرَابِ فَقَطْ فَوَجَدْنَا التُّرَابَ سَوَاءٌ كَانَ مَنْزُوعًا عَنْ الْأَرْضِ، مَحْمُولًا فِي ثَوْبٍ أَوْ فِي إنَاءٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تُرَابٌ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ هَذَا الِاسْمُ، فَكَانَ التَّيَمُّمُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ جَائِزًا، وَوَجَدْنَا الْآجُرَّ وَالطِّينَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُمَا اسْمُ تُرَابٍ وَاسْمُ أَرْضٍ وَاسْمُ صَعِيدٍ فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ، فَإِذَا رُضَّ أَوْ جُفِّفَ عَادَ عَلَيْهِ اسْمُ تُرَابٍ فَجَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَوَجَدْنَا سَائِرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الصَّخْرِ وَمِنْ الرَّمْلِ، وَمِنْ الْمَعَادِنِ مَا دَامَتْ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّ اسْمَ الصَّعِيدِ وَاسْمَ الْأَرْضِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ، فَكَانَ التَّيَمُّمُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزًا، وَوَجَدْنَا كُلَّ ذَلِكَ إذَا أُزِيلَ عَنْ الْأَرْضِ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الْأَرْضِ وَاسْمُ الصَّعِيدِ وَلَمْ يُسَمَّ تُرَابًا، فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَوَجَدْنَا الْمِلْحَ الْمُنْعَقِدَ مِنْ الْمَاءِ، وَالثَّلْجَ وَالْحَشِيشَ وَالْوَرَقَ لَا يُسَمَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ صَعِيدًا وَلَا أَرْضًا وَلَا تُرَابًا، فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ.
والله أعلم.


[مَسْأَلَة: لَوْ عَدِمَ الْمَيِّتُ الْمَاءَ]
وَإِنْ عَدِمَ الْمَيِّتُ الْمَاءَ يُمِّمَ كَمَا يَتَيَمَّمُ الْحَيُّ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ فَرْضٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ، فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ طَهُورٍ وَاجِبٍ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ كُلَّ غُسْلٍ طَهُورٌ.


وفِي هَذَا الْحَدِيثِ إبْطَالُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ عَمَّارًا قَدَّرَ أَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ مِنْ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ، إذْ هُوَ بَدَلٌ مِنْهُ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حُكْمَهُ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فَقَطْ، وَفِيهِ أَنَّ الصَّاحِبَ قَدْ يَهِمُ وَيَنْسَى، وَفِيهِ نَصُّ حُكْمِ التَّيَمُّمِ.
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ «أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ السَّلَامَ» . البخاري.
وهَذَا هُوَ الثَّابِتُ.
وَهَذَا فِعْلٌ مُسْتَحَبٌّ يَعْنِي التَّيَمُّمَ لِرَدِّ السَّلَامِ فِي الْحَضَرِ.
وَبِهَذَا يَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ:
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغَيْنِ.
وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.
وعَنْ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: التَّيَمُّمُ هَكَذَا وَضَرَبَ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.
وهَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ فِي الْخُطْبَةِ، فَلَمْ يُخَالِفْهُ مِمَّنْ حَضَرَ أَحَدٌ.
وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ كَانَا يَقُولَانِ: التَّيَمُّمُ لِلْكَفَّيْنِ وَالْوَجْهِ.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَبِهَذَا كَانَ يَقُولُ عَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ، وَهُوَ الثَّابِتُ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد.
وَأَمَّا اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَمَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ لِمَنْ أَوْجَبَهُ حُجَّةً إلَّا قِيَاسَ ذَلِكَ عَلَى اسْتِيعَابِهِمَا بِالْمَاءِ.وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ.
وَالْمَسْحُ فِي اللُّغَةِ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالِاسْتِيعَابِ فِي التَّيَمُّمِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ. وَالْعَجَبُ أَنَّ لَفْظَةَ الْمَسْحِ لَمْ تَأْتِ فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ وَلَا مَزِيدَ: مَسْحُ الرَّأْسِ وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ وَمَسْحٌ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ، وَمَسْحُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي الطَّوَافِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي أَنَّ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ وَمَسْحَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ. والله أعلم.


[مَسْأَلَة: صِفَةُ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَيْضِ وَلِكُلِّ غُسْلٍ وَاجِبٍ وَلِلْوُضُوءِ صِفَةُ عَمَلٍ وَاحِدٍ]
وَصِفَةُ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَيْضِ وَلِكُلِّ غُسْلٍ وَاجِبٍ وَلِلْوُضُوءِ صِفَةُ عَمَلٍ وَاحِدٍ، إنَّمَا يَجِبُ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْوَجْهَ الَّذِي تَيَمَّمَ لَهُ، مِنْ طَهَارَةٍ لِلصَّلَاةِ أَوْ جَنَابَةٍ أَوْ إيلَاجٍ فِي الْفَرْجِ أَوْ طَهَارَةٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ مِنْ نِفَاسٍ أَوْ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِكَفَّيْهِ مُتَّصِلًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِمَا وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ وَظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى الْكُوعَيْنِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَلَا الْكَفَّيْنِ وَلَا يَمْسَحُ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّيَمُّمِ ذِرَاعَيْهِ وَلَا رَأْسَهُ وَلَا رِجْلَيْهِ وَلَا شَيْئًا مِنْ جِسْمِهِ.
أَمَّا النِّيَّةُ فَقَدْ ذَكَرْنَا وُجُوبَهَا قَبْلُ.
وَأَمَّا سُقُوطُ مَسْحِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ فِي التَّيَمُّمِ فبلا خلاف في ذلك، إلَّا شَيْئًا فَعَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَاهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فيما ذَكَرْنَا - فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، فَفَعَلْنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] فَلَمْ يَحُدَّ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ الْيَدَيْنِ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ إلَى الْمَرَافِقِ وَالرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ لَبَيَّنَهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَ فِي الْوُضُوءِ، وَلَوْ أَرَادَ جَمِيعَ الْجَسَدِ لَبَيَّنَهُ كَمَا فَعَلَ فِي الْغُسْلِ، فَإِذْ لَمْ يُزدْ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذِكْرِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الذِّرَاعَيْنِ وَالرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ، وَلَمْ يَلْزَمْ فِي التَّيَمُّمِ إلَّا الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، وَهُمَا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ يَدَيْنِ، وَوَجَدْنَا السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ قَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ.
عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى - هُوَ سَعِيدٌ - عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " تَمَعَّكْتُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «يَكْفِيكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ» . البخاري.
وعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ - فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِابْنِ مَسْعُودٍ " أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ؟» مسلم.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً، قَالَ عُمَرُ لَا تُصَلِّ، فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ الْأَرْضَ بِيَدَيْكَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. مسلم.


[مَسْأَلَة: يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَكُلُّ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ]
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى بِالنَّاسِ فَلَمَّا انْفَتَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ صَلَاتِهِ إذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» . البخاري.
فبين عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الْجُنُبَ حُكْمُهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ.
وأما ما ورد عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصَلِّ، فَقَالَ أَحْسَنْتَ. وَجَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ: إنِّي أَجْنَبْتُ فَتَيَمَّمْتُ فَصَلَّيْتُ، قَالَ أَحْسَنْتَ»
فهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَهَذَا الَّذِي أَجْنَبَ فَلَمْ يُصَلِّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حُكْمُ التَّيَمُّمِ، فَأَصَابَ إذْ لَمْ يُصَلِّ بِمَا لَا يَدْرِي، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ الشَّرَائِعُ بَعْدَ الْبُلُوغِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩] وَاَلَّذِي تَيَمَّمَ عَلِمَ فَرْضَ التَّيَمُّمِ فَفَعَلَهُ، لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ هَذَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ فَرْضَ الْمُجْنِبِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، فَيُخْطِئُ مَنْ تَرَكَ الْفَرْضَ مِمَّنْ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ لَيْسَ فَرْضَ الْمُجْنِبِ الْمَذْكُورِ فَيُخْطِئُ مَنْ فَعَلَهُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ فَرْضُهُ بِمَا ذَكَرْنَا فِي خَبَرِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَالْآخَرَ عَلِمَهُ، فَأَتَى بِهِ، والله أعلم.
وَأَمَّا الْحَائِضُ وَكُلُّ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ، فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» وَكُلُّ مَأْمُورٍ بِالطَّهُورِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَالتُّرَابُ بِنَصِّ عُمُومِ هَذَا الْخَبَرِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.


[مَسْأَلَة: كَانَ مَحْبُوسًا بِحَيْثُ لَا يَجِدُ تُرَابًا وَلَا مَاءً وَجَاءَتْ الصَّلَاةُ]
وَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ تُرَابًا وَلَا مَاءً أَوْ كَانَ مَصْلُوبًا وَجَاءَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ كَمَا هُوَ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَلَا يُعِيدُهَا، سَوَاءٌ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يَجِدْهُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] وقَوْله تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩] فَصَحَّ بِهَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا مِنْ الشَّرَائِعِ إلَّا مَا اسْتَطَعْنَا، وَأَنَّ مَا لَمْ نَسْتَطِعْهُ فَسَاقِطٌ عَنَّا، وَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْنَا تَرْكَ الْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّمِ لِلصَّلَاةِ إلَّا أَنْ نُضْطَرَّ إلَيْهِ، وَالْمَمْنُوعُ مِنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ مُضْطَرٌّ إلَى مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ أَوْ التُّرَابِ، فَسَقَطَ عَنَّا تَحْرِيمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّلَاةِ بِتَوْفِيَتِهَا أَحْكَامَهَا وَبِالْإِيمَانِ، فَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فَإِذَا صَلَّى كَمَا ذَكَرْنَا فَقَدْ صَلَّى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ صَلَّى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسَيْدَ بْنَ الْحُضَيْرِ وَأُنَاسًا مَعَهُ فِي طَلَبِ قِلَادَةٍ أَضَلَّتْهَا عَائِشَةُ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ» . سنن أبو داود.
وعن هِشَام بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا فَوَجَدَهَا، فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ» البخاري.


[مَسْأَلَة: أَجْنَبَ وَلَا مَاءَ مَعَهُ]
فَمَنْ أَجْنَبَ وَلَا مَاءَ مَعَهُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَيَمَّمَ تَيَمُّمَيْنِ، يَنْوِي بِأَحَدِهِمَا تَطْهِيرَ الْجَنَابَةِ وَبِالْآخِرِ الْوُضُوءَ، وَلَا يُبَالِي أَيَّهُمَا قَدَّمَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا عَمَلَانِ مُتَغَايِرَانِ، فَلَا يُجْزِئُ عَمَلٌ وَاحِدٌ عَنْ عَمَلَيْنِ مُفْتَرَضَيْنِ إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْهُمَا، وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ غَسْلِهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَصِرْنَا إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِ هَهُنَا نَصٌّ بِأَنَّ تَيَمُّمًا وَاحِدًا يُجْزِئُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَعَنْ الْوُضُوءِ.


[مَسْأَلَة: مَعَهُ مَاءٌ يَسِيرٌ يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ جُنُبٌ]
وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَسِيرٌ يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ جُنُبٌ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ، لَا يُبَالِي أَيَّهُمَا قَدَّمَ، لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ مُتَغَايِرَانِ، وَإِذْ هُمَا كَذَلِكَ فَلَا يَنُوبُ أَحَدٌ عَنْ الْآخَرِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ أَحَدَهُمَا بِكَمَالِهِ بِالْمَاءِ، فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا ذَلِكَ، وَيُؤَدِّي الْآخَرَ بِالتَّيَمُّمِ أَيْضًا كَمَا أُمِرَ.

فَلَوْ فَضَلَ لَهُ مِنْ الْمَاءِ يَسِيرٌ فَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ ذَهَبَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَعُمَّ بِهِ سَائِرَ أَعْضَائِهِ، فَفَرْضُهُ غَسْلُ مَا أَمْكَنَهُ وَالتَّيَمُّمُ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَهَذَا مُسْتَطِيعٌ لَأَنْ يَأْتِيَ بِبَعْضِ وُضُوئِهِ أَوْ بِبَعْضِ غُسْلِهِ، غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ عَلَى بَاقِيهِ، فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْغُسْلِ بِمَا يَسْتَطِيعُ فِي الْأَوَّلِ، فَالْأَوَّلُ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَأَعْضَاءِ الْغُسْلِ حَيْثُ بَلَغَ، فَإِذَا نَفِدَ لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ لِبَاقِي أَعْضَائِهِ وَلَا بُدَّ، لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ فِي تَطْهِيرِهَا، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَعْوِيضُ التُّرَابِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

فَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَعْضَائِهِ ذَاهِبًا أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّهِ الْمَاءَ لِجُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ سَقَطَ حُكْمُهُ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَأَجْزَأَهُ غَسْلُ مَا بَقِيَ، لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ عَاجِزٌ عَنْ تَطْهِيرِ الْأَعْضَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ لِوُجُودِهِ الْمَاءَ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] والله أعلم.


[مَسْأَلَة: مَعَهُ مَاءٌ يَسِيرٌ يَكْفِيهِ لِشُرْبِهِ فَقَطْ وَأَرَادَ الصَّلَاة]
وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَسِيرٌ يَكْفِيهِ لِشُرْبِهِ فَقَطْ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] .


آخر ساعة في رمضان
اللهم تقبل منا صيام رمضان واجعلنا من عتقائك من النار


[مَسْأَلَة: لَيْسَ عَلَى مَنْ لَا مَاءَ مَعَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْوُضُوءِ وَلَا لِلْغُسْلِ]
وَلَيْسَ عَلَى مَنْ لَا مَاءَ مَعَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْوُضُوءِ وَلَا لِلْغُسْلِ، لَا بِمَا قَلَّ وَلَا بِمَا كَثُرَ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ لَمْ يُجْزِهِ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَا الْغُسْلُ وَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلشُّرْبِ إنْ لَمْ يُعْطَهُ بِلَا ثَمَنٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ وُهِبَ لَهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَلَا بُدَّ، وَلَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ «نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ» . مسلم
وعن أَبي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلَأُ» . مسلم.
وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَخْبَرَهُ أَبُو الْمِنْهَالِ أَنَّ إيَاسَ بْنَ عَبْدٍ قَالَ لِرَجُلٍ: لَا تَبِعْ الْمَاءَ، فَإِنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ». الترمذي وقال حسن صحيح.
وعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ «عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدٍ الْمُزَنِيِّ - وَرَأَى نَاسًا يَبِيعُونَ الْمَاءَ - فَقَالَ لَا تَبِيعُوا الْمَاءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُبَاعَ» .ابن ماجة
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَمْنَعَ نَقْعَ الْبِئْرِ يَعْنِي فَضْلَ الْمَاءِ» ابن أبي شيبة.
فَإِذْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِهِ فَبَيْعُهُ حَرَامٌ، وَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَأَخْذُهُ بِالْبَيْعِ أَخْذٌ بِالْبَاطِلِ، وَإِذْ هُوَ مَأْخُوذٌ بِالْبَاطِلِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَمَلِّكَ لَهُ، وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُتَمَلِّكٍ لَهُ فَلَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ لَهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ».
فَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ إلَّا بِوَجْهٍ حَرَامٍ - مِنْ غَصْبٍ أَوْ بَيْعٍ مُحَرَّمٍ - فَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ الْمَاءَ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ.
وَأَمَّا ابْتِيَاعُهُ لِلشُّرْبِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ، وَالثَّمَنُ حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا اسْتِيهَابُهُ الْمَاءَ فَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ إيجَابٌ وَلَا جَاءَ عَنْهُ مَنْعٌ فَهُوَ مُبَاحٌ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِذَا مَلَكَهُ بِهِبَةٍ فَقَدْ مَلَكَهُ بِحَقٍّ، فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّهَارَةِ.


[مَسْأَلَة: لَمْ يَجِدْ إلَّا مَاءً يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ]
وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ أَوْ مَرِيضٌ فَلَمْ يَجِدْ إلَّا مَاءً يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ الْمَوْتَ أَوْ الْمَرَضَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْخِينِهِ إلَّا حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مَاءً يَقْدِرُ عَلَى التَّطَهُّرِ بِهِ.


[مَسْأَلَة: الْمُتَيَمِّمُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الصَّلَوَاتِ]
وَالْمُتَيَمِّمُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْفَرْضَ وَالنَّوَافِلَ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ تَيَمُّمُهُ بِحَدَثٍ أَوْ بِوُجُودِ الْمَاءِ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَلَا يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ بِالتَّيَمُّمِ إلَّا مَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ مِنْ الْأَحْدَاثِ فَقَطْ.
فالتَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ صَحِيحَةٌ بِنَصِّ الْآيَةِ، فَإِذْ الْآيَةُ مُوجِبَةٌ لِذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَا شَاءَ الْمُصَلِّي مِنْ صَلَوَاتِ الْفَرْضِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ النَّافِلَةِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَجْنُبْ أَوْ يَجِدْ الْمَاءَ بِنَصِّ الْآيَةِ نَفْسِهَا. والله أعلم.


[مَسْأَلَة: يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ وُجُودُ الْمَاءِ]
وَيَنْقُضُ التَّيَمُّمَ أَيْضًا وُجُودُ الْمَاءِ، سَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي صَلَاةٍ أَوْ بَعْدَ أَنْ صَلَّى أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ الَّتِي هُوَ فِيهَا تُنْتَقَضُ لِانْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ وَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْتَسِلُ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيمَا قَدْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ وَجَدَ الْمَاءَ إثْرَ سَلَامِهِ مِنْهَا.
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَلَاتِهِ إذْ هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» ثُمَّ ذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ ذَلِكَ أَمْرَ الْمَاءِ الَّذِي أَحْدَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى آيَةً لِنَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: " وَكَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنْ «أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إنَاءً مِنْ مَاءٍ، وَقَالَ: اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ» . البخاري.
وعَنْ «عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْقَوْمِ جُنُبٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ وَجَدْنَا الْمَاءَ بَعْدُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَغْتَسِلَ وَلَا يُعِيدَ الصَّلَاةَ» الأحكام الكبرى.
وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ حُذَيْفَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» .
فَصَحَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الطَّهُورَ بِالتُّرَابِ إنَّمَا هُوَ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ، وَهَذَا لَفْظٌ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ التَّطَهُّرُ بِالتُّرَابِ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ، وَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ طَهُورٌ بِالتُّرَابِ إلَّا أَنْ لَا نَجِدَ الْمَاءَ إلَّا لِمَنْ أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ نَصٌّ آخَرُ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ بِالْقَبُولِ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، بَلْ فَرَضَ الْعَمَلَ بِهِمَا مَعًا، وَصَحَّحَ هَذَا أَيْضًا أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُجْنِبَ بِالتَّيَمُّمِ بِالصَّعِيدِ وَالصَّلَاةِ، ثُمَّ أَمْرُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ بِالْغُسْلِ.
وإنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَيُعِيدُهَا أَمْ لَا؟
لا تعاد الصلاة لأنهم مَأْمُورون بِالتَّيَمُّمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا صَلَّوْا كَانُوا لَا يَخْلُونَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونُوا صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا أَوْ لَمْ يُصَلُّوا كَمَا أُمِرُوا.
وبِيَقِينٍ أَنَّهُمْ قَدْ صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا، فَإِذْ قَدْ صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا فَلَا تَحِلُّ لَهُمْ إعَادَةُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ قَالَ: «أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَقَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ». سنن أبو داود.
فَسَقَطَ الْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ جُمْلَةً.
ومَنْ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَخْلُو وُجُودُ الْمَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَيُعِيدُهُ فِي حُكْمِ الْمُحْدِثِ أَوْ الْمُجْنِبِ، أَوْ يَكُونَ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَلَا يُعِيدُهُ فِي حُكْمِ الْمُجْنِبِ أَوْ الْمُحْدِثِ.
وقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ» فَصَحَّ أَنْ لَا طَهَارَةَ تَصِحُّ بِتُرَابٍ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إلَّا لِمَنْ أَجَازَهُ لَهُ النَّصُّ مِنْ الْمَرِيضِ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ حَرَجٌ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ بُطْلَانُ طَهَارَةِ الْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي صَلَاةٍ كَانَ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ.
والله أعلم.


[مَسْأَلَة: كُلُّ حَدَثٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ]
وَكُلُّ حَدَثٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ، هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.


🎲 اختبار 'أسئلة في فقه الصيام"رمضان"؟'
🖊 أسئلة 31 · ⏱ 1 د


[مَسْأَلَة: السَّفَرُ الَّذِي يُتَيَمَّمُ فِيهِ]
وَالسَّفَرُ الَّذِي يُتَيَمَّمُ فِيهِ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ سَفَرًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَوْ مِمَّا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ - مِمَّا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ مِنْ الْبُرُوزِ عَنْ الْمَنَازِلِ - فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ.
فَأَمَّا الْمُسَافِرُ سَفَرًا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سَفَرٍ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَهُ التَّيَمُّمُ فَالْأَفْضَلُ لَهُمَا أَنْ يَتَيَمَّمَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، سَوَاءٌ رَجَوْا الْمَاءَ أَوْ أَيْقَنَا بِوُجُودِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، أَوْ أَيْقَنَا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، وَكَذَلِكَ رَجَاءُ الصِّحَّةِ وَلَا فَرْقَ.
وَأَمَّا الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ وَمَنْ لَهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّيَمُّمُ إلَّا حَتَّى يُوقِنَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ قَبْلَ إمْكَانِ الْمَاءِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْمُسَافِرِ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ، وَفِي الْمَرِيضِ كَذَلِكَ وَفِي الْمَرِيضِ ذِي الْحَرَجِ، وَكَانَ الْبِدَارُ إلَى الصَّلَاةِ أَفْضَلَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣] وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَلَا خِلَافَ مِنْ أَحَدٍ فِي أَنَّهُ مَا دَامَ يَرْجُو بِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّيَمُّمُ.
عَنْ الْأَعْرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ «أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» . البخاري
وعَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَيَمَّمَ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مِيلٌ أَوْ مِيلَانِ ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ.
وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّهُ أَقْبَلَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ الْجُرْفِ، فَلَمَّا أَتَى الْمِرْبَدَ لَمْ يَجِدْ مَاءً، فَنَزَلَ فَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ وَصَلَّى ثُمَّ لَمْ يُعِدْ تِلْكَ الصَّلَاةَ.






[مَسْأَلَة: يَتَيَمَّمُ مَنْ كَانَ فِي الْحَضَرِ صَحِيحًا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ]
وَيَتَيَمَّمُ مَنْ كَانَ فِي الْحَضَرِ صَحِيحًا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ أَنَّهُ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ وَالدَّلْوُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى شَفِيرِ النَّهْرِ وَالسَّاقِيَّةِ وَالْعَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ يُوقِنُ أَنَّهُ لَا يُتِمُّ وُضُوءَهُ أَوْ غُسْلَهُ حَتَّى يَطْلُعَ أَوَّلُ قَرْنِ الشَّمْسِ، وَكَذَلِكَ الْمَسْجُونُ وَالْخَائِفُ.
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ» ، فَذَكَرَ فِيهَا: «وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» . مسلم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ» .
فَهَذَا عُمُومٌ دَخَلَ فِيهِ الْحَاضِرُ وَالْبَادِي.
وَالصَّلَاةُ فَرْضٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ، وَالتَّأْكِيدُ فِيهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَجْهَلَهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَوَجَدْنَا هَذَا الَّذِي حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْوُضُوءِ وَبِالْغُسْلِ إنْ كَانَ جُنُبًا وَبِالصَّلَاةِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ سَقَطَا عَنْهُ، وَقَدْ نَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ طَهُورٌ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ، فَهُوَ غَيْرُ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّلَاةِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا بَيِّنٌ. والله أعلم.
ومن قال ينتظر ويتوضأ ولو فاتته الصلاة فقد أَسْقَطَ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَدَائِهَا فِيهِ، وَأَلْزَمَهُ إيَّاهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى تَأْخِيرَهَا إلَيْهِ. والله أعلم.

20 ta oxirgi post ko‘rsatilgan.

140

obunachilar
Kanal statistikasi