على منهاج النُّبُوَّة ٤٤
فاعملْ من وراء البحار!
جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يسأله عن الهجرة، فقال له: ويحكَ إنَّ شأن الهجرة لشديد، فهل لكَ من إبل؟
فقال الأعرابي: نعم
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: فهل تُؤدِّي زكاتها؟
قال: نعم
فقال له: فهل تمنحُ منها شيئاً؟ يريدُ أن يقول له فهل تتصدَّق بالقليل بعد إخراج الزكاة
فقال: نعم
فقال له: فاعملْ من وراءِ البحار، فإنَّ الله لن يَترِكَ من عملكَ شيئاً!
علَّقَ الإمامُ النووي على هذا الحديث بقوله: المُراد بالهجرة التي سأل عنها الأعرابي هي مُلازمة المدينة مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتركِ أهله ووطنه، ولأنه يعلمُ حنين الأعراب إلى أوطانهم، خافَ عليه أن لا يقوى عليها، ولا يقوم بحقوقها!
الفكرة أنَّ الإنسان يستطيعُ أن يكونَ مُهاجراً مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو في بيته، فليس المهمُ أين يسكنُ المرء، ولا مع مَنْ، المهمُ ماذا يفعلُ، وكيف يتعبَّدُ، وكيف هو قلبُه، ما نَفَعَ ابنُ سلولٍ إقامتَه في المدينةِ وصلاتَه الفجر في المسجدِ خلف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وما ضرَّ عجائز الجزيرة اللواتي سمعنَ به، وآمنَّ برسالته، ولم يَرَيْنَهُ، اللهم إلا أنَّ رؤيته كنزٌ من كنوز الدنيا!
لا تُعلِّقْ صلاحكَ وفسادكَ على المكانِ الذي تعيشُ فيه، صحيحٌ أن البيئة مهمة، وأنها إما تُشجِّعُ على الطاعة أو تحثُّ على المعصية، ولكن الأجر على قدرِ المُجاهدة!
جاءَ زمانٌ على هذا الكوكب لم يكن أحدٌ يعبدُ الله فيه إلا إبراهيم عليه السلام! ومن حاشية فرعون وقصره جاء رجل يكتم إيمانه ويُدافع عن موسى عليه السلام!
ولا تُعلِّق فسادكَ وصلاحكَ على الأشخاص الذين تعيشُ معهم، كان فرعونُ يقول: "أنا ربكم الأعلى"! وفي الغرفةِ المُجاورةِ كانتْ زوجته آسيا بنت مزاحم تسجدُ وتقولُ: "سبحان ربي الأعلى"! فمهما بلغَ زوجكِ من المعصية ما هو إلا نقطة في بحر فرعون فلا تتحجَّجي! صحيح أن الزوج الصالح يُعين على الطاعة ولكن من قال أن الزوج العاصي سبب لتعصي أنتِ!
في بيتِ شيخِ المُرسلين نوح عليه السَّلام كان هناك زوجة كافرة! وفي بيتِ لوطٍ عليه السَّلام كان هناك زوجة كافرة أيضاً، وما شغلهما هذا عن العبادة الذاتية، بل عن عبادة النبوة والتبليغ وهي أعظم وأشقُّ وظيفة في التاريخ!
ومهما بلغَتْ زوجتك من سوء الخُلُق والمعصية فلن تبلُغ مقدار زوجتي نوح ولوطٍ عليهما السَّلام، فليسَ بعد الكُفر ذنب، فلا تتذرَّع! صحيح أن الزوجة الصالحة تُعين على الطاعة ولكن من قال أن تقصيرها يُبيحُ تقصيركَ!
نقطة أخيرة:
في كلِّ عائلةٍ هناك الصالح والطالح:
كان لآسيا زوج طاغية، وكان لنوحٍ ولوطٍ عليهما السلام زوجات كافرات، وكان لإبراهيم عليه السلام أب مشرك، وكان للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عمٌّ اسمه أبو لهبٍ ذمَّه اللهُ سُبحانه في القرآن الكريم، فلا تُعيِّر أحداً بقرابتِه!
أدهم شرقاوي
فاعملْ من وراء البحار!
جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يسأله عن الهجرة، فقال له: ويحكَ إنَّ شأن الهجرة لشديد، فهل لكَ من إبل؟
فقال الأعرابي: نعم
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: فهل تُؤدِّي زكاتها؟
قال: نعم
فقال له: فهل تمنحُ منها شيئاً؟ يريدُ أن يقول له فهل تتصدَّق بالقليل بعد إخراج الزكاة
فقال: نعم
فقال له: فاعملْ من وراءِ البحار، فإنَّ الله لن يَترِكَ من عملكَ شيئاً!
علَّقَ الإمامُ النووي على هذا الحديث بقوله: المُراد بالهجرة التي سأل عنها الأعرابي هي مُلازمة المدينة مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتركِ أهله ووطنه، ولأنه يعلمُ حنين الأعراب إلى أوطانهم، خافَ عليه أن لا يقوى عليها، ولا يقوم بحقوقها!
الفكرة أنَّ الإنسان يستطيعُ أن يكونَ مُهاجراً مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو في بيته، فليس المهمُ أين يسكنُ المرء، ولا مع مَنْ، المهمُ ماذا يفعلُ، وكيف يتعبَّدُ، وكيف هو قلبُه، ما نَفَعَ ابنُ سلولٍ إقامتَه في المدينةِ وصلاتَه الفجر في المسجدِ خلف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وما ضرَّ عجائز الجزيرة اللواتي سمعنَ به، وآمنَّ برسالته، ولم يَرَيْنَهُ، اللهم إلا أنَّ رؤيته كنزٌ من كنوز الدنيا!
لا تُعلِّقْ صلاحكَ وفسادكَ على المكانِ الذي تعيشُ فيه، صحيحٌ أن البيئة مهمة، وأنها إما تُشجِّعُ على الطاعة أو تحثُّ على المعصية، ولكن الأجر على قدرِ المُجاهدة!
جاءَ زمانٌ على هذا الكوكب لم يكن أحدٌ يعبدُ الله فيه إلا إبراهيم عليه السلام! ومن حاشية فرعون وقصره جاء رجل يكتم إيمانه ويُدافع عن موسى عليه السلام!
ولا تُعلِّق فسادكَ وصلاحكَ على الأشخاص الذين تعيشُ معهم، كان فرعونُ يقول: "أنا ربكم الأعلى"! وفي الغرفةِ المُجاورةِ كانتْ زوجته آسيا بنت مزاحم تسجدُ وتقولُ: "سبحان ربي الأعلى"! فمهما بلغَ زوجكِ من المعصية ما هو إلا نقطة في بحر فرعون فلا تتحجَّجي! صحيح أن الزوج الصالح يُعين على الطاعة ولكن من قال أن الزوج العاصي سبب لتعصي أنتِ!
في بيتِ شيخِ المُرسلين نوح عليه السَّلام كان هناك زوجة كافرة! وفي بيتِ لوطٍ عليه السَّلام كان هناك زوجة كافرة أيضاً، وما شغلهما هذا عن العبادة الذاتية، بل عن عبادة النبوة والتبليغ وهي أعظم وأشقُّ وظيفة في التاريخ!
ومهما بلغَتْ زوجتك من سوء الخُلُق والمعصية فلن تبلُغ مقدار زوجتي نوح ولوطٍ عليهما السَّلام، فليسَ بعد الكُفر ذنب، فلا تتذرَّع! صحيح أن الزوجة الصالحة تُعين على الطاعة ولكن من قال أن تقصيرها يُبيحُ تقصيركَ!
نقطة أخيرة:
في كلِّ عائلةٍ هناك الصالح والطالح:
كان لآسيا زوج طاغية، وكان لنوحٍ ولوطٍ عليهما السلام زوجات كافرات، وكان لإبراهيم عليه السلام أب مشرك، وكان للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عمٌّ اسمه أبو لهبٍ ذمَّه اللهُ سُبحانه في القرآن الكريم، فلا تُعيِّر أحداً بقرابتِه!
أدهم شرقاوي